الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/04/27

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: النظر إلى الاجنبية

 الكلام في المواقع التي يجوز النظر إليها والتي لا يجوز: حواز النظر إلى الوجه والكفين.
نكمل الرواية التاسعة.
من حيث السند: الرواية معتبرة.[1]
ومن حيث الدلالة: الحديث متضمن للأمر بالإسفار والنهي عن النقاب والبرقع، فيدل على عدم وجوب ستر الوجه، وجواز النظر إليه بالملازمة.
  يقول بعض الأجلّة: وفيه: أن الإسفار لم يؤمر به، وإنما نهى عن النقاب والبرقع في إحرام المرأة خاصة، وقد أمر في النصوص بإرخاء الثوب من الرأس إلى الذقن أو الأنف،- كما في الحديث السادس وهو صحيح السند من نفس الباب: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن حماد، عن حريز، قال: قال أبو عبد الله (ع): المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن " [2]-. فما تضمنه تلك النصوص ينافي وجوب ستر الوجه عليها سيما بما لا يمس الوجه، مع أنه أن دلّ على شيء فإنما هو عدم وجوب الستر لا جواز النظر.
 السند معتبر. 
  وفيه: ان الإسفار مأمور به في قوله (ع) في الصحيح المتقدّم " اسفري " وظاهر قوله (ع) في الحديث الأول من نفس الباب وهو حديث صحيح.
  المحرمة لا تتنقب لأن إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه. ولا شك في حرمة تغطية الرأس للرجل، والرواية غير ناظرة للتظليل، لذلك فرق بعضهم بين الارخاء والستر بالبرقع، اما حرمة تغطية الرأس فقد ثبتت بدليل آخر.   
  ثم إنه لو لم يدل على الوجوب إلا أنه يدل على الجواز على الأقل، وجواز الإبداء يلزمه جواز النظر. والكلام هو في جواز النظر لا في وجوبه.
  ثم ترد مسألة التلازم بين الإبداء والنظر.
إذن في الرواية مسألتان: الأولى: التلازم بين الامر بالاسفار الظاهر في الوجوب وجواز النظر. الثانية: جواز ارخاء الثوب على الوجه. والقدر المتيقن من الرواية هو حرمة البرقع والنقاب والكلام في الارخاء.
 إذا كان الارخاء يؤدي إلى تغطية فهذه الرواية متصادمة ومتدافعة فيما بينها، من جهة يقول بالارخاء الذي يؤدي إلى الغطاء وعدم الاسفار كما هو الظاهر، ومن جهة يقول أن احرام المرأة في وجهها. ولرفع التصادم لمن يقول بوجوب ستر الوجه حيث إن وجوب ستر الوجه ينافي وجوب الاسفار، ذهب بعض المراجع والفقهاء إلى امكان ابعاد الثوب عن الوجه.
أيضا هناك اشكال: الرواية تقول: " تسدل ثوبها " وعندما يقال ثوب يعني الجلباب أو الخمار على ندرة، والجلباب يغطي كل الجسد، فلا يكون هناك فاصل لدخول الشمس وتلوح الوجه وتلوّنه كما عبر في الرواية. فالاستدلال بالرواية صعب.                
  قد يقال: يمكن أن يكون الحكم خاصا بالحج، بل حتى جواز النظر قد يكون خاصا بالحج.
 فإنه يقال: هذا ممكن، إلا أنه ينافي ما استفدناه من علّة الحكم بحرمة النظر وهما العلتان: الأولى: تهييج الرجل وانتشار الفساد من جهة، والثانية: جعل موقعية خاصة للمرأة بحيث لا يجوز للرجل الأجنبي الاطلاع على هذه الخصوصيات من جهة أخرى. وكلتا العلتين موجود أيضا في الحج.
  نعم، قد يقال إن الرواية تطلب من المرأة الإسفار، وهو يفترق عن الإبداء، لأن الاسفار هو الكشف وعدم الستر بغض النظر عن الناظر، ولذا يقال للمسافر مسافرا لأنه عندما يخرج من بلده وصار خارج البيوت صار منكشفا. وأما الإبداء فهو الكشف بلحاظ الناظر. ومع هذه الملاحظة نقول: إن النكتة التي أدّت إلى التلازم بين جواز الإبداء وجواز النظر غير موجودة بين الإسفار وجواز النظر فلا تلازم بينهما، كما ذكرنا ذلك سابقا. 
  الرواية العاشرة: الوسائل: محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا، عن احمد، عن إسماعيل بن مهران عن عبيد بن معاوية بن شريح، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن أبي جعفر (ع) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج رسول الله (ص) يريد فاطمة وأنا معه، فلما انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فدفعه، ثم قال: السلام عليكم. فقالت فاطمة (ع) وعليك السلام يا رسول الله (ص)، قال: أدخل؟ قالت، ادخل يا رسول الله، قال: ادخل ومن معي؟ قالت: ليس عليّ قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك فَفَعلت، ثم قال: السلام عليك فقالت: وعليك السلاك يا رسول الله، قال: ادخل؟ قالت: نعم يا رسول الله، قال: انا ومن معيّ؟ قالت: ومن معك. قال جابر فدخل رسول الله (ص) ودخلت، وإذا وجه فاطمة (ع) اصفر كـأنه بطن جرادة، فقال رسول الله: ما لي أرى وجهك أصفر؟ قالت: يا رسول الله الجوع، فقال رسول الله (ص) اللهم مشبع الجوعة، ودافع الضيمة، اشبع فاطمة بنت محمد. قال جابر: فوالله لنظرت إلى الدم يخدر من قصاصها حتى عاد وجهها أحمر، فما جاعت بعد ذلك اليوم؟ [3]
 وفيه من جهة السند: مخدوش بعمرو بن شمر الذي ضعفه النجاشي في موردين، ولم يوثقه غيره.
  ومن جهة الدلالة: فهي واضحة في جواز النظر، إذ قد نظر إليها جابر بمحضر رسول الله (ص).
 واشكل أولا: أن هذا ليس من مقام فاطمة (ع) أن تسفر عن وجهها أمام الأجانب حتى ولو كانوا من أصحاب رسول الله (ص)، وقد روي عنها: " خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال "، وإن كان هذا الحديث يمكن تفسيره بان مقتضى طبيعة المرأة التفاعل مع طبيعة الرجل، لا أنه من باب التشريع، لان لسان " خير " لسان ارشاد، فلا ينفعنا في المقام، إذ لا يكون نوهينا لمقام الزهراء(ع). 
وثانيا: ان هذه معجزة، بان تشبع ولم تجع في حياتها مطلقا. هذه الرواية لم ينقلها أحد الا جابر بن عبد الله الانصاري بسند ضعيف ولم تشتهر وتعرف بين المسلمين، كما يقول السيد الخوئي (ره) في درسه.
إذن الرواية ساقطة سندا ولا نستطيع الاستدلال بها، بغض النظر عن الخدش في دلالتها. 
الدليل الحادي عشر ما ذكره صاحب الجواهر (ره) غدا إن شاء الله.



[1]  ومن باب الفائدة: ما ذكره الحر العاملي في في الرسائل من قوله بعد ذكر الرواية: رواه الشيخ عن محمد بن يعقوب هذه تنفعنا بان هناك شهرة روائية يؤيد وتقوى اعتبار الرواية وهذا ديدنه في كثير من الروايات. وللتذكير: الشهرات ثلاثة: الشهرة الروائية، والفتوائية، والعمليّة. الشهرة الروائية رواية اشتهرت في كتب الاصحاب وعلى الألسنة. والشهرة الفتوائية هي ان مشهور العلماء افتوا بشيء بغض النظر عن الدليل، وهو ما يعبر عنه بالمشهور. أما الشهرة العملية هي اشتهار الفتوى بالعمل برواية معيّنة. وعندما يقال بان المشهور يجبر ضعف الرواية، مرادهم بين الفقهاء هذه الشهرة العملية التي هي جابرة. وإذا اريد الشهرة المرجحة في باب التعارض تكون الشهرة الروائية.          .
[2]  وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج 14، ص 1130، باب تحريم النقاب للمرأة المحرمة والبرقع وتغطية الوجه وجواز إرخاء الثوب على وجهها إلى فمها، وإن كانت راكعة ب 48، ح6، ط الإسلامية.
[3]  وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج 14، ص 158، باب وجوب الاستيذان على النساء المحارم إذا كان لهنّ أزواج قبل الدخول، وجواز عدم الإذن إذا لم يسلموا، ب 120، ح3، ط الإسلامية.