الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: ولاية الوصي على الصبي في عقد النكاح
  هل يحق للأب أن ينصب وصيا على ابنه الصغير حتى في عقد النكاح؟
  ذهبت الاقوال كما ذكرنا إلى نفي الولاية مطلقا، أو ثبوتها مطلقا، أو التفصيل بين أن يوصي بذلك أو لا يوصي.
  في نفي الولاية ذكرت أدلة من جملتها: الروايات الدالة بالمفهوم على نفي الولاية. الروايات الواردة في عدم التوارث بين الصبي والصبية إذا كان المزوِّج غير الأبوين.
 الامر الثالث: صحيح محمد بن اسماعيل بن بزيع المروي في الوسائل ج 14 ب 8 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح 1: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن اسماعيل ابن بزيع قال: سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين وابنة والبنت صغيرة فعمد أحد الاخوين الوصي فزوَّج الابنة من ابنه ثم مات أبو الابن المزوِّج، فلما أن مات قال الآخر: أخي لم يزوّج ابنه، فزوَّج الجارية من ابنه، فقيل للجارية: أي الزوجين أحب إليك الاول أو الآخر؟ قالت: الآخر ثم إن الأخ الثاني مات وللأخ الاول ابن اكبر من الابن المزوِّج، فقال: للجارية: اختاري أيهما أحب إليك الزوج الاول أو الزوج الآخر؟ فقال: الرواية فيها أنها للزوج الأخير، وذلك انها قد كانت أدركت حين زوَّجها، وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها ".
  اما من حيث السند: هي من الروايات المشهورة بل المستفيضة.
  أحب أن أشير إلى قول الامام (ع) " فقال: الرواية فيها " حيث لم يُعط الحكم مباشرة، نستطيع أن نستفيد من هذه الكلمة أن الائمة (علهم) علمهم من بعضهم، من أبيه إلى ابيه إلى رسول الله (ص)، فنستفيد منه أن روايات أهل البيت هي عن النبي (ص)، وهي من أفضل الروايات سندا، حتى ولو قلنا انها لم تنقل عن معصوم، يقول الذهبي وهو من كبار علماء العامة في بعض الروايات أن هذا السند لو قرء على مجنون لبرء. الإمام علي بن أبي طالب (ع) يقول: علمني رسول الله الف باب من العلم ينفتح لي من كل باب الف باب. فالروايات كلها مروية عن رسول الله (ص) وبأفضل سند. وبهذا يكون أحد الاجوبة على الاشكال الذي يوردونه على الشيعة الامامية: لماذا لا تروون عن رسول الله (ص)؟ والجواب كم ذكرنا: بل نروي عن رسول الله (ص) بأرقى سند.
 والإشكال الثاني بأن الرواية مضمرة " قال: سأله رجل ".
  نقول: أن هذا الاضمار لا يضر بعد أن كان الراوي المضمر محمد بن اسماعيل بن بزيع، وهو من أجلاء الاصحاب. الاضمار [1]
  على قسمين: تارة المضمر أنسان عادي، وتارة يكون من أجلاء الاصحاب وعادة لا يسأل إلا الامام.
 إلا أن يقال أن جواب المضمر وهو " فقال: الرواية " فلعلَّ هذا قرينة على أن صاحب الضمير هو فقيها وليس الامام المعصوم.
  لكن: حتى لو كان صاحب الضمير ليس الامام (ع) فالرواية تصبح عن رجل عالي المقام كزرارة عن الامام (ع)، فلا مانع من ذلك وكل ما في الامر أن هذا المضمر لا اعرف اسمه. خصوصا إذا لاحظنا أن مرجع الضمير لا بد أن يكون معهودا بين المتكلم والمخاطبين، وهذا العهد قرينة حالية في كون مرجع الضمير ثقة. وبهذا يظهر الفرق بين قوله: " عن رجل " وبين " سألته ".
  أما من حيث الدلالة: فإن الامام (ع) جعل الزواج للأخير معلِّلا بأنها كانت قد أدركت حين زوَّجها وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها، مع العلم أن الوصي المتوفي قد زوَّجها من ابنه، فلو كان زواجها الاول حين كانت صغيرة لازما وليس فضولا لما صحّ الزواج الثاني ولا معنى للإختيار. والكلام في أن الوصي له حق الولاية الالزامية عليها.
  وبهذا ننتفي القول الثالث، ثم إن الامام (ع) ترك الاستفصال عن وصية الاخ الاول الموصى إليه: هل تشمل النكاح أو لا تشمله.
 فعندما قلنا لو كان زواج الوصي ثابتا ملزما لما كان لها حق الاختيار للاخير، بهذا بالاستدلال ننفي القول الثاني وهو ثبوت ولاية الوصي مطلقا،لم يثبت اللزوم، وهناك قول آخر يجب نفيه وهو أن لو فرض أن الأب قال: أن هذا وصي على ابنتي في امورها كلها حتى الزواج. فالرواية هل تدل على نفي حق الاب أن يوصي؟ ترك الاستفصال يكفي في شمول الخبر لما إذا كان وصيا على النكاح وعدمه وبه نستدل على نفي القول الثالث بالتفصيل.
  الامر الرابع: أصالة عدم الولاية وهذا الدليل تام إلا أنه أصل عملي، لا تصل النوبة إليه مع وجود الادلة اللفظية من روايات خاصة بالمسألة أو عمومات.
  الادلة على ثبوت الولاية للوصي على الصبي مطلقا.
  هل مجرد كونه اصبح وصيا له حق اجراء عقد الزواج؟
  منها: حرمة تبديل الوصية المستلزم لتحقق الولاية للوصي على الصبي حتى في النكاح، سواء نصّ
 الوصي على ولايته في النكاح أو أطلق الوصية بحيث تشمله.
 وذلك تمسكا بالآية القرآنية: " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين
 والأقربين بالمعروف حقا على المتقين، فمن بدّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه، إن الله سميع عليم، فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ". سورة البقرة آية 180و181 و182.
  والانصاف أن الآية لا تدل على ثبوت الولاية للوصي مطلقا، بل في خصوص ما أوصى به، فتكون دليلا على التفصيل بين الوصية بالولاية وعدمها. نعم يمكن أن يكون إطلاقها دليلا على جواز أن يوصي الأب بكل أمر ومنه الولاية على ابنه في عقد النكاح.
  وباختصار: القرآن قال: أنه يجب الاتيان بالوصية كما هي، الموصى به يشمل كل ما يوصى به من مال أو ادارة أو تدبير، لكن هل اطلاق الآية ينفعني في الاستدلال على صحة أن يجعل الأب وصيا في عقد النكاح إذا شككت في ذلك؟ مثلا: القرآن يقول للمؤمنين " يغضوا من أبصارهم " هل هذا مطلقا كما هو ظاهر الآية؟ أو أن " يغضوا من أبصارهم " في الامور التي ثبت حرمة النظر اليها؟ أما في الامور التي أشك في النظر اليها، هل يصح أم لا يصح؟ السؤال: هل أستطيع أن أستدل ان الآية تؤدي إلى حرمة النظر إلى كل مشكوك؟ هل هذا الاطلاق صالح بأن يكشف عن حرمة النظر لوجه الاجنبية المشكوك؟.
  وفي آية الوصية يجب أن تلتزم بالوصية على ما اوصي به، في حال الشك هل تصح آية الوصية لإثبات المشكوك؟ سنبحث ذلك ان شاء الله في الوجه الثالث.
  الدليل الثاني على ثبوت الولاية:
  الروايات:
  منها: في الوسائل ج 14 ب 8 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح 4، محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي أو غيره، عن صفوان عن عبد الله عن ابي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن الذي بيده عقدة النكاح؟ قال: هو الأب والرجل يوصى إليه والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري، فأي هؤلاء عفا فقد جاز.
 الاشكال في السند: عن البرقي أو غيره.
  ومثله الحديث التالي في نفس المصدر الحديث الخامس وهو صحيحة العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم كلاهما عن أبي جعفر (ع) .
  كذلك ما ورد في المعتبر في الوسائل ج 15 ب 52 من أبواب المهور ح 1، محمد بن يعقوب عن أبي علي الاشعري عن ابن عبد الجبار، وعن محمد بن جعفر عن أيوب بن نوح، وعن حميد بن سماعة جميعا عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير، وعن علي عن ابيه، وعن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن سماعة جميعا عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل: " وإن طلّقتموهن من قبل أن تمسّوهن وقد فرضتم لهّن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح "؟ قال: هو الأب أو الأخ أو الرجل يوصى إليه والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها فتجيز ( ويتجر به ) فإذا عفا فقد جاز.
  وعن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) مثله إلا أنه قال: فيبيع لها ويشتري. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله. محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن الحلبي وأبي بصير وسماعة كلهم عن أبي عبد الله (ع) مثله.
  وتعدد الأسناد في هذه الرواية يدّل على اشتهارها على ألسنة الرواة وفي الكتب فقد رواها الكليني والشيخ (قده).
  الكلام في الدلالة:
  خدش فيها بأمور عدّة:
 غدا نكمل إن شاء الله.


[1] للتذكير: درسنا في النحو ان الضمير من المعارف وهو يحتاج في تعينه إلى عهد، ومعنى العهد ان صاحب الضمير يكون معهودا بيننا. المعارف السته التي ذكرت في النحو لا تكون معيَّنة الا مع عهد. فعندما يقول: " سألته " فهو يشير إلى شخص معهود ومحل سؤال واستفادة.