الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/07/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ أولياء العقد/ ولاية الأب على المجنون

وصلنا إلى ولاية الأب على المجنون والمجنونة في عقد النكاح.

هل له ولاية أم الولاية للحاكم؟ فصلوا أيضا بين حالتين: ما كان الجنون قبل البلوغ ومتصلا به، وما كان منفصلا عن البلوغ.

في القسم الأول، الجنون المتصل بالبلوغ هناك إجماع على ولاية الأب. أما المنفصل عن البلوغ ففيه الكلام.

الجنون المتصل بالبلوغ:

في جواهر الكلام ج 29 ص 138 يقول: وثبت ولايتهما (أي الأب والجد) على الجميع أي على البكر والثيب والبالغ مع الجنون المتصل بالصغر بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك أنه موضع وفاق، بل في غيرها الإجماع عليه (إجماع منقول) للاستصحاب المؤيد باستبعاد عزلهما عن ولاية النكاح خاصة، ضرورة ولايتهما على المال المشروط إيقاعها بإيناس الرشد، مضافا إلى ما سمعته من خبر أبي بصير في تفسير من بيده أمر النكاح.

وننقل كلام المستند قال: .. ثم ولاية الأب والجد مع وجودهما عليه (المجنون) مع اتصال الفساد بالصغر، ثابتة عند الأصحاب، وبلا خلاف في بعض آخر، وإجماعا كما في كلام جماعة، بل هو إجماع محققا، (يكشف عن رأي المعصوم).

نقول: بعد أن ذكرنا كلام الجواهر والمستند، هل للأب والجد ولاية على المجنون أو لا؟

المتصل بالبلوغ. يمكن ان يستدل له بأمور أو وجوه:

أولا: الإجماع، وذكرنا أن الإجماع أمر ثابت من الكلمات التي ذكروها، هذا الإجماع مدركي منقول. هذا الدليل

الأول لا نعتبره ولكن لا نستطيع الإغماض عنه.

الدليل الثاني: الروايات، علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: ( سألته عن الرجل هل يصلح له أن يزوج ابنته بغير إذنها، قال: نعم ليس يكون للولد أمر إلا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك، فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن تستأمر )[1]

هنا السؤال عن مطلق المرأة، استثنيت الثيب المدخول بها، فيبقى الباقي تحث الإطلاق، وعندما يقال أن تستأمر، أي من قبل وليها الذي ينصرف إلى الأب والجد.

أولا: بالنسبة للسند فالرواية من كتاب علي بن جعفر، وقلنا سابقا أن الكُتب المتداولة المعتبرة والمعتمد عليها، كما يقول الشيخ الصدوق (ره) أني أخذت هذه الروايات من كتب متداولة، عليها المعتمد، مجرد أن هذه الكتب متداولة أصبح أن ما فيه معتبرا.

ثانيا: بالنسبة للدلالة فهي إطلاق ولاية الأب في كل الأحوال، فهنا نحتاج إلى ثلاثة أمور، أولا: إلى أصالة إطلاق، وثانيا: إلى الانصراف إلى أن الولي هو الأب والجد، وثالثا : إلى عدم الفصل بين الأنثى والذكر.

أما الإطلاق فوجه الاستدلال فيه: قوله (ع): ليس يكون للولد أمر إلا أن يكون امرأة، مطلق الولد ذكر أم أنثى. ثانيا مطلقا أي ولد سواء كان، ثيبا، بالغا، صغيرا، كبير، ذكر، أنثى، مجنونا، عاقل، كله لا يستأمر إلا الثيب. بهذا الإطلاق نثبت ولاية الأب على المجنون.

ولكن الإطلاق يجب فيه أمور: أن يكون في مقام بيان ويمكن أن يبين ولم يبين. أن يكون في مقام بيان تمام العلّة.

هنا في الرواية هل هو في مقام بيان حالات تشمل حتى الجنون. في الرواية السؤال عن من له الإذن وعدم الإذن، فلا يشمل المجنون في موضوع السؤال، على الأقل قد يقال إننا لا نستطيع أن نثبت أنه بلحاظ الجنون وعدمه.

في الإطلاق يلاحظ حالات: تارة نلاحظ الجهة وتارة لا نلاحظها بل نلاحظ أمرا آخر، وتارة لا يثبت اللحاظ أو عدمه.

إذا تم لحاظ الجهة تجري أصالة الإطلاق. كما إذا أتى أحد وسأل الإمام (ع): أريد أن أعتق رقبة، قال: اعتق أي رقبة شئت: مؤمنة، كافرة، سوداء، بيضاء. هنا ملاحظة كل الحالات.

تارة نعلم بعدم لحاظها واعلم أنها دون غيرها من قبيل " فكلوا مما امسكن عليه " هنا لا استطيع الاستدلال بها على جواز الأكل من دون التطهير. قد يقال هنا إطلاق وعليه يجوز مجرد الأخذ من الكلب ولا تحتاج للتطهير.

الجواب: أن هذه الآية ليست بلحاظ التطهير وعدمه بل بلحاظ جهة أخرى وهي الحلية وعدمها.

وتارة أخرى وهو أنني لا اعلم بأي لحاظ كانت، هل أستطيع أن اجري أصالة الإطلاق أو لا؟ قال بعضهم أن

الإمام (ع) لما كان في مورد التشريع فالأصل أن يكون في مقام بيان، حينئذ نثبت أصالة الإطلاق، أي تتم مقدمات الحكمة. وهذه الحالة كثيرة في الروايات، ومنها روايتنا.

نعم يمكن القول أنها ليست بلحاظ الجنون وعدمه، بدليل " إلا أن تستأمر "، مسألة الجنون ليست ملحوظة، فلا نستطيع أن نستدل بها بإعمال الإطلاق فيها. هذه الرواية إن كانت بلحاظ كل أفراد الولد حتى المجنون فتصلح دليلا، إن كان الإمام (ع) لم يلحظ هذا فلا تصلح دليلا، وإن كان غير واضح ما هو الموضوع فنحتاج إلى مسألة أصولية أخرى وهي: هل الشك في تمامية مقدمات الحكمة وأن الإمام (ع) في مقام بيان أو ليس في مقام بيان؟، هل الأصل في بيانات الأئمة (عليهم) أنها في مقام البيان أو لا؟

إذن هذا بالنسبة إلى إجراء أصالة الإطلاق.

ثانيا نحتاج إلى مسألة انصراف إلى أن الولي هو الأب والجد.

ثالثا نحتاج إلى عدم الفصل بين الذكر والأنثى.

ويمكن الاستدلال حتى من نفس النص، ليس يكون للولد، الولد مطلقا قاعدة عامة سواء كان ذكرا أو انثى فترجع لعموم الولد الشامل للذكر والأنثى.

قد يقال أن موضوع السؤال هو المرأة والتزويج بغير إذنها، فلا إطلاق يشمل الذكر.

فإنه يقال: إن هذا يلقي ظلالا على جريان أصالة الإطلاق، لكن بعدم الفصل بين المجنون والمجنونة حيث يشتركان في عدم قابلية الإستئمار، نستطيع ان نثبت الاشتراك بين الذكر والأنثى.

نعم، نحن نقول إن قوله في السؤال أن تزوج بغير إذنها، وقوله (ع) إلا أن تستأمر يمنع من الظهور في الإطلاق الشامل للمجنون والمجنونة.


[1] - الوسائل ج14 باب9 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح8.