الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/05/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: النظر إلى الاجنبية

 الكلام في المواقع التي يجوز النظر إليها والتي لا يجوز: حواز النظر إلى الوجه والكفين.

-تقييد جواز الإبداء بعدم التبرج.
  قلنا ان كثيرا من المفاهيم تختلف من زمن إلى آخر في تطبيقاتها، وقد حملنا المفردات المذكورة على كونها من التطبيقات ومثلا لذلك: في تحريم المثلة كالحديث الشريف:" لا تمثلوا ولو بالكلب العقور " والمثلة هي التنكيل والإيذاء بما فيه هتك كرامة الغير. وفي بعض الروايات تقول: " ان حلق اللحية من المثلة " هل هنا في حلق اللحية هي تطبيق للمثلة او هي من جعل وبيان معنى وتحديده؟ فلو فرض انه في زمنٍ حلق اللحية ليس من المثلة؟ ومثال آخر في زمن الثورة الفرنسية ضد الالمان كان حلق الرأس للنساء والرجال من المثلة وتنكيلا بهم، اما في هذا الزمن لم تعد كذلك.  ولذلك لا يستدل على حرمة حلق اللحية بكونه من المثلة، لأن الحديث تطبيق وليس بيان. المهم هنا كيف نميّز في الحديث الشريف الجعل الشرعي المبيّن للمعنى من التطبيقات.     
 النتيجة: ان الزينة الظاهرة يجوز ابداءها، وليست منحصرة بالكحل والخاتم والسوار والخضاب وغيرها، نعم هي منحصرة في الوجه والكفين هذا هو الظاهر جمعا بين الروايات بشرط أن لا تبلغ حد التبرج.  
  تحريم التبرج: ومعنى التبرج انطلاقا من قوله تعالى: } وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى { [1]، هنا اعراب " تبرج الجاهلية الأولى " مفعول مطلق، هل هو لبيان النوعية أو للتوكيد؟ ظاهره لبيان النوعية. لان المفعول المطلق هو مصدر منصوب، ك " ضربته ضربا " وتارة أقول: " ضربته ضربا شديدا " لبيان النوعية، وتارة أقول: " ضربته ضرب فلان " كأنه أصبح مثلا للضرب وأيضا لبيان النوعية.
 فإذا كانت " تبرج الجاهلية الأولى " لبيان النوعية تصبح التبرجات الأخرى جائزة، لانها قيد لنوع التبرج. ويمكن ان تكون أيضا لبيان ان مطلق التبرج محرّم وهذا تأكيد لمطلق التبرج وهو موجود كثيرا في العرف، وتقييد التبرج بفرد " الجاهلية " ليس المراد منه التقييد، بل المراد منه تشديد النكير والتأكيد على الحكم وكأنه مثال أبرز لأكمل الافراد للتشديد على نفس الموضوع.             
-قوله تعالى: ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى - إلى قوله - وأطعن الله ورسوله ) ( قرن ) من قر يقر إذا ثبت وأصله اقررن حذفت إحدى الرائين أو من قار يقار إذا اجتمع كناية عن ثباتهن في بيوتهن ولزومهن لها، والتبرج الظهور للناس كظهور البروج لناظريها. والجاهلية الأولى الجاهلية قبل البعثة فالمراد الجاهلية القديمة، وقول بعضهم: ان المراد به زمان ما بين آدم ونوح عليهما السلام ثمان مائة سنة، وقول آخرين انها ما بين إدريس ونوح، وقول آخرين زمان داود وسليمان وقول آخرين أنه زمان ولادة إبراهيم، وقول آخرين انه زمان الفترة بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أقوال لا دليل يدل عليها. [2]
 فإذن التبرج هو الظهور الكبير من البرج الظاهر جدا، هذا هو الظاهر من اللفظ. يصبح معنى التبرج ان تظهر نفسها جدا بحيث تجذب الأخرين لها كما ذكر ذلك الطريحي في معجمه. 
-  ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) أي: لا تخرجن على عادة النساء اللاتي في الجاهلية، ولا تظهرن زينتكن، كما كن يظهرن ذلك. وقيل: التبرج التبختر والتكبر في المشي، عن قتادة، ومجاهد. وقيل: هو أن تلقي الخمار على رأسها، ولا تشده فتواري قلائدها وقرطيها [3]، فيبدو ذلك منها، عن مقاتل. والمراد بالجاهلية الأولى: ما كان قبل الاسلام، عن قتادة. وقيل: ما كان بين آدم عليه السلام، ونوح عليه السلام ثمان مائة سنة، عن الحكم. وقيل: ما بين عيسى ومحمد، عن الشعبي قال: وهذا لا يقتضي أن يكون بعدها جاهلية في الاسلام، لأن الأول اسم للسابق تأخر عنه غيره أو لم يتأخر. وقيل: إن معنى تبرج الجاهلية الأولى أنهم كانوا يجوزون أن تجمع امرأة واحدة زوجا وخلا، فتجعل لزوجها نصفها الأسفل، ولخلها نصفها الأعلى، يقبلها ويعانقها. [4]
- وقوله " تبرج الجاهلية الأول " نصب تبرج على المصدر والمعنى مثل تبرج الجاهلية الأولى، وهو ما كان قبل الاسلام. وقيل ما كان بين آدم ونوح. وقيل ما كان بين موسى وعيسى، وقيل ما كان بين عيسى ومحمد. وقيل ما كان بفعله أهل الجاهلية، لأنهم كانوا يجوزون لامرأة واحدة رجلا وخلا فللزوج النصف السفلاني وللخل الفوقاني من القُبَل والمعانقة، فنهى الله تعالى عن ذلك أزواج النبي صلى الله عليه وآله، واشتقاق التبرج من البرج وهو السعة في العين، وطعنة برجاء اي واسعة، وفي أسنانه برج إذا تفرق ما بينها. واما الجاهلية الأخرى، فهو ما يعمل بعد الاسلام بعمل أولئك. [5]
- قوله تعالى: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى [33/33] أي لا تبرزن محاسنكن وتظهرنها، والجاهلية الأولى هي القديمة التي يقال لها الجاهلية الجهلاء، وهي في الزمن الذي كان فيه إبراهيم (ع)، كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ وتمشي وسط الطريق وتعرض نفسها على الرجال، وقيل ما بين آدم ونوح (ع)، وقيل جاهلية الكفر بعد الإسلام. [6]
-والتَّبَرُّج: إِظهار المرأَة زينتَها ومحاسنَها للرجال. وتَبَرَّجَتِ المرأَةُ: أَظهرت وَجْهَها. وإِذا أَبدت المرأَة محاسن جيدها ووجهها، قيل: تَبَرَّجَتْ، وترى مع ذلك في عينيها حُسْنَ نَظَرٍ، كقول ابن عُرْسٍ في الجنيد بن عبد الرحمن يهجوه: يُبْغَضُ من عَيْنَيْكَ تَبْرِيجُهَا  * وصُورةٌ في جَسَدٍ فاسدٍ وقال أَبو إِسحق في قوله عز وجل: غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بزينة، التَّبرُّجُ: إِظهار الزينة وما يُسْتَدعَى به شهوة الرجل، وقيل: إِنهن كنَّ يتكسرن في مشيهن ويتبخترن، وقال الفراء في قوله تعالى: ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية الأُولى، ذلك في زمن ولد فيه إِبراهيم النبي، عليه السلام، كانت المرأَة إِذ ذاك تلبس الدرع من اللؤلؤ غير مخيط الجانبين، ويقال: كانت تلبس الثياب سلع المال لا تواري جسدها فأُمرن أَن لا يفعلن ذلك، وفي الحديث: كان يَكْرَه عَشْرَ خلال، منها التَّبَرُّجُ بالزينة لغير محلها، والتَّبَرُّجُ: إِظهار الزينة للناس الأَجانب، وهو المذموم، فأَما للزوج فلا. [7]
  قلنا سابقا ان قول اللغوي في الأصول ليس دليلا على الوضع، لكن نستفيد من هذه الكلمات لتحديد المعنى. والذي نراه في معنى " الجاهلية الأولى ": ان الجاهلية ليست زمنا، بل هي نمط وتفكير ذهني حتى ولو كان بعد الإسلام، فمن فكر بنمط غير انساني غير إسلامي فهو جاهل، فكلما استغرق الانسان في البعد عن انسانيته واستغراقه في حيوانيته كلما كان في جاهلية اكثر. لذلك هذه الأزمنة التي ذكرت ليست مقصودة انما الاستعمال للجاهلية في القرآن هو استعمال في الذهنية وليس في الزمن، نعم النسبة للزمان نسبة الظرف والمظروف، كما في قوله تعالى: } أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ{.[8]
 إذن النتيجة: ان التبرج لغة هو العالي الظاهر من السعة والوضوح، المتبادر منها استخدام المرأة للزينة لاجل اثارة الشهوة فتستقطب عيون الرجال، وهذا هو القدر المتيقن وقد ذكرنا سابقا في الشبهة المفهومية حيث قلنا اننا أولا نطرق باب الشارع فإذا كانت هناك حقيقة شرعيه اخذنا بها، فإن لم نجد نطرق باب العرف، وان لم نجد نطرق باب اللغة، فان لم نجد نأخذ بالقدر المتيقن. ففي اللغة يدور الامر بين مجرد البروز بلبس الدرع وعدّة معاني، لكن القدر المتيقن منها ان تكون بارزة وتبرز محاسنها بحيث تشد انظار الرجال وتثير الغرائز اليها، فنأخذ بهذا القدر المتيقن لاثبات الحكم.
 فالنتيجة في خطوط: أولا: انه يجوز للمرأة ابداء نفس الزينة الظاهرة دون الخفية.
ثانيا: ما كان خاصا على الوجه والكفين.
ثالثا: لا تقييد بأي زينة، أي نخرج عن النصوص.
رابعا: الآية لا تدل على جواز النظر إلى الوجه والكفين، بل ناظرة إلى حكم الزينة أي الآية تدل على جواز النظر إلى نفس الزينة لا إلى مواضعها. نعم قد يجوز النظر من باب الملازمة العادية للمواضع التي لا بد منها.
خامسا: بشرط أن لا تصل الزينة إلى حد التبرج. والبرج هو اظهار المرأة محاسنها بحيث تثير شهوة الاخرين وتشد انظار الرجال.
سادسا: ان للمرأة ان تبدي زينتها الخاصة بالوجه والكفين، وهناك تلازم بين الابداء وجواز النظر، وهذا يؤدي إلى جواز النظر اليها.  
 وذكرنا ونكرر انه في مقام العمل الاحتياط طريق النجاة وما توصلنا إليه هو في مقام البحث العلمي، وان غض البصر هو أفضل واحوط.    
 ولنكمل تفسير الآية: وأما قوله تعالى } وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ { [9]. معنى الخمار: يقول في كتاب البيان للطبرسي: الخمار هو ما يستر الرأس وينسدل على الجبين، وقيل هي المقانع. والقناع كما ورد في الرواية التي وردت في نزول الآية " ويغضوا من ابصارهم "  قال: وكانت نساء الأنصار يتقنعن خلف آذانهن، فالقناع ما كان يستر الرأس وليس الوجه. 
وعلى أية حال فلا دليل على أن مفهوم الخمار يغطي الوجه، والقدر المتيقن منه ما يغطي الرأس فنقتصر عليه لاثبات الحكم والباقي يرجع للأدلة الاخرى أو للأصول، كما ذكرنا في الشبهة المفهومية.
 والجيوب جمع جيب بمعنى الفتحة، والمراد هنا فتحات البدن كأعلى الصدر المنحر، والوجه ليس من الجيوب.
  فالمراد والله العالم، أن تجعل الخمار يستر الرأس ويستر معه فتحات البدن.
إلى هنا انتهينا من الفاظ الآية غدا نكمل ان شاء الله بيان معناها.






[1]  احزاب/سوره33، آیه33.
[2]  الميزان في تفسير القرآن، السيد الطباطبائي، ج 16، ص 309.
[3]  إشارة إلى ان الخمار لغة لا يستر الوجه. .
[4]  تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 8 - ص 155.
[5]  التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي، ج 8 - ص 339.
[6]  مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي، ج 1، ص 177.
[7]  لسان العرب، ابن منظور، ج 2، ص 211.
[8]  مائده/سوره5، آیه50.
[9]  نور/سوره24، آیه31.