الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/12/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: محرمات النكاح.
-محرمات النكاح، أو أسباب التحريم.
-تعريف النسب.
 بعد الانتهاء من بحث الولاية في عقد النكاح، وذهبنا إلى أن البنت ولية على نفسها بشرط ان تكون مالكة أمرها ولا أفرق بين كبيرة وصغيرة، نعم هناك إجماع في الثيب على عدم الولاية. وبعد الانتهاء من بحث النظر إلى المرأة الأجنبية وتفصيلات وفروع هذه المسألة، نشرع اليوم باب جديد وهو محرمات النكاح أو أسباب التحريم، من هي التي يحرم زواجها؟.      
  ذكرنا في (وسيلة المتفقهين) أن أسباب التحريم اثنا عشر: النسب، والرِضاع، والمُصاهرة، والزنى، واللواط، والكُفر، واللِعان، والعقدُ في العِدة، والعَدد، والطلاق الثالث، والطلاق التاسع، والإحرام.
  بيان ذلك:  المحرمات قسمان: نسبي وسببي.
 وفي حين اقتصر المحقق في الشرائع في أسباب التحريم على ستة، وذكر صاحب الجواهر في شرح الشرائع أن جميع أسباب التحريم واحد وعشرين: النسب، والرضاع، والمصاهرة، والنظر، واللمس، والزنى بغيرها، والإيقاب، والافضاء، والكفر، وعدم الكفاءة، والرِق، وتبعيض السبب، واستيفاء العَدد، والإحصان، واللعان، وقذف الصماء والخرساء، والطلاق، والاعتداد، والإرحام، والتعظيم كزوجات النبي (r). وسيتبين احكامها تباعا.
  أما التحريم النسبي: فقد ورد في الآية الكريمة: ) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ ( [1]
تعريف النسب: هو فروع الحاصل من نتاج تكويني بين ذكر وانثى.
  وعرّفه صاحب الجواهر: وكيف كان فيحرم بالنسب وهو الاتصال بالولادة بانتهاء أحدهما إلى الآخر، أو انتهائهما إلى ثالث أصول الإنسان ( ويحرم أصوله ) وفروعه.[2]
 ثالث أصول الانسان هو الجد، الأخوين احدهما لا ينتهي إلى الآخر ولكن يشتركان في الانتهاء إلى ثالث وهو الجد فتدخل العمومة والخؤولة   
  ثم يجعل ضابطة للتحريم فيقول (ره): وفروعه، وفروع أول أصوله، وأول فرع من كل أصل بعد الأصل الأول. وبعبارة أخرى: كل قريب إليه ولو بواسطة من هو أقرب منه ما عدا أولاد العمومة والخؤولة. 
يحرم أول الأصل وهو الاب، وفروعه أي الأولاد، ويحرم بعد الأصل الأول وهو الجد. 
  وهنا ملاحظات في التعريف:
 الأولى: أننا استبدلنا قوله (ره): ( الاتصال بالولادة)، بعبارة " الحاصل التكويني " وذلك لإدخال ما تمّ تحقيقه من طفل الانبوب، أو ما يمكن تحقيقه بعد ذلك. وإنما قلنا " التكويني " لكي نطرد " الاعتباري " كقوله: " أنت علي كظهر أمي " جعل الزوجة أما بالاعتبار، وكالأبن بالتبني، قال تعالى: ) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ( [3]. النسب مسألة تكوينية ويشمل حتى الزنى وليس كالاعتبار الذي اعتبر الله تعالى: ) مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا  (.
  الثاني: أن العبارة في النسخة الموجودة عندي هي: " ثالث أصول الإنسان وفروعه " وهي غير ملائمة ولا بد من تعديلها بما ذكرنا ( ويحرم أصوله وفروعه ) ليتم ما أراده صاحب الجواهر (ره)، والظاهر أنه خطأ من الناسخ أو من الطباعة.
  وكيف كان، نعود إلى الأصناف السبعة النسبية المحرّمة:
-تحرم الأم وإن علَت لأب أو أم. وفي المسالك أن ضابط الأم: كل أنثى ولدتك أو ولدت من ولدتك ذكرا كان أم انثى.
  وهنا نقطتان:
 الأولى: لا بد من تقدير متعلّق للتحريم، لأن التحريم لا يتعلّق بالأعيان بل بالأفعال، والمقدّر لا بد له من قرينة، ولو من باب مناسبة الحكم للموضوع، والمناسب بالنسبة للنساء هو التزويج أو الوطء، وكلاهما يدلّ على عدم جواز التزويج. ومع عدم وجود مناسبة الحكم للموضوع يصبح المتعلق المقدّر غير واضح فنتمسك بأصالة الاطلاق، أي يحرم كل ما من شأنه أن يتعلق بهذه العين. ولذلك قالوا ان حذف المتعلق يفيد العموم.   
  الثانية: إن الأم يدور أمرها بين خصوص من كانت بلا واسطة، وما يشملها ويشمل الجدات " الأم وإن علت ".
 ويمكن أن يقال: إن الأم بلا واسطة هي من الموضوع له بلا شك، ونشك في شمول مفهوم الأم لمن علت [4]، ومعه نقتصر في الأحكام على القدر المتيقن كما ذكرنا في الشبهة المفهومية، فنقتصر في أسباب التحريم على الأمومة المباشرة.
 ولكن، هذا إنما يتم مع عدم وجود إجماع على شمول الأم لمن علَت، والشمول من ضرورات الفقه، بل يكاد يكون من ضرورات الدين.[5]
 في الوسائل هناك باب كامل لتحريم الأم وإن علت، لكن لم نجد إلا رواية واحدة وفيها إشكال في السند.
 ففي الحديث: محمد بن علي بن الحسين في (عيون الأخبار) عن هاني بن محمد بن محمود، عن أبيه رفعه إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال للرشيد في حديث يا أمير المؤمنين لو أن النبي صلى الله عليه وآله نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: ولم لا أجيبه؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: ولكنه لا يخطب: إليّ ولا أجيبه قال: ولم؟ قال: لأنه ولدني ولم يلدك.  [6]
  في السند: هاني بن محمد بن محمود مرضي عنه عند الصدوق (ره) وهو احد مشايخه. الرواية مرفوعة لا نؤخذ بها، لكنها وردت في عيون الاخبار وهو كتاب للشيخ الصدوق (ره)، وهذا له أثر في قبول الرواية.  
 في الدلالة:  كلمة " ولكنه لا يخطب إليّ ولا أجيبه " دلالة واضحة على الحرمة، تحرم البنت وان سفلت.
 ونستفيد أيضا من الرواية أن الامام (u) كان لا يترك مجالا إلا أن يعلم هارون الرشيد بأنه غاصب للخلافة والسلطة.
  إذن نتيجة الكلام: ان المحرم: نسبي وسببي. والنسب ما كان من نتاج تكويني وليس اعتباريا بالألفاظ. ثانيا: الأصناف السبعة ذكرتها الآية الكريمة منها الأم وإن علًت. ونستفيد من التبادر أنه خاص بالمباشرة، و " إن علت " لا دليل عليها، نعم هناك ضرورة فقهية وهناك ما يشير اليها من الروايات الضعيفة السند، لكن مع الضرورة الفقهية وقد تكون ضرورة دينية فالحكم يشمل الأم وإن علت.
 غدا ان شاء الله نكمل البحث.


[1] نساء/سوره4، آیه23.
[2] جواهر الكلام، الشيخ محمد النجفي، ج 29، ص 238.
[3] مجادله/سوره58، آیه2.
[4] قلنا سابقا: إن إنسباق اللفظ إلى المعنى إن كان إلى الموضوع له فهو تبادر، وإن كان إلى بعض الأفراد فهو انصراف. .
[5] فرقنا سابقا بين:  الاتفاق، الاجماع، والتسالم، والضرورة الفقهية، والضرورة الدينية.  .
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14. باب2، تحرم الأخت وان نزلت. ح 3،ص 275.