الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/02/27

بسم الله الرحمن الرحیم

  العنوان: الولاية على البكر البالغة الرشيدة في الزواج المنقطع.
  أما الاستدلال بالقرآن الكريم:
  كان من الاولى الابتداء في الاستدلال بالقرآن، ولكن لما كانت الروايات أخص أخرنا الاستدلال به، وآيات القرآن الكريم مطلقة بالنسبة لإذن الأب وعدمه: فقوله تعالى في سورة النساء آية 24/ " وأحل لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين". و " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ". وما مرَّ من الآيات التي ذكرناها في بحث الزواج الدائم مثل: " أوفوا بالعقود ". وإطلاقات الآيات مقيَّدة بالأخبار وقد درسنا في الأصول أن عمومات القرآن وإطلاقاته يمكن تقييدها وتخصيصها بالأخبار.
  المختار:
  بعد هذه الادلة وما ذكرناه من بيان الأخبار والجمع بينها بحيث لا تصل النوبة إلى مرجحات باب التعارض، نختار جواز متعة البكر الرشيدة بدون إذن أبيها إذا كانت مالكة أمرها، ويجب عليها أن تلاحظ النظرة الاجتماعية السائدة في زمنها وبيئتها بالنسبة للدخول. وإن لم تكن كذلك احتاجت إلى إذن أبيها.
 ولاية الجد على البنت البالغة الرشيدة:
  ولاية الجد خلاف الأصل فنحتاج إلى الدليل، والدليل عليها أمران:
  الاول: الروايات.
  والثاني: صدق الأب على الجد.
 الروايات:
  ويستفاد منها ثلاثة أمور:
  أحدها: ولاية الجد على البنت، والروايات الظاهرة في استقلال الأب والجد، وبضميمة القرائن الأخرى من حكم العقل برفض الظلم ومخالفة الكتاب في قوله تعالى: " وما ربك بظلام للعبيد " وروايات إعطاء حق النقض للولي، بهذه القرائن نحمل الروايات على التشريك في الولاية مع البنت.
  الثاني: الولاية جائزة للاثنين معا، الأب والجد، على سنن واحد وفي عرض واحد، فلو سبق أحدهما لم يجز للآخر نقضه.
  الثالث: أولوية الجد من الأب في نكاح البنت.
  ولنشرع في استعراض بعض الروايات الواردة في المقام والادلة على هذه الأمور:
  أما ولاية الجد. فكل من قال بولاية الأب قال بولاية الجد ويدلّ على ذلك روايات متعددة وقد عقد صاحب الوسائل (ره) بابا خاصا هو الباب 11 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ج 14 نذكر منها:
  س ج 14 ب 11 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح 1. محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جايز على ابنه، ولا بيه أيضا أن يزوِّجها. فقلت: فإن هوى أبوها رجلا وجدها رجلا؟ فقال: الجد أولى بنكاحها. ورواه الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد مثله. [1]
  من حيث السند الرواية صحيحة.
  ومن حيث الدلالة فالرواية تدل على أمور:
  أولا: ولاية الجد على البنت، وصحة تزويجه إياها لقوله (ع) فهو جايز، حيث إن معنى الجواز هنا الجواز الوضعي أي الصحة. والرواية هنا وإن كانت مطلقة تشمل البكر والثيب، لكنها مقيَّدة بالروايات التي تنفي الولاية لأحد على الثيب، فتختص بالبكر.
  الثاني: ولاية الأب في عرض ولاية الجد.
  الثالث: الجدّ أولى بنكاحها من الاب.
  الحديث الثاني: س ج 14 ب 11 من ابواب عقد النكاح واولياء العقد ح 2. محمد بن يعقوب عن أحمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن عبيد بن زرارة، قال: قلت لابي عبد الله (ع): الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر؟ فقال: الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا، إن لم يكن الأب زوجها قبله، ويجوز عليها تزويج الأب والجد. ورواه الصدوق بإسناده عن ابن بكير مثله إلى قوله قبله إلا أنه حذف قوله: ما لم يكن مضارا. [2]
  الرواية موثقة وفيها دلالات:
  اولا: إن ولاية الجد ارسلت إرسال المسلمات، لان السؤال كان عن الاولوية بين الأب والجد، وكأنه بعد الفراغ من ولاية الجد.
  ثانيا: اشتراط عدم المفسدة في الولاية " ما لم يكن مضارا ".
  ثالثا: يصح تزويج السابق، ولا يحق للآخر نقضه.
  الحديث الثالث والرابع من نفس المصدر، نفس الفوائد.
  الحديث الخامس: من نفس المصدر ح 5. محمد بن يعقوب عن عدّة من اصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن ابي المغرا عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (ع) قال: إني لذات يوم عند زياد بن عبيد الله إذ جاء رجل يستعدي على أبيه، فقال: أصلح الله الأمير إن أبي زوج ابنتي بغير إذني؟ فقال زياد لجلسائه الذين عنده: ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ فقالوا نكاحه باطل، قال: ثم اقبل عليَّ فقال: ما تقول يا أبا عبد الله؟ فلما سألني اقبلت على الذين أجابوه فقلت لهم: أليس فيما تروون أنتم عن رسول الله (ص) أن رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا فقال له رسول الله (ص): أنت وما لك لأبيك؟ قالوا: بلى، فقلت لهم: فكيف يكون هذا وهو وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه؟! قال: فأخذ بقولهم وترك قولي.
  في سند الرواية سهل بن زياد.
  ومن حيث الدلالة فهي معلَّلة، وتدلّ على ولاية الجد على البنت وإن لم يرض أبوها. وقد مرَّ الكلام في ذلك.
  لكن هنا نستفيد أمورا:
  الاول: في زيارة الامام الصادق (ع) لأمير من ولاة الظالمين؟! وهي وقد تكون لأغراض أخرى ليست من باب المجاملة، بل من باب التقيَّة حيث كانوا يطالبونهم بذلك، لماذا لا تغشانا؟
  الثاني: محاولة أهل الظلم توهين الأئمة (ع) حيث لم يعمل برأي الامام رغم إعطائه الدليل. وهذا في التاريخ كثير ولكن الله تعالى كان يرد كيدهم إلى نحورهم، كما في قضية الفرزدق وغيره.
  الثالث: أن الامام (ع) أعطى الحكم معللا، بل بيَّن العلّة قبل بيان الحكم، وهو تربية لنا خصوصا لو كنا في مجتمع مخالف بأن نعطي الحكم الشرعي مهذبا فتكون الحجّة أقوى.
  والحديث الثامن من نفس المصدر بنفس الدلالة والتعليل، وكذلك الحديث السادس والسابع من نفس المصدر في الدلالة على ولاية الجد.
  الدليل الثاني على ولاية الجد، صدق الأب على الجد كما في الجمع: آباء.
 
 
 والحمد لله رب العالمين.


[1] الوسائل، ج 14، ب 11، من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد
[2] الوسائل، ج 14، ب 11، من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد