العنوان: النظر إلى الاجنبية
الكلام في المواقع التي يجوز النظر إليها والتي لا يجوز: حواز النظر
إلى الوجه والكفين. -عود على مسألة التبرج.-أدلة حرمة التبرج. بعد التذكير بما مرّ، قد يقال: إن الآية في سورة الأحزاب
} وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ
الأُولَى { [1] تحرم
التبرج لخصوص نساء النبي r، فيكون الحكم خاصا بهن ولا يشمل عموم النساء بقرينتين:
الأولى:
الخطاب
} يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ {.
الثانية:
قوله تعالى بعد ذلك
} يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ
مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً { [2] فالتعميم لنساء المسلمين فيه تأييد وإيحاء للاختصاص في الآية السابقة.
فانه
يقال: إن قاعدة الاشتراك في الأحكام تدل على عدم خصوصية لنساء النبي r كذلك
وجود بعض الأحكام التي نقطع بعمومها لكل المسلمين، مثل وجوب الصلاة وإتاء الزكاة
في الآية:
} وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ
وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ {، كذلك الخطاب فان الخطاب لشخص بحكم لا يعني اختصاصه بالحكم.
فإنه يقال: بل اختصاص المخاطب بالحكم هو الظاهر، والتعميم يكون بقاعدة الاشتراك
[3].وقد
يقال: فرق بين نساء النبي r وبقية الناس، حيث نعلم اشتراك الناس جميعا في الحكم ولذلك نقطع
بأن الخطاب لأحدهم يشمل الجميع وإن لم يُذكروا في الخطاب. وأما نساء النبي r فقد ثبت
اختصاصهن بحكم عدم التزويج مثلا، فاحتمال الاختصاص وارد، ولا شك فيه لأن الأصل
اشتراك نساء النبي r مع غيرهن في الأحكام، ولكن الإنصاف أن ما سبق من الكلمات "
يا نساء النبي لستن كأحد من النساء " تصلح قرينة على الاختصاص لو خلّيت
ونفسها دون خلفيّة فقهية مسبقة من حرمة التبرّج شرعا.
النتيجة:
في هذه الآية لا بد ان نقول انه بقاعدة الاشتراك بالأحكام بين نساء النبي والجميع،
إذا اتانا بعض الاحكام يكون الاختصاص هو الذي يحتاج للدليل، وهذا الاختصاص هناك ما
يقوّيه في الآية وهناك ما يوهنه. أما القرينة المقوية فهي قوله تعالى : " يا
نساء النبي لستن كأحد من النساء "، وأما القرينة الموهّنة والمضعفة فهي كون
أكثر الاحكام مشتركة بين نساء النبي (ص) وغيرهن، وهذه نعلم، باشتراكها طبعا، هذا
كله لو خلّيت الآية ونفسها.
ومن الادلة على تحريم التبرج: آية القواعد من النساء
:} وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا
يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ
غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ[4]{ الاستدلال
بالاولوية فإذا نهيت القواعد عن التبرج فالأولى نهي من هي في سنّ النكاح والشابات.
إلا ان يقال: إن كلمة " غير " هي حال من الفاعل في " يضعن ثيابهن
"، فيكون قيدا لوضع الثياب في حال عدم التبرج. وذلك إن الفرق بين النعت
والحال هو أن النعت قيد لصاحب الوصف الذات، وأما الحال فهو وصف لصاحب الحال وقيد
للفعل. وعليه: يكون " غير متبرجات بزينة " حال للضمير في " يضعن
ثيابهن " والمعنى حينئذ: يجوز وضع الثياب في حال عدم التبرج، فلا تدل على عدم
جواز التبرج.
ومن الأدلة على حرمة التبرج الإجماع، لكنه مدركي باعتبار ان الدليل هو الآيات
القرآنية.
ومن
الأدلة: تسالم الفقهاء، وقد ميزنا سابقا الفرق في الاصطلاح بين الإجماع والاتفاق
والتسالم. وبتعبير ادق: ما ينبغي أن يكون من الفرق انطلاقا من الاستعمالات
والنظريات.
ومن
الأدلة أيضا: الأولوية، فإذا كان بعض الزينة محرّما – بناء على جواز إبداء خصوص
الكحل والخاتم والمسكة والخضاب مثلا وانها من باب التحديد وليس من باب التطبيق –
كان التبرج أولى بعدم الجواز. لكن قلنا إن الزينة التي يجوز إبداؤها لا تختص
بالمفردات المذكورة، وعليه فالأولوية لا تنفعني هنا، ونقول كنتيجة ان هناك تسالما
على حرمة التبرج.
غدا
نعود لقوله تعالى
} وَلْيَضْرِبْنَ
بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ { [5] ان شاء الله، وذكرنا ان الخمار ما يستر الرأس ولا دلالة على انه يستر
الوجه، وذكرنا ان " الجيب " بمعنى الفتحة، وفتحات البدن هي النحر
والصدر. فكيف استطيع الاستدلال بالآية على وجوب ستر الوجه أو على جواز كشفه؟ سنبين
ان هذه الآية يمكن الاستدلال بها على الجواز ونكمل كل ادلة جواز كشف والنظر إلى
الوجه واليدين، وبعدها نصل إلى ادلة حرمة النظر إلى الوجه والكفين، وإلى ادلة من
فصّل بين جواز النظر لمرّة واحدة دون التكرار كما عند المحقق الحلي (ره) في
الشرائع.