الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ أولياء العقد/ ولاية الأب على المجنون

ذكرنا أمس الدليل العملي، الاستصحاب. ذكر أخوكم الشيخ عباس إشكالين على هذا الاستصحاب. الأول ملخصه: أن الاستصحاب يحتاج إلى قضية متيقنة وقضية مشكوكة.

الاستصحاب: وهو أن الصغير كانت الولاية عليه للأب، عندما بلغ الصغير وكان مجنونا أشك في بقاء الولاية، استصحب بقاء الولاية من الصغر إلى البلوغ، حينئذ يكون للأب ولاية على البالغ المجنون إذا كان متصلا.

فالقضية المتيقنة: " الصغير عليه ولاية "، الصغير المجنون قد ثبتت الولاية عليه. المشكوك الصغير المجنون ثبتت عليه الولاية أو لا بعد بلوغه؟

فاستصحب الولاية من الصغر إلى البلوغ. هذا تصور الاستصحاب.

والإشكال أنه لا بد من وحدة القضية المشكوكة والمتيقنة بالموضوع الواحد، وهنا تعدد الموضوع، لأن الصغير أصبح كبيرا فلا يجري الاستصحاب لاشتراط وحدة الموضوع.

واجيب أولا: بأن الموضوع واحد، بان هذا الإنسان كان عليه ولاية في عقد النكاح هو هو وعندما طرأت حالة جديدة وهي البلوغ، شككت في بقاء الولاية ولا بد في الاستصحاب من طروء بعض الصفات على الموضوع، وإلا إذا بقي الموضوع بما هو من دون طروء أي تغيير لا يحصل الشك ويكون تغير الحكم حينئذ من البداء المحال في حق الله عز وجل. وعليه فتكون هناك وحدة موضوع.

الإشكال الثاني: أن هذا الاستصحاب من القسم الثالث من استصحاب الكلي، وهذا لا يقول به الاكثر من المتأخرين.

للتذكير: الاستصحاب أربعة أقسام:

القسم الأول: استصحاب الجزئي، وهذا القسم جار إجماعا، مثلا: هذا الشيء كان نجسا أشك في بقاء النجاسة فاستصحب النجاسة.

استصحاب الكلي على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: هو عندما يكون الكلي في ضمن فرد وأشك في بقاء الفرد، مثلا: " زيد موجود " يعني كلي الإنسان موجود، ثم شككت في خروج زيد أو في موته، فأشك في بقاء الكلي الإنسان وليس الفرد زيد. هنا يجري الاستصحاب.

القسم الثاني: ما يعبر عنه إذا دار الكلي بين الطويل والقصير، وانتفى القصير قطعا، فأشك في بقاء الكلي كما لو دار الأمر بين حدث أكبر وحدث اصغر ثم توضأت، فلو كان الحدث هو الأصغر لانتفى الكلي قطعا، ولكن يحتمل أن يكون الحدث هو الأكبر فأستصحب كلي الحدث. ومثال آخر كما أحب بعض زملائكم لو كان الموجود في القفص حيوانا لكن دار الأمر بين حيوان طويل العمر وحيوان قصير العمر، ومرَّ زمن نعلم موت صاحب العمر القصير، فأشك في بقاء كلي الحيوان لاحتمال كون الموجود هو صاحب العمر الطويل، فاستصحب بقاء كلي الحيوان وهذا القسم جار عند الاكثر.

القسم الثالث: كلي الإنسان موجود، زيد كان موجود وخرج قطعا وشككت حينئذ في دخول عمرو، فهل أستطيع استصحاب كلي الإنسان أو لا؟

الفرق بين القسم الأول والثالث أن الأول نفس الفرد أشك فيه، أما في الثالث، الفرد الذي كان الكلي فيه قد انتفى قطعا وأشك في وجود فرد آخر، وجود الإنسان، هذه القضية أصبحت مشكوكة للشك في دخول عمرو. قالوا أن هذا القسم ليس حجة لأنه في الدقة شك في الحدوث لا شك في البقاء.

الأخ المشكل يريد أن يقول أن الولاية على عقد النكاح كانت موجودة في الصغير عند البلوغ، الولاية التي كانت في الصغر انتفت وأشك في دخول ولاية أخرى على المجنون، أي هناك ولايتان، ذهب فرد قطعا وأشك في دخول فرد آخر، هذا صار من استصحاب من القسم الأول من القسم الثالث وليس من القسم الثاني من القسم الثالث، وهذا استصحاب لا يجري عند أكثر الأصوليين. فهذا ليس دليلا على ثبوت الولاية على المجنون.

في مقام الجواب نقول: استصحاب القسم الثالث هو استصحاب الكلي ويجب أن ينطبق الكلي على افراده انطباق الطبيعي على مصاديقه. في مسألتنا الصغر ليس فردا من أفراد الولاية بل هو سبب، وهناك فرق بين الإنسان وزيد وبين ولاية النكاح في الصغر أو الجنون. الإنسان وزيد ينطبق عليه انطباق الكلي على أفراده والطبيعي على مصاديقه، أما الولاية على الصغير فليست من نفس الباب بل من باب السبب والمسبب، يعني الذي ثبَّت الولاية هو الصغر، والصغر ليس فردا من أفراد الولاية بل هو أحد أسباب ثبوتها، لأن الولاية واحدة عند الجميع، الولاية على المجنون وعلى الصغر في عقد النكاح ولاية واحدة، الصغر موضوع للولاية، والصغر ليس فردا من أفراد الولاية.

فلذلك نقول: قد ثبتت الولاية بسبب ثم ذهب هذا السبب ويحتمل ثبوتها لسبب آخر وهذا السبب موجود فأشك في ثبوت الولاية فأستصحب الولاية، وليس من باب أنه ذهب فرد وأشك في حدوث فرد آخر.

سؤال: حتى ولو قلنا على نحو السببية، والسببية نوعان: تارة يكون السبب مقوما للموضوع فينفى بانتفائه، وأخرى ليس كذلك، ومقامنا من النوع الأول.

الجواب: يذهب بذهابه عندما يكون علّة منحصرة، وإلا فلا يذهب بذهابها، هو أحدى العلل، فأشك في بقائه، فلو كان علّة منحصرة نعم الكلام سليم.

سؤال: عدم ثبوت العلل الأخرى ألا يكون علّة منحصرة.

الجواب: هناك علل أخرى وأنا أريد أن أثبت العلّة بالاستصحاب، بعبارة أخرى ليس هناك علّة منحصرة، خصوصا من الرواية التي تقول بالولاية للأب والجد والحاكم والوصي ومن بيده المال وعقد النكاح، لما كان الصغر ليس علّة منحصرة للولاية ونعلم أيضا أن البكر عليها ولاية إذا كانت قاصرا وإذا كانت لم تكن مالكة لأمرها. إذن ليس هناك علّة منحصرة وليس هناك موضوع منحصر.

هكذا نكون قد انتهينا من ولاية الأب والجد على المجنون المتصل بالبلوغ. غدا نبحث الجنون المنفصل عن البلوغ، أي بلغ راشدا عاقلا وبعد ذلك طرأ عليه الجنون، هل هنا الولاية للأب والجد أم للحاكم؟