الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/12/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان:حرمة لمس كل ما يحوز النظر إليه.
   فروع لا بأس بالتعرض إليها، هل يحرم لمس الاجنبيّة؟ وهل تحرم المصافحة؟
 نعرف أن أبناء العامة يختلفون في هذه المسألة، بعضهم يجوز والبعض الآخر لا يجوز، اما فقهاء الاماميّة فلعل هناك اجماعا بل تسالما على الحرمة، وبعضهم عنون المسألة: بـهل يحرم لمس كل ما يحرم النظر اليه؟
 لكن نقول إذا كان هذا العنوان هو الدليل على الحرمة، يكون لمس الكفين والوجه جائزا.       
  يقول صاحب الجواهر في ج29 ص100: [ ثم لا يخفى عليك أن كل موضع حكمنا فيه بتحريم النظر فتحريم اللمس فيه أولى، كما صرّح به بعضهم، بل لا أجد فيه خلافا، بل كأنه ضروري على وجه يكون محرما لنفسه ]. [1]انتهى.
   وعن الشيخ الأعظم المرتضى الانصاري (ره) في كتاب النكاح (اعداد لجنة ترتث الشيخ الأعظم) ص 168: [ إذا حرم النظر حرم اللمس قطعا [2]، بل لا إشكال في حرمة اللمس وإن جاز النظر، للأخبار الكثيرة، والظاهر أنه مما لا خلاف فيه ]. [3]انتهى.
  إذن الإجماع على عدم جواز اللمس ثابت.
  لكن الإنصاف أننا إذا اتكلنا على ما ذكر فإن معنى ذلك جواز لمس الوجه والكفين بدون شهوة وريبة لجواز النظر إليها كذلك، مع التشكيك بأصل الملازمة بين حرمة النظر وحرمة اللمس.[4]
  ولذلك استدل على حرمة اللمس بالروايات ومنها:
  ما ورد في كيفية بيعة النبي (ص) للنساء، ففي الوسائل: محمد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن محمد بن علي عن محمد بن اسلم الجبلي، عن عبد الرحمن بن سالم الأشل، عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله (ع): كيف ماسح رسول الله (ص) النساء حين بايعهنّ؟ فقال: دعا بمركنه الذي كان يتوضأ فيه، فصب فيه ماء، ثم غمس يده اليمنى، فكلما بايع واحدة منهنّ قال: اغمسي يدك فتغمس كما غمس رسول الله (ص)، فكان هذا مماسحته إياهنّ. وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله مثله. [5]
   والكلام فيها سندا، ودلالة، وفائدة.
 أما في السند: فضعيف.
 واما دلالة: فلا تدلّ على أكثر من ترفع النبي (ص) عن لمس امرأة أجنبيّة [6]، كما في الرواية التي تليها مباشرة في كتاب الوسائل نفس المصدر، ولا تدل على الحرمة وهي: محمد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم قال: قال أبو عبد الله (ع): أتدري كيف بايع رسول الله (ص) النساء؟ قلت: الله أعلم وابن رسوله أعلم. قال: جمعهنّ حوله ثم دعا بتوربرام [7]فصب فيه نضوحا ثم غمس يده ( إلى ان قال) ثم قال: اغمسن أيديكنّ ففعلنّ فكانت يد رسول الله (ص) الطاهرة أطيب من أن يمسّ بها كفّ انثى ليست له بمحرم.[8]
  وكذلك الحديث الخامس.
 وأما الفائدة: فإن طلب النبي (ص) من النساء البيعة أمر مشهور لدى المؤرخين بغض النظر عن صحة هذه الرواية، وهذا يدل على احترام الإسلام لرأي المرأة في زمن كانت المرأة مهانة في الحضارات القديمة، بل في الحضارات الحديثة أيضا، كما نرى أن حق الانتخاب لها لم يثبتوه في بعض الدول الأوروبية إلا في القرن الماضي، مع حديثهم الكثير عن حقوق المرأة. وإذا تأملنا نجد ان حقوق المرأة عندهم هي في السفور والخلاعة والحرية الجنسية، وذلك أنهم تكلموا بذلك وانطلقوا في تطبيقه أكثر مما انطلقوا في حق الانتخاب، ومع التأمل العميق نجد أن هذا الأمر هو استجابة لرغبات الرجل ونزواته، فإن الخلاعة ترضي غرائزيته بخلاف حق الانتخاب. 
  ومنها: محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن ابي عمير، عن أبي أيوب الخراز [9]، عن أبي بصير،
عن ابي عبد الله (ع) قال: قلت له: هل يصافح الرجل المرأة ليست بذات محرم؟ فقال: لا إلا من وراء الثوب.[10]
   الرواية تامة سندا، وعبرنا بالصحيح ولم نعبّر بالحسن على خلاف المتداول لما ذكرناه في إبراهيم بن هاشم. وتامة دلالة.
  ومنها الموثق ح2 من نفس المصدر: محمد بن يعقوب، عن عدّة من اصحابنا، عن احمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى (واقفي ثقة)، عن سماعةَ بن مهران قال: سألت أبا عبد الله عن مصافحة الرجل المرأة؟ قال: لا يحلّ للرجل أن يصافح المرأة إلا امرأة يحرم عليه أن يتزوجها، أخت أو بنت أو عمّة أو خالة أو بنت أخت أو نحوها، وأما المرأة التي تحلّ ان يتزوجها فلا يصافحها إلا من وراء الثوب، ولا يغمز كفها.[11]
  الرواية تامة سندا ودلالة.
  وبإسقاط الخصوصية بين لمس الكف (مصافحة) وبين بقية أجزاء البدن، نصل إلى حرمة لمس كل البدن.[12]
والنتيجة بعد هذه الروايات ومع وجود الاجماع نستطيع ان نستظهر منها الحرمة، فيحرم لمس كل البدن لا لأجل التلازم بل لأجل الروايات.


[1] جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، ج29، ص100.
[2] مفهوم: إذا حرم النظر حرم اللمس هو: إذا لم يحرم النظر لم يحرم اللمس. وهذا مفهوم الشرط. ونتيجته، حكم بعدم جواز اللمس. فيعارض حينئذ الأدلة على حرمة اللمس. لكن الذي يهون الخطب ان هذا التعبير ليس موجودا في النصوص، بل من كلمات بعض الفقهاء، فينتفي الاستدلال بالظهور اللفظي.
[3] كتاب النكاح، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص68.
[4] يقول بعض علماء البيولوجيا بان الرجل يهمه النظر اكثر من شيء آخر، والمرأة يثيرها اللمس اكثر من النظر. وبناء على حرمة النظر يحرم اللمس لا تكون هذه الملازمة ثابته.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص151، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، ب115، ح3، ط الإسلامية.
[6] هذا الترفع لا يدل على الحرمة لان فعل النبي (ص) نقتصر فيه على القدر المتيقن وهو الجواز فقط، كما هو في كل دليل لبي كالسيرة والحكم العقلي والعقلائي والاجماع وفعل المعصوم. لان الأدلة اللفظية هي النصوص القرآنية والروايات فقط.
[7] هو الاناء كما ذكر في لسان العرب.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص151، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، ب115، ح4، ط الإسلامية
سؤال: لماذا كانت المبايعة بهذه الكيفية: الجواب: أحيانا حركة الجوارح تركز الامر اكثر من اللفظ، ولهاذا اثر نفسي بين الناس وخصوصا في ذلك الزمن.
[9] فائدة في النحو: هل يقال " ايوبَ " أو " أيوبٍ " هل منع من الصرف؟  التنوين: كل اسم يجب ان ينوَّن تنوين الامكنية الا لاحد موانع الأربعة: المنع من الصرف، والبناء، ودخول لام التنوين، والاضافة.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص151، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، باب115، ح1، ط الإسلامية.
[11] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص151، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، باب115، ح2، ط الإسلامية.
[12] هنا لا باس بالتذكير: هناك فرق في المصطلحات بين: القياس، ووحدة المناط، ووحدة الملاك، واسقاط الخصوصية
 الملاك هو ما يدور الحكم وجودا وعدما مداره في مقام الثبوت، هو غالبا محال إدراكه، ولذلك أيضا ورد قول الامام (ع): " ان دين الله لا يصاب بالعقول "، بمعنى ان ملاكات الاحكام لا تصاب بالعقول
 المناط هو ما يدور الحكم وجودا وعدما مداره في مقام الاثبات وهو امر ممكن إدراكه لانه يتكل على ظواهر الإثباتات
 اما اسقاط الخصوصية فهو شيء آخر، عندما أقول يجب تطهير اليد عن ملاقاة النجاسة مثلا، هنا لا فرق بينها وبيد الذراع وغيرها من أعضاء الجسد، هنا نقول بإسقاط خصوصية الموضوع ليشمل بقية الأعضاء. إذ لا موضوعية لليد. اما في مسألة وحدة المناط الموضوع له خصوصية لكني استظهر ان المدار في الاثبات امر واحد
 بعبارة أخرى: يمكن ان يقال ان هناك فرقا بين اصطلاح اسقاط الخصوصية واصطلاح وحدة المناط. وقلنا مرارا ان نصف فهم العلم هو المصطلحات في كل العلوم حتى الفيزياء والكيمياء والطب إلى آخره. لذلك التدقيق في المصطلح مهم جدا لذا قصدت في كتاب وسيلة المتفقهين ان اذكر معنى المصطلح سعته وضيقه. ومع عدم فهم الفرق بين المصطلحات يصبح الطالب أو الفقيه حافظا وليس مجتهدا، ولا يحصل ملكة الاجتهاد وإن ظن ذلك أحيانا. وهذا موجود في كل العلوم.