الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/12/05

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان:حكم ابتداء النساء بالسلام.
-حكم ابتداء النساء بالسلام.
 نجد بعض المؤمنين يحتاطون فلا يبدأ بالسلام على امرأة ولا يتكلم معها، وصارت سمة من سمات المؤمن الصالح، أساس هذه المسألة فتوى فقهية اشتهرت وهي كراهة ابتداء النساء بالسلام.   
  وإنما قيدّنا بالإبتداء لوجوب رد السلام على المرأة كما على هو واجب على الرجل. ونسب إلى المشهور كراهة ابتداء النساء بالسلام.
 واستدل على كراهة ابتداء النساء بالسلام بروايات لان المسألة ليست عقلية ولا أصولية.
    منها: ما في الوسائل: محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (ع) قال: قال امير المؤمنين (ع) لا تبدأوا النساء بالسلام، ولا تدعوهنّ إلى الطعام، فإن النبي (ص) قال: النساء عَيٌّ وعورة فاستروا عيّهن بالسكوت واستروا عوراتهنّ [1]بالبيوت. [2]
  من حيث السند: الرواية معتبرة.
 ومن حيث الدلالة: فإن معنى كلمة (عَيّ) هو التلكؤ في الكلام وليس عدمه. فقيل: إطلاق الرواية يقتضي النهي عن مطلق الكلام ومنه السلام، وعدم إلجائهنّ إلى ردّ السلام بابتداء السلام عليهنّ.  
  إلا أن التأمل يقتضي كون النهي معللا بكونهنّ " عَيٌّ " وكأن عدم الكلام ستر لهذا العيب، ويكون النهي دائرا مدار هذا العيب، لان مفهوم العلّة يوسع ويضيق، وكلما وجدت العلّة وجد المعلول، أي إذا كان هناك " عيّ " يطلب ستره بالسكوت، ومع عدم وجود العيّ لا يمكن توسيع الحكم لكل امرأة، ولكل سلام وكلام، فموضوع التحريم والكراهة كونها " عيّ "، ومع العلم بوجود نساء فصيحات كثيرات خصوصا في الحاضر نستظهر أن الموضوع ليس مطلق المرأة.
  ومنها: الوسائل ح2: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى (العطار القمي، ثقة كثير الحديث)، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيى (الخزاز، ثقة)، عن غياث بن إبراهيم، عن ابي عبد الله (ع) انه قال: لا تسلّم على المرأة. [3]
  من حيث السند: الرواية معتبرة موثقة بغياث بن إبراهيم فهو ثقة بتري. ومحمد بن يحيى الأول غير الثاني، وكلاهما ثقة. 
  ومن حيث الدلالة هي واضحة وظاهرة في إطلاق النهي وفي حرمته، إلا اننا نقيَّدها بأدلة الجواز.
  ومنها: محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعيّ بن عبد الله، عن أبي عبد الله (ع) قال: كان رسول الله (ص) يسلّم على النساء ويرددن عليه، وكان أمير المؤمنين يسلّم على النساء، وكان يكره أن يسلّم على الشابة منهنّ ويقول: أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ أكثر مما طلبت من الأجر. [4]
 من حيث السند: الرواية صحيحة.
 اما من حيث الدلالة: فقد استدل بعدم تسليم عليّ (ع) على الشابة، فحَكَم المشهور بالكراهة جمعا بينها وبين ما دلّ على الجواز. ورسول الله (ص)كان يسلم على الجميع، فجعل بعضهم التسليم من خصائص النبي (ص).
  لكن التأمل في الرواية ينافي الحمل على الكراهة للتعبير: " كان رسول الله (ص) يسلّم على النساء " ونعلم ان الفعل المضارع يفيد الحدوث والتجدد، مما يدل على استمرارية النبي (ص) في ذلك ومع ملاحظة كلمة " كان " يدلّ المجموع على كونه من مسلكه، وهذا ينافي الكراهة، إذ لا معنى كون مسلكه وديدنه على أمر مكروه دائما.
 فائدة بلاغية: الفرق بين المضارع والاسم والماضي. المضارع يفيد التجدد والحدوث، فقولنا: " زيد يضرب، أي ضربا بعد ضرب. أما الاسم ومنه الصفات فيفيد مجرد الثبوت، فقولنا: زيد ضارب يعني حدث منه الضرب ولا يفيد تجدده، كذلك الماضي في قولنا: زيد ضرب.
  ولذا نجد في القرآن الكريم أنه وصف حال أخوة يوسف (ع) بعد عودتهم من إلقاء أخيهم في الجبّ مستعملا الفعل المضارع: ﴿ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ﴾ [5] وذلك لإفادته التجدد والحدوث، فكان أبلغ في إظهار تصنعهم للبكاء، فيكون المعنى بكاء بعد بكاء.
  اما اختصاص الحكم بالرسول (ص) فيحتاج إلى دليل[6].
  ونعود للرواية: الرواية ظاهرة في التعليل، فلا يكون مطلق السلام على الشابة مكروها بل خصوص ما لو أعجبه صوتها فيأنس به.
  بل يمكن أن يقال: إن في ابتداء السلام على المرأة ثوابا وأجرا، كما في ملاحظة قوله (ع) : " فيدخل عليّ أكثر مما طلبت من الأجر ". أي أن في السلام عليها أجرا يُطلَب، ولكن لا تذهب هذا الأجر بالوصول إلى المكروه من قبيل " لا ترسل عليها نارا تحرقها ".  
وقد أجاب بعضهم على ذلك: بأن النبي (ص) أبٌ لهذه الأمّة جميعا، غدا نكمل الجواب ان شاء الله.


[1] فائدة: ما كان على وزن فعلة يجمع جمع تصحيح ان كان وصفا، مثل: "سهلة" " سهلات" " و " صعبة " " صعبات". ويجمع جمع تكسير إن لم يكن وصفا، مثل: " سجدة " و" سجدات" و "عورة " " عورات "
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص173، أبواب مقدمات النكاح، باب131، ح1، ط الإسلامية.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص173، أبواب مقدمات النكاح، باب131، ح2، ط الإسلامية.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص174، من أبواب مقدمات النكاح، باب 131، ح3، ط الإسلامية.
[5] یوسف/سوره12، آیه16.
[6] قاعدة: كل فعل للرسول (ص) هو للجميع " ولكم في رسول الله أسوة حسنة "، وجعله من خصائصه هو الذي يحتاج إلى دليل