الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/06/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ أولياء العقد/ الحصر بخمسة - الأدلة

الدليل الثاني: الأصل العملي. توجيه الاستدلال به: إن القدر المتيقن من صحة العقد هو ما فيه مصلحة، اشك في صحة إجراء عقد ليس فيه مصلحة فالأصل عدم الصحة، أي الأصل الفساد، كما هو الأصل العملي في كل المعاملات، الأصل عدم ترتب الأثر. عند أجراء عقد نكاح من الأب للصغير، مع عدم وجود مصلحة اشك في صحة العقد الأصل عدم الأثر، الفساد.

إذن اصل الفساد هو الدليل الثاني على اشتراط وجود المصلحة في تزويج الصغير والصغيرة.

والجواب:

أولا: إن الأصل العملي كما ذكرنا هو آخر سلم الاستدلالات. بعبارة أخرى إذا كان هناك اصل لفظي فلا مجرى للأصل العملي. هنا نضطر إلى نقل الكلام إلى هل هناك اصل لفظي يمنع جريان الأصل العملي؟ هل هناك اطلاق أو عموم يشمل اطلاق الحالتين المصلحة وعدم المصلحة. إذا استطعت تحصيل هكذا اطلاق حينئذ الأصل الفظي، اطلاق، يشمل العقد الذي فيه مصلحة والذي ليس فيه مصلحة. ينفي الأصل العملي، فلنبحث عنه.

يقال أن الأصل اللفظي هنا قد تم، أي هو موجود، وذلك في اطلاق أدلة الولاية التي تشمل عقد الصغيرة سواء كان هناك مصلحة أو لا. مثلا: في صحيح الفضل بن عبد الملك، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير، قال: لا باس.

لم يذكر في هذا الحديث المصلحة وغير المصلحة، بإطلاق هذه الرواية يشمل الحالتين، خرج ما فيه مفسدة، بدليله يبقى الباقي تحت الإطلاق. فإذن الرواية بإطلاقها تقول إن تزويج الأب لابنه صحيح بمصلحة وبدون مصلحة. وكذلك الروايات الأخرى فيها اطلاق.

ويمكن أن يرد على هذا الجواب: أن عدم المفسدة مصلحة وعدم المصلحة مفسدة، وذكرنا هذا في معنى كلمة " إلا بالتي هي احسن " في الآية، وقلنا إن هذا الإيراد غير سليم، لأنه هناك امر ثالث لا مصلحة ولا مفسدة. ثانيا: كما سياتي في بحث الأصول اللفظية أن أصالة الإطلاق ليس أصلا تعبديا، وكذلك أصالة الحقيقة وأصالة العموم، بل هي أصول ترجع إلى أصالة الظهور، أي ليس هناك أصالة اطلاق بما هي اطلاق بل هناك ظهور، إذا ظهر اللفظ في الإطلاق اعمل به. فتكون أصالة الإطلاق من صغريات أصالة الظهور، وإذا كانت أصالة الظهور مسلمة فأصالة الإطلاق مسلمة. إذن الإطلاق حجة من باب الظهور. ليس مجرد عدم القيد هو اطلاق، بل هناك ظهور في الإطلاق، عدم القيد وسيلة للاستظهار ولا يدل بنفسه على الإطلاق.

من هنا نقول: إن الظهور مسألة عرفية عند أهل المحاورة واللغة، وإذا لاحظنا أن الولاية للاب على الصغيرين، والولاية ليس لها معنى شرعي بل هي نفس معناها العرفي، ليس لها حقيقة شرعية، كل ما في الأمر أن الشارع تدخل في شرائطها، ككل المعاملات.

فالظهور عبارة عن نفس المعاني العرفية تدخل الشارع في شرائطها، البيع نفس البيع العرفي قبل الإسلام وبعد الإسلام، والولاية أيضا، ومعناها مفهوم عرفي عام موجود عند الناس

وقلنا سابقا قاعدة مهمة، عندما تكون المرجعية لجهة تكون الفروع أيضا مرجعيتها نفس الجهة. وهنا إذا كانت المرجعية في معنى الولالة هو العرف، أيضا في فروع الولاية ارجع للعرف، إلا ما خرج بدليل، ولهذا ثمرة كبيرة.

إذا كان كذلك نرى أن العرف عندما يعطي ولاية لجهة ما، ليس ليتسلط عليه بل يلاحظ فيها المصلحة، الولاية ليس لها معنى شرعي بل لها معنى عرفي وإذا لاحظنا أن العرف يرى الولاية عبارة عن إدارة الأمر، والإدارة يلحظ فيها المصلحة، يمكن القول بان الظهور بالإطلاق غير سليم، أو أصلا ليس هناك ظهور بالإطلاق. بمعنى أن الأب له ولاية مطلقا سواء كان هناك مصلحة أم لا. غير مسلم. فمع اللحاظ العرفي يقيد اطلاق الرواية في الولاية المطلقة للاب.

ولذلك نقول: بل بالعكس انه طالما لاحظنا الخلفية العرفية، إن اطلاق كلمة ولاية تقتضي اشتراط وجود المصلحة. أي بعبارة أخرى أصالة الإطلاق عندما جعلوها لنفي المصلحة، نحن بهذا البيان نجعل أصالة الإطلاق تؤدي إلى اشتراط لحاظ المصلحة.

الدليل الثالث: سيرة العقلاء.

 

والحمد لله رب العالمين.