الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/03/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ العقد الفضولي/ أدلة البطلان

كان الكلام في كلام صاحب الحدائق في قوله (ع) " لا يجوز أن تبيع ما ليس تملك "، كلمة لا يجوز ما معناها؟.

صاحب الحدائق يقول: لا يجوز دالة على التحريم، وليس ثمة مانع يوجب التحريم سوى عدم صلاحية المبيع للنقل بدون إذن مالكه.

السيد بحر العلوم يوجه الاستدلال، كيف دلت لا يجوز على الحرمة الوضعية، على الفساد، " لان لا يجوز " حرمة تكليفية ولا تعني فساد المعاملة.

قال: ( الخبر بناء على إرادة الفساد من عدم الجواز الظاهر في التحريم وإرادة الوجوب الشرطي بمعنى الصحة من قوله : وجب الشراء من المالك على ما يملك . وفيه - مع أنها مكاتبة ويحتمل قريبا إرادة النفوذ من الجواز المنفى كما فهمه الأصحاب وبنوا عليه فيمن باع ما يملك وما لا يملك صفقة بالنفوذ في الأول وتوقفه في الثاني على إجازة المالك ، وإطلاقه عليه شائع في كلامهم ومنه قولهم : إقرار العقلاء على أنفسهم جائز أي نافذ - أنها محمولة على إرادة الصلاحية التي توجب النقل والانتقال وترتب الآثار على ذلك )[1]

الاستدلال بالرواية على بطلان عقد الفضولي هو بفقرة " لا يجوز " وذلك بتوجيهين:

الأول: توجيه صاحب الحدائق: بانه لا سبب سوى عدم صلاحية النقل والانتقال، أي أن العقد فاسد.

الثاني: توجيه صاحب البلغة: يقول بقرينة المقابلة مع وجوب الشراء في ما يملك التي تعني الصحة " لا يجوز "، يعني الفساد.

صاحب البلغة في الرد على ما فهمه من مشهور الفقهاء، حيث قالوا: ما يملك تم الشراء فيه، ما ليس يملكه يقف الشراء، وصحته تتوقف على الإجازة.فالرجل في الرواية باع جزء من القرية، باع ما يملك وما لا يملك، فما يملك ثبت الشراء فيه، وما لا يملكه موقوف على الإجازة.

صاحب البلغة عنده ملاحظة على السند ومناقشة في الاستدلال.

أما السند: الصحيحة مكاتبة، محمد بن الصفار كتب إلى أبي محمد الحسن العسكري (ع) في رجل باع....

ويرد عليه: ما المشكلة في المكاتبة؟ فهي استفتاء. إنصافا المكاتبة معتبرة مثل المشافهة، لكن هناك خصوصيتين قد تخدشان أحيانا باعتبارها.

الأولى: احتمال تدخل الرسول، الواسطة الحامل للرسالة،بان يزيد من عنده ما شاء.

لكن هذا مدفوع: بأنه رسول ثقة، محمد بن حسن الصفار أرسل شخصا، إذا كان لا يثق بهذا الشخص كيف يرسله. الرسول دليل عقل المرسل، كثيرا ما سمعنا ذلك في قضية مسلم بن عقيل (رض) سفير الإمام الحسين (ع). إذا ارسل الثقة رسولا معناه توثيق له. وقد درسنا في علم الرجال أن توثيق الثقة توثيق.

فالإشكال الأول مدفوع بان توثيق الثقة احد طرق التوثيق.

الثانية:الفرق بين المكاتبة والمشافهة أن المكاتبة احتمال التقية فيها اكبر، لان المكاتبة أمر ثابت قد تقع بيد أعداء الإمام (ع) وهو مستمسك، عكس المشافهة يمكن عدم ثبوتها.

فإذا عارضت مكاتبة مشافهة في نفس الموضوع نقدم المشافهة لان احتمال التقية في المكاتبة أقوى.

إذن من ناحية السند معتبرة فلا فرق بيت المكاتبة والمشافهة.

وأما الدلالة: قال صاحب البلغة يحتمل قريبا إرادة النفوذ من " الجواز " كما فهم الأصحاب، أي عقد غير نافذ، يتوقف التنفيذ على الإجازة، أي هو معلق. قالوا انه نافذ في ما يملك ويتوقف على الإجازة في ما لا يملك.

صاحب البلغة: هذا المعنى " يجوز " أي ينفذ، إطلاق شائع في كلامهم، ومنه قولهم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز – ما معنى جائز؟، الجواز ليس بالمعنى التكليفي بل بمعنى الصحة والفساد – إنها محمولة على إرادة الصلاحية، صلاحية العقد التي توجب النقل والانتقال وترتب الآثار على ذلك.

مناقشة صاحب البلغة

وقبل التعليق على كلام صاحب البلغة، بداية نتوقف على التعابير لأنها أحيانا توحي بشيء آخر، قال: إنها محمولة على إرادة الصلاحية التي توجب النقل والانتقال.

الذي يفهم من إرادة الصلاحية، أي انه فاسد من أساسه لعدم وجود الصلاحية، فهو لغو محض لا قيمة له حصلت الإجازة أم لم تحصل، فتارة العقد يكون كالميت والميت لا تنفعه المقويات، إحياء الموتى محال إلا بإذن الله عز وجل، ومرّة يكون هناك اقتضاء حياة تحتاج إلى مقويات. الإجازة من هذا القبيل.

صاحب البلغة عندما قال أن كلمة جائز محمولة على إرادة الصلاحية التي توجب النقل والانتقال وترتب الأثر على ذلك. هذه العبارة توهم الموافقة على كلام صاحب الحدائق لأنه قال: أن العقد الفاسد لا صلاحية له. الأولى أن يقال أن الظاهر هو ما فهمه الأصحاب والمعنى أن العقد صحيح قد تمت أركانه وشرائطه لكن أثره موقوف على الإجازة.

هنا أحب أن اسأل سؤالا مهما، وكما ذكر السيد الخميني (قده) : ( من المهم أن نضع الرواية في الزمان والمكان ). إذا أردنا أن نفهم الروايات أو الأحاديث أو الوقائع، فنفهم حينئذ المراد منها، حيثياتها مكانها زمانها، أحيانا إشارة بسيطة تؤدي إلى فهم آخر للرواية.

السؤال: إن عدم جواز بيع ما ليس يملك مسألة عرفية بل حكم عقلائي، ما معنى أن اسأل الإمام (ع) هل يجوز لي بيع ما لا املك؟ الذي يسأل يعرف هذه المسألة وفي كل العالم. هل سمعنا أن شخصا عاقلا يسأل في أحكام العقلي النظري، في مسألة واحد زائد واحد يساوي اثنين، هل النقيضان يجتمعان؟، هل يسأل في أحكام العقل العملي، هل الكذب حلال، هل الغش حلال؟ فهل هذه الرواية إرشادية إلى ما عند العقلاء أم هي حكم مولوي، لان الفرق بين الحكمين، أن المولوي حكم تأسيس والإرشادي إرشاد إلى ما حكم به العقل أو العقلاء.

فما معنى قوله (ع): لا يجوز أن يبيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك؟.

هنا يوجد دراسة بسيطة ملخصة ويمكن أن تكون موضوعا كاملا.

النفس البشرية والعقلية الأَعرابية وليس العربية، النفس بطبيعتها تميل إلى الاستفادة من كل شيء وتحاول أن تبرر استحلال كل ما يقع تحت يديها:( إن الحرام هو ما لا تصل إليه أيديهم، أما كل ما تصل إليه أيديهم فكله حلال). تعبير عامي عند عامة الناس.

جواد علي في كتابه تاريخ العرب قبل الإسلام في عشر مجلدات يقول:( "العرب، فلنقل الأعراب"إن الأعراب كانوا يكونون مع الأمير أنصارا فإذا انهزموا كانوا أول من يسلبه، بحجة انه سيسلب لا محالة ). وهذا كما في واقعة الإمام الحسين (ع) أن من سلب بعض السبايا كان يبكي. هذا تبرير للغصب وهو موجود عند معظم الناس " قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن فيها نظر ". مثال آخر في عالمنا المعاصر في العهد البائد في العراق من أكثر من أربعين عام نقلت قضية، أن الحكومة العراقية صادرت كل كميات السكر من التجار ظلما وعدوانا وباعتها بسعر منخفض من دون أي مبرر عقلائي أو شرعي. اشترى السكر أكثر الناس أو فلنقل الأَعراب منهم بحجة انه من باب الشراء مع انه مغصوب ومصادر من التجار من غير رضا، من اشترى أراد أن يوهم نفسه انه حلال فيه شائبة المعاملة كالفضولي الذي هو قسمان: قسم أجنبي كليا وقسم فيه شائبة، وليس شبهة، يعلم في أعماق نفسه انه غصب، وهناك خمسة بالمائة من الناس المتدينة لم تشتر ووقع عليها الضرر، فتدخل بعض الفقهاء لأجل أن تكون هناك مسامحة من التجار لرفع الضرر عن هذا القسم القليل.

لماذا فرقت بين عرب وأَعرب: العرب صفة مدح، النبي العربي الهاشمي الأمي إلى آخره، أما الأعراب صفة ذم { وقالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم }. معنى الأعرابي هو الذي لا يهمه إلا نفسه وبطنه وفرجه، لا قيم عنده فقيمته أنانيته.

 

والحمد لله رب العالمين.


[1] - بلغة الفقيه ج2 ص224.