الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/12/25

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: هل يشترط في الولي الإسلام.
قبل الشروع في بحث محرمات النكاح سنتعرض لبعض الفروع التي كان يجب أن نبحثها في بحث أولياء العقد، وهي هل يشترط في الولي الإسلام؟ مسألة أصبحت محل ابتلاء لأن الكثير من الفتيات والنساء يصبحن مسلمات، فهل تبقى لأبيها غير المسلم الولاية عليها؟ وكذلك في الطفل، هل لأبيه غير المسلم أن يزوجه أو لا؟
إذن البحث هو في ولاية الكافر على المسلم، هل تشملها إطلاقات الولاية.       
 هناك فرعان:
   الأول: إذا كان المولى عليه كافرا؟
   الثاني: إذا كان المولى عليه مسلما؟
   الفرع الأول: إذا كان الابن كافرا أو البنت، فهل لأبيه الكافر ولاية عليه؟
   نسب إلى العلامة (ره) ثبوت الولاية.
   ويمكن أم يستدل على الولاية بأمور:
 منها: إطلاق أدلة الولاية، فعندما يقال في الروايات: " إن كانت مالكة أمرها تتزوج من تشاء "، وإلا فللولي أن يمنعها، نرى إن حق المنع غير مقيّد بالإسلام، فيشمل الولي الكافر.
 ومنها: قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [1]، وهذا الوجه ذكره صاحب الجواهر.
 وفيه: أن الآية لا ربط لها بالمقام، فهيا في مقام بيان التناصر والتراحم والمؤازرة ووحدة حالهم تجاه المؤمنين، فوزانه وزان " الكفر ملّة واحدة " ووزان: " لا تتخذوا الذين كفروا أولياء بعضهم أولياء بعض "، ولا ربط له في المقام، مقام الولاية وإدارة الأمور وتدبيرها للمولى عليه. بل هو في مقام بيان أنهم يتناصرون عليكم، ولا يؤازروكم ولا يمحضونكم النصيحة بل قد يغدروا بكم.
 وأما ما نحن فيه فهو تدبير الأمور مع اشتراط مراعاة المصلحة من قبل الولي على ما ذهبنا إليه، أو اشتراط عدم المفسدة على المشهور، وإلا تسقط الولاية.
  يؤيّده أن الظاهر من حكمة الولاية هي اختيار المصلحة للمولى عليه كما ذكرنا [2]، وهذه المصلحة قد تتوفر بالأب الكافر لما يحمل من حنان الأبوة والعطف.
  وما يمكن أن يستدل للقول الثاني وهو عدم ثبوت الولاية وهو المنسوب إلى الشرائع، والتحرير، هو أصالة عدم ثبوت الولاية.
 لكن يرد عليه: أنه أصل عملي [3] ولا جريان له مع وجود الأدلة اللفظية.
 إذن يمكن الذهاب إلى القول ببقاء ولاية للكافر على الكافر ولا نافي لها، بشرط أن يختار لها المصلحة وإلا سقطت ولايته كما في ولاية المسلم.  
  الفرع الثاني: لو كان المولى عليه مسلما والولي كافرا؟
 المشهور عدم الولاية بل نسب إلى الإجماع كما عن الجواهر والمسالك.
 ويمكن أن يستدل له بأمور:
 منها: الآية الكريمة: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [4].
 ويرد عليه: عدم ظهور للآية يشمل ما نحن فيه، أولا يجب فهم معنى الآية، فهم معنى " السبيل " إذا كان بمعنى السلطة والولاية تكون الآية دالة عليها. بل الظاهر من خلال ما سبقها: ﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هو الجعل في الآخرة. وإلا إذا فسر بأن ليس لهم ولاية في دار الدنيا، وفسرت باليد والسلطة، فإن الواقع على خلاف ذلك وخصوصا في أيامنا هناك سلطة للكفار على المسلمين.
 فالسياق هنا من الآية السابقة رفع الظهور للآية فنقتصر على القدر المتيقن، فلا وجود لأصالة الاطلاق بل اصالة الظهور هي الموجودة، فإذا منع الظهور لا أستطيع أن أتمسك بالإطلاق.   
  ويؤيد استظهر بأن الجعل هو ليوم القيامة ما روي في عيون الأخبار عن أبي الصلت الهروي [5] عن الرضا (u) في

تفسير الآية قال: فانه يقول: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين حجة، ولقد أخبر الله تعالى عن كفار قتلوا نبيهم بغير الحق ومع قتلهم إياهم لم يجعل الله لهم على أنبيائه سبيلا.
 وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير عن علي (u) : ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً؟ قال: في الآخرة.
 يقول السيد الطبطبائي في تفسير الميزان: ويمكن أن يكون نفي السبيل أعم من النشأتين الدنيا والآخرة فإن المؤمنين غالبون، بإذن الله دائما ما داموا ملتزمين بلوازم إيمانهم. قال تعالى: ﴿ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. [6] فعندما يرتفع الاذان تعرف من انتصر، النصر هو لتحقيق الغاية بالرغم من استشهاد سيد شباب اهل الجنة الحسين (ع) لنه لم يكن له سبيل لكن ما أراده من حركته واستشهاده تم.   
  ويقول الجبائي المعتزلي كما في مجمع البيان للطبرسي ج 3 ص 219. " ولو حملناه على الغلبة لكان ذلك صحيحا، لان غلبة الكفار للمؤمنين ليس مما فعله الله، فإنه لا يفعل القبيح، وليس كذلك غلبة المؤمنين للكفار، فإنه يجوز أن ينسب إليه سبحانه.
 هذا النمط من التفسير سنكمله غدا ان شاء الله، وسنعقد بحثا خاصا حول دلالة الآية الكريمة ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾.


[1] سورة الأنفال، آية 73.
[2] ذكرنا سابقا: أنه على الولي أن لا يختار المفسدة، أم عليه أن يختار المصلحة أيضا؟ هل يشترط في الولي المنع من المفسدة فقط أم يشمل أيضا المصلحة؟ المشهور عند الفقهاء هو عدم المفسدة، ونحن ذهبنا إلى أنه يجب ان يرى المصلحة أيضا.
[3] عندما نقول أصالة العدم عندنا يعني استصحاب العدم. ذكرنا سابقا أنه لا يوجد أصالة العدم، لان تعريف الممكن هو ما تساوى فيه الوجود والعدم. من أين أتى هذا الأصل؟!. بعبارة أخرى: هناك استصحاب عدم الحادث وأصالة عدم الحادث، واصالة تأخر الحادث واستصحاب تأخر الحادث. الذي ثبت حجيته من هذه الأربعة بناء على السيرة العقلائية هو استصحاب عدم الحادث فقط.
[4] نساء/سوره4، آیه141.
[5] أبو الصلت الهروي اسمه عبد السلام بن صالح من أصحاب الرضا (ع) ثقة صحيح، قاله النجاشي والعلامة، وذكره الشيخ أنه عامي، ونسبه الشهيد الثاني إلى الاشتباه للاختلاط بهم، وروى الصدوق في عيون الاخبار ما يدل على صحة اعتقاده وتشيعه.
 في تصحيح الرواية هناك ثلاثة مدارس: مدرسة السند، ومدرسة الكتب، ومدرسة المضمون
[6] آل عمران/سوره3، آیه139.