الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ أولياء العقد/ ولاية الأب على الصغيرين - نفوذ عمله بعد البلوغ

كان الكلام في تعارض مجموعتي الروايات، مجموعة تقول بخيار الفسخ للصغيرة بعد بلوغها، المتزوجة قبل البلوغ وبعد البلوغ لها خيار الفسخ، والمجموعة الأخرى تقول بعدم ثبوت خيار الفسخ. وقلنا أن هناك مرجحين: الشهرة ترجح عدم ثبوت خيار الفسخ، والمرجح الجهتي، أصالة التقيّة ترجح ثبوت خيار الفسخ إذا ثبت أنه عند أبناء العامة كذلك.

هنا تأتي مسألة وهي فيما لو تعارضت الروايات وكانت المرجحات في جانبين، مثلا: الشهرة بجانب والوثاقة بجانب آخر. إذا زرارة روى رواية عارضها أحد الرواة مثلا موسى بن بكر، الذي ذهبنا إلى توثيقه، إذا كانت رواية موسى بن بكر هي المشهورة ورواية زرارة ليست مشهورة. هنا تعارضت الشهرة مع الوثاقة فماذا أفعل؟

قلنا أن ما نميل إليه والله العالم ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري (قده) من أن المرجح هو الأقربية للواقع. والدليل هو دليل وجداني وهو ما ذكرناه مرارا من: أن الدليل على أمر هو الدليل على فروعه، ولذلك الدليل على حجية خبر الواحد هو الدليل على فروع حجية خبر الواحد، التعارض فرع من فروع حجية خبر الواحد، تعارض الخبرين المعتبرين. أما الخبران الضعيفان فلا اعتبار لهما.

في تعارض الدليلين إذا كانت سيرة العقلاء هي الدليل، فكل فروع مسألة خبر الواحد ترجع إلى العقلاء، إلا أن يقوم دليل على الخلاف[1]

هنا في مسألتنا ما هو الأقرب للواقع كيف نستطيع تحديده؟.

أولا: إن اشتهار الرواية لا ينافي كونها صادرة عن تقية، التقية لا تنافي الشهرة، ليسا مرجحين متعارضين للترجيح، يمكن أن يكون في نفس الوقت مشهورا وتقية، بل لعل الاشتهار قد يتناغم مع التقية، وذلك بداعي الظروف العصيبة أو للحماية من الاعداء. بعبارة أخرى يمكن أن نقول حتى المشهور يمكن أن يكون ورد تقية.

ثانيا: إن في النفس شيء من تسوية ولاية الأب على الصغيرة في النكاح مع ولاية الأب على الصغيرة في أموالها وشؤونها الأخرى. هل المال كالزواج؟ في الصناعة هذه ولاية وهذه ولاية، لكن مع التأمل نجد فرقا بين الولاية في عقد النكاح والولاية في عقد البيع.

النكاح يختلف عن بقية العقود، في بيع الأرض مصلحة مجردة لا علاقة لها بالشخص، بينما النكاح يتعلق بالشخص في جسده في بدنه في الأمور الجنسية، العشرة والأخلاق.

حتى في الروايات ورد أن فتاة جاءت إلى رسول الله (ص) قالت: إن أبي يريد أن يزوجني ابن عمي، قال: فأطيعي أباك، قالت: ولكن لا أريده، قال: أطيعي أباك، قالت يا رسول الله لا أريده، قال: تزوجي من شئت. فهنا مراعاة من الأب للمصلحة، مع ذلك لا بد من أمرها لأن المسألة مرتبطة بالحياة الشخصية. ولذلك نجد أيضا بعض الروايات بالتفصيل: إن كانت مالكة لأمرها فالأمر إليها، وإن لم تكن مالكة لأمرها تحتاج إلى رضا أبيها، وكأنه على نحو الشراكة. مالكة لأمرها أي صاحية القرار في كل شيء. ولذلك في ولاية الأب سنفصل بين المالكة لأمرها وغير المالكة. في الزواج ناحية شخصية الشارع لم يغفلها.

هنا هل يمكن استظهار إطلاق اشتراط الرضا كي يشمل حالة بلوغها وقد كانت متزوجة وهي صغيرة؟

طبعا عند استظهار هذا الإطلاق هناك مسألة أصولية ذكرها الشيخ الأنصاري (قده) في الرسائل وهي: في حال تعارض الأدلة هل القاعدة تقتضي الترجيح بحسب القواعد ما يسمى بالعموم الفوقاني؟ بعبارة أخرى هل الأصل في الروايات مخالفة العمومات أو موافقتها. فمع وجود هكذا إطلاق تصبح روايات ثبوت الخيار موافقة للإطلاق، وروايات عدم الخيار مخصصة له.

وهناك إشكال ذكروه وهو أن العقد لا بد له من طرفين وهنا يوجد طرف واحد وهو الزوج، أما الطرف الآخر وهو الصغيرة فغير موجود. ولكن ذكرنا أن إذن الولي إذنها والرضا موجود لوجود الطرفين، طرف بنفسه وطرف بوليه.

ثم إنه فيما لو بلغت وهي متزوجة، هل من المصلحة أن تبقى بعد زواجها مع رجل تكرهه؟ والروايات تقول " هو أنظر لها " فهذه الكلمة وغن كان لحاظها حال العقد ولكن الأولى أن ينظر إليها في حال الصغر وفي حال ما بعد البلوغ. ففي عقد النكاح الهوى والرغبة هي أساس، ولذلك لعل الأقربية إلى الواقع بهذا اللحاظ والله العالم.

 


[1] - ملاحظة الاقربية قد تكون بمعنى الميل الشخص بقرائن ليست عند العقلاء وليست عند الشرع، هذا الترجيح حجة عليّ فقط وليس على المقلدين. أما إذا أتيت بقرائن تؤدي إلى اقربية نوعية، حينئذ يكون حجة حتى على المقلدين واستطيع أن أفتي به ويعمل به المقلدون.