الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الولاية على البكر البالغة الرشيدة في الزواج المنقطع.
  الاقوال في المسألة:
  قيل بولايتها على نفسها مطلقا في المنقطع، نسب ذلك في الشرائع إلى قائل، وعن الشهيد في شرح نكت الإرشاد أن المحقق سئل عن قائله فلم يجب (غاية المراد) ص 172.
  يقول الشيخ الأنصاري في كتاب النكاح ( اعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الاعظم ص 125):
  وظهر مما ذكرنا أي من استقرار مذهب الامامية على عدم القول بالفصل بين المتعة والدوام- ضعف ما ذكره الشيخ في التهذيبين من استقلال البكر في المتعة، وثبوت الولاية لأبيها في الدوام، بناء على كون ذلك فتوى له، لا محض جمع.
  وظهر أيضا ضعف عكس هذا القول المحكي في الشرائع وعن الشهيد في النكت: إن المحقق سئل عن قائله فلم يجب، ولا مستند له عدا الجمع بين الأخبار المختلفة المتقدِّمة ...انتهى.
  وهناك قول لبعض المتأخرين المعاصرين بجواز متعة البكر البالغة الرشيدة بغير إذن وليها بشرط عدم الدخول.
  والسبب في ذلك الاختلاف هو اختلاف الروايات.
  طوائف الروايات:
  الطائفة الاولى: وجوب أخذ إذن الأب مطلقا:
  1. منها: الروايات التي وردت في استقلال الأب في التزويج مطلقا : مثلا: " ليس لها مع أبويها أمر " وهي الطائفة الاولى التي ذكرناها في الزواج الدائم.
  2. الروايات الدالة على التشريك بين الجارية ووليها، مثل: لا ينقض النكاح إلا الأب " وقد مرَّت في الطائفة الثانية في البحث السابق.
 الطائفة الثانية: الروايات الواردة في استقلال البنت مطلقا في الدائم والمنقطع، ومع اشتراط عدم الدخول وعدمه وقد مرَّ أيضا.
 الطائفة الثالثة: الروايات التي تدل على اشتراط إذن الأب في المتعة.
 منها: - ما في س ج 14 ب 11 من ابواب المتعة ح 5 ص 458. عن أحمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي عن الرضا (ع) قال: البكر لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها ".
  الرواية صحيحة.
 ح 12 من نفس المصدر، والرواية صحيحة. بإسناده، محمد بن الحسن عن احمد بن محمد عن محمد بن اسماعيل عن ظريف عن أبان عن أبي مريم عن أبي عبد الله (ع) قال: العذراء التي لها أب لا تزوج متعة إلا بإذن أبيها ". ورواه الصدوق بإسناده عن أبان.
  يقول الحر العاملي: أقول: حمله الشيخ على الكراهية، وجوَّز حمله على التقيّة لِما تقدّم، وعلى غير البالغ لما يأتي. وقد تقدّم في أولياء العقد ما ظاهره المنافاة، لكنه غير صريح، بل هو عام يجوز تخصيصه.
 الطائفة الرابعة: الروايات التي تدل على جواز متعة الجارية البكر بدون إذن وليها بشرط عدم الدخول.
  منها:
 ما روي في نفس المصدر ح 7: وبهذا الاسناد، أي محمد بن الحسن، عن ابي سعيد القماط عمن رواه قال: قلت لأبي عبد الله (ع) : جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سرا من أبويها، فأفعل ذلك؟ قال: نعم، واتق موضع الفرج، قال: قلت: فإن رضيت بذلك؟ قال: وإن رضيت فإنه عار على الأبكار.
  من حيث السند: الرواية مرسلة، وقلنا ان الرواية المرسلة تنفعنا إما في الفهم لبعض الروايات الصحيحة أو في تأيدها فليس كل مرسل لا قيمة له بناء على ضعف السند.
  من حيث الدلالة: في هذه الرواية الكثير من الدلالات نستفيد منها:
  اولا: انها جارية بكر بين ابويها يعني ان ظاهرها غير المالكة لامرها.
  ثانيا: " تدعوني سرا " أي عن ابويها ظاهرها أن الاب غير راضٍ وإن احتمل غير ذلك.
  ثالثا: " اتق موضع الفرج " أي يجوز بشرط عدم الدخول. نفهم منه بالعموم الناشئ من حذف المتعلّق أن كل تصرف متعلق بالفرج كاللمس والنظر والدخول يجب اتقاءه. لكن ظاهر الكلام هو الدخول دون غيره بقرينة " عار على الابكار".
  ثم: " وإن رضيت - أي بالدخول - فانه عار على الابكار " هل يفهم منه حكم تكليفي مولوي أو ارشاد إلى ما عند الناس؟ كلمة " عار " لا تقال على المولويات ولذا لو لم يكن فقد البكارة عارا عند الناس لارتفع المنع.
  فإذن الرواية من هذه الناحية ارشادية بالنسبة لـ " اتق موضع الفرج " وليس مولوية تكليفية.
  لو فرضنا ان مجتمعا ما كما في أكثر المجتمعات العلمانية أو الذات البعد الغربي في التفكير المادي، إذ نسمع ان الفتاة التي تبقى بكرا يقال أن لديها مرض نفسي. في هذا النوع من البيئة ليس فقد البكارة " عار على الابكار "، وتعليل الامام (ع) يجعل الرواية ارشادية لما عند الناس في ذلك الزمن أو في تلك البيئة. بعبارة أخرى أن المناط في التحريم كما هو ظاهر الرواية كونه " عار على الابكار " مسالة عرفية مرتبطة بالعرف، إذا تغير العرف يتغير المناط فينتفي الحكم.
 في نفس المصدر ح 9، وبإسناده أي محمد بن الحسن عن أبي سعيد عن الحلبي قال: سألته عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها؟ قال: لا بأس ما لم يقتض ما هناك لتعف بذلك.
 من ناحية الدلالة:
  اولا: الدلالة واضحة في أن الموضوع البكر البالغة الرشيدة بلا إذن ابويها وبين ابويها وغير مالكة لأمرها.
  ثانيا: واضحة في عدم الدخول " لتعف بذلك " و " لتعف " تعليل [1]
 
  اما بالنسبة للسند:
  هناك ثلاثة مشاكل في سند الرواية:
  الاولى: أن في إسناده محمد بن الحسن إلى ابي سعيد القماط محمد بن سنان.
  الثانية: في أبي سعيد القماط.
  الثالثة: في موسى بن عمر بن يزيد.
 أما المشكلة الاولى: أن في الاسناد محمد بن سنان، فهناك عبد الله بن سنان وهو لا غبار عليه من الاعلائين الكبار من طبقة زرارة بن أعين. أما محمد بن سنان كما ذكروا انه قال: أن ما رويته فهو وجادة لا سماعا. وإلا فمحمد بن سنان ثقة وجيد.
  ثانيا: محمد بن سنان رواياته معتبرة وغالب رواياته عقائديات لا يوجد في رواياته مغالاة، وسبك رواياته راق. أما الوجادة فهي مشكلة الكتب كما قال الامام الصادق (ع) : لعن الله المغيرة لقد دس في كتب اصحاب ابي (في رواية) اربعة الاف حديث تغالي فينا حتى يبغضنا الناس.
  محمد بن سنان ثقة ورواياته لا يمكننا غض النظر عنها.
 
 
  والحمد لله رب العالمين.
 
 


[1] قالوا: عند وجود التعليل تكون المسألة ارشادية، ولكن هذا ليس أمرا دائما، فلو قلت: " حرمت الخمرة لاسكارها "، لا يعني أن التحريم ارشادي لا مولوي. ولذا يلاحظ كل تعليل وظهوره.