الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/02/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الولاية على البكر البالغة الرشيدة في الزواج المنقطع.
  كنا قد قسمنا الروايات إلى طوائف حتى نستطيع أن نتخلص من التعارض الموجود، ووصلنا إلى الطائفة السادسة:
  6- الروايات الدالة على جواز متعة البكر من دون تقييد بإذن الولي أو عدمه.
  منها: - ح 1 من نفس المصدر. محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن عبد الله عن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن زياد بن أبي الحلال، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: لا بأس أن يتمتع البكر ما لم يفض إليها كراهية العيب على أهلها.
  هذه الرواية مقيّدة بعدم الدخول اولا، ثانيا: لم يتطرق إلى شرط الولي أو عدم شرطه، إذن الولي أو عدمه، ثالثا: كراهية العيب على اهلها، هذا التعبير كأنه إرشاد إلى ما في الواقع، لان كلمة عيب لا تستعمل في الاحكام الشرعية، العيب هو مسألة عرفية. الذي نفهم منه انه حتى الافضاء إن كان عرفا ليس عيبا فلا بأس به. نستفيد منها امرين: الاول حكم شرعي إرشادي والثاني حكم تأديبي تربوي.
  فالحكم الشرعي الاول هو لم يذكر إذن الولي وعدم إذنه، فإذن هذه الرواية ناظرة إلى اصل زواج المتعة، لأنه قد يقال: أن البكر لا يجوز متعتها أصلا حتى مع إذن ابيها.
 الرواية تقول انه يجوز متعة البكر من دون النظر إلى إذن الاب. الذي نستفيده:
  أولا: اصل حلية المتعة على البكر.
  ثانيا: عدم جريان أصالة الإطلاق بالنسبة لإذن الأب وعدمه لأنها ليست في مقام بيان هذه الجهة، بل لمجرد بيان أصل جواز متعة البكر مع عدم الدخول. نعم لو كانت مطلقة أمكن استفادة عدم اشتراط إذن الولي.
  ثالثا: قد يستفاد أن الرواية إرشاد إلى ما عند الناس من استهجان واستقباح المتعة وفقدان البنت بكارتها بها.
  وهناك أيضا مسألة تربوية وهي أنه أيها المؤمنون الله عز وجل يريد منكم على لسان الائمة " كون زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا "، فما كان عيبا عند الناس لا تمارسوه ليس لأنه محرم أو لأنه مجرد كونه عيبا عند الناس. لذلك امتنعوا عن ما يؤدي إلى الاهانة، إن الله تعالى لا يريد للمؤمن أن يهان.
 ح 2 من نفس المصدر: محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن أبي حمزة عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (ع) في البكر يتزوجها الرجل متعة؟ قال: لا بأس ما لم يقتضها.
 قد يقال أن هذه الرواية يمكن ان تكون في جواز متعة البكر ولو بغير إذن ابيها، وذلك لإطلاقها من هذه الجهة لكن الرواية ليست ظاهرة في ذلك، بل هي ظاهرة في الدلالة على تشريع متعة البكر بشرط عدم الدخول، من دون نظر إلى إذن الولي وعدمه، فهي عامة من هذه الجهة. لكن الرواية مرسلة.
 ح 3 محمد بن على بن الحسين بإسناده عن إسحاق بن [1]
  عمار عن أبي عبد الله (ع)
 قال: قلت له: رجل تزوج بجارية عاتقٍ على أن لا يقتضها، ثم أذنت له بعد ذلك؟ قال: إذا أذنت فلا بأس.
  والرواية عامة من جهة إذن الولي، والظاهر كونها في مقام تشريع أصل متعة البكر بشرط عدم الدخول. لكن الرواية هنا لا تبين شرط عدم الدخول في صحة العقد لأن البنت هي التي اشترطت عدم الدخول، بل يستشم صحة العقد ولو مع الدخول حيث قال لا باس انه إذا قبلت.
 وأما إذن الولي فليست ناظرة إليه إلا إذا استفدنا الاطلاق من الرواية.
 الرواية موثقة، بإسحاق بن عمار.
 ح 4 من نفس المصدر: وبأسناده، أي محمد بن علي بن الحسين، عن محمد بن عزاقر (ثقة) عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن التمتع بالابكار؟ فقال: هل جعل الله ذلك إلا لهنَّ، فليستترن وليستعففن.
 الرواية مرسلة. نستفيد منها في مقام الدلالة أصل جواز التمتع بالابكار.
 وفي مقام الدلالة " وهل جعل الله ذلك إلا لهن " يعني انها رحمة كما قال علي بن ابي طالب (ع) لولا عمر ما زنا إلا شقي. كانت المتعة رحمة الله لامته. ثم يقول: " فليستترن " أمر بالاستتار، ولعلَّه للنظرة الاجتماعية السائدة للعرف العام.
  وفيها أمر بالاستعفاف، فهل الاستعفاف عن المتعة، عن الزنى؟ الظاهر هو الثاني، لأن التعفف هو عن الحرام ليس عن شيء محلل وقد يطلق عن المكروهات والمباحات.
 ح 5 نفس المصدر ح 6. محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن موسى بن عمر بن يزيد عن محمد بن سنان عن أبي سعيد قال: سئل أبو عبد الله (ع)
 عن التمتع بالأبكار اللواتي بين أبوين؟ فقال: لا بأس، ولا أقول كما يقول هؤلاء الاقشاب.
  في التعليقة على الوسائل يقول: رجل قشب أي لا خير فيه.
 ذكرنا ما في السند، ما في موسى بن عمر ومحمد بن سنان وابي سعيد القماط.
 واحتمال أن تكون الرواية في مقام بيان أصل جواز متعة البكر قوي وهي عامة، والقدر المتيقن في بيان اصل المتعة، وإذن الولي وعدمه غير معلوم يمكن أخذها بإطلاقها، ولكن الرواية لم يؤخذ بها باعتبار ما في السند.
  7- الطائفة السابعة: الروايات على النهي عن متعة البكر.
  منها: - ح 10 من نفس المصدر. وبأسناده، أي محمد بن الحسن الطوسي عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد (ثقة) عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري (ثقة) عن ابي عبد الله (ع) ، في الرجل يتزوج البكر متعة؟ قال: يكره للعيب على أهلها.
  الرواية معتبرة سندا.
  في مقام الدلالة " يكره للعيب على أهلها " كلمة يكره في الروايات ليس كما هو في اصطلاح الاصولي ليس مقابل التحريم دائما، احيانا في مقابل الكراهة العرفية انه شيء مبغوض.
  وذكرنا في المنهجية في الشبهة المفهومية: اولا نطرق باب الشارع فإن لم يكن نطرق باب العرف، فان لم يكن بطرق باب اللغة، فإن لم يكن فالقدر المتيقن، والا كان المفهوم مجملا. عندما يكون المفهوم غير واضح في " الكراهة " نأخذ بالقدر المتيقن الذي يدل على مطلق المبغوضية والالزام بالترك الذي هو يحتاج للدليل.
  الرواية ظاهرة في الارشاد، فلو فرضنا مجتمعا لا يراه عيبا ارتفعت الكراهة لارتفاع علّتها، والظاهر أنها ناظرة إلى تشريع متعة البكر لا إلى ولاية الأب عليها.
 ح11 وعنه أي بإسناد محمد بن الحسن عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن الفضل بن كثير المدائني عن المهلب الدلال، أنه كتب إلى أبي الحسن (ع) ان امرأة كانت معي في الدار، ثم إنها زوجتني نفسها، وأشهدت الله وملائكته على ذلك، بعد ذلك إن أبيها زوجها من رجل آخر فما تقول؟ فكتب (ع) التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين، ولا يكون تزويج متعة ببكر، أستر على نفسك واكتم رحمك الله.
  يقول الحر العاملي (ره) حمله الشيخ على التقية انتهى.
 أقول الحمل على التقية واضح من سياق الرواية ومع اشتراط الشاهدين.
  ح 13 من نفس المصدر. احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن القاسم بن محمد عن جميل بن صالح عن ابي بكر الحضرمي، قال: قال: أبو عبد الله (ع) يا أبا بكر، إياكم والابكار أن تزوجوهن متعة.
 الرواية ظاهرة في اصل تزويج البكر متعة.
  ح 14 من نفس المصدر. وعن أبي عمير، أي أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن ابي عمير، عن جميل بن صالح عن محمد بن مروان عن عبد الملك بن عمرو قال: سألت ابا عبد الله (ع) عن المتعة فقال: إن أمرها شديد فاتقوا الابكار.
  من حيث الدلالة واضحة في النهي عن متعة البكر، لكن الكلام في " شديد "، تارة الشدة تكون بلحاظ الشارع كما في مسألة وجوب الاحتياط في الفروج برواية " وإن امر الفرج لشديد ومنه يكون الولد ".
  وقد تكون الشدة بالعرف وهذا معناه الرجوع الى الاعراف. الروايات الاولى تعيننا في معنى الشدة هنا بان المسألة عرفية وليست حكمية بلحاظ الحكم الشرعي، وقد تدل على المعنيين معا ولا مانع من ذلك، هو شديد عند الله وشديد عند العرف ولا مانع من ذلك، وليس استعمالا للفظ في اكثر من معنى حتى نقول محال، في الاصول ذكروا ان استعمال اللفظ في اكثر من معنى محال. هل هذا استعمال للفظ في أكثر من معنى؟ نقول: إذا وجدنا معنى مشتركا بين الشدة في المعنى الحكم وبين الشدة بالمعنى العرفي حينئذ يكون استعمالا للفظ في معنى واحد. وإذا لم يكن هناك اشتراك بينهما لا بد أن نحمل على أحد المعنيين. إذا دار الامر بين المعنيين احتاج إلى قرينة، تكون حينئذ الروايات الاولى صالحة للقرينة على هذا المراد وهو الشدة في العرف بلحاظ ألفاظ العيب والاستتار.
 
 والحمد لله رب العالمين.


[1] فائدة: إسحاق ممنوع من الصرف للاعجمية والعلمية وليس مضافا إلى بن، واعراب بن غالبا وصف نعت لما قبله، وغالبا كلمة " أب " تأتي بدل أو عطف بيان. وهذا هو الفرق بين فلان بن فلان وفلان أب فلان.