الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/03/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ العقد الفضولي/ أدلة البطلان

كان الكلام في أدلة القائلين بصحة العقد الفضولي وهي:

أولا: ما استدل به في المسالك: المقتضي موجود والمانع مفقود.

ثانيا: انه عقد صدر من أهله.

ثالثا: رواية عروة البارقي في الشاتين.

رابعا: ما أجاب به عن حجة الشيخ (ره) أن الإجازة هي إذن.

خامسا: ما أجابوا به عن أن النهي لا يستلزم الفساد، فقوله: لا تبع ما ليس عندك هو نهي ولكن نهي عن معاملة لا يقتضي فسادها.

سادسا: ما أجابوا به عن النفي أن إذا دخل على حقيقة أريد بها نفي صفة من صفاتها.

إذا قلت لا بيع إلا في ملك، يعني لا بيع صحيح أو لازم أو مستحب، أو كامل، " ولا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " أي لا صلاة كاملة، " لا علم إلا بعمل " أي لا علم نافعا إلا بعمل.

الذين استدلوا قالوا بان الصحة المنفية هي اللزوم" لا بيع إلا في ملك أي لا بيع لازما، وإلا لزم بطلان بيع الوكيل، لأن الوكيل ليس مالكا، أي بيعه باطل ولكن الصفة المنفية هنا هي الصحة، حيث أنها أدت إلى نفي الماهية، بعبارة أخرى قالوا: عندما يتسلط النفي على الماهية " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" لا نافية للجنس وعندما تكون نافية أي نافية للماهية وهو غير مراد فيكون دالا على نفي صفة وهي إما تحدد بقرينة، أو أقرب الصفات إلى الماهية. وفي البيع يدور الأمر بين اللزوم والصحة، فالصفة المنفية هنا هي الصحة لا اللزوم.

نبدأ بمناقشة أدلة البطلان وأدلة الصحة، وببحث مختصر لان بحث الفضولي واسع جدا.

أما أدلة البطلان نرتبها بحسب أولوياتها وتقديماتها التي هي مهمة فأولها وأقواها:

الدليل الأول: الإجماع الذي ذكره الشيخ (ره) في استدلاله، قال: إجماع الفرقة على بطلان بيع الفضولي. لماذا أقواها وأهمها لان الإجماع لو تم على نحو الحجية كشف بنحو قطعي عن رأي المعصوم، وكونه قطعيا فصار أول الأدلة، لان أول الأدلة ما يفيد علما.

والجواب على هذا الدليل كما ذكرنا الإجماع مشكل كبرى وصغرى، هناك إشكال في اعتباره وتطبيقه ومصداقه خصوصا أن هناك اجماعا منقولا ومعارضا[1] .

هذا من ناحية الكبرى، أما صغرويا هذا الإجماع الذي بين أيدينا الذي نقله الشيخ الطوسي (ره) في الخلاف يقول: ( إجماع الفرقة على بطلان عقد الفضولي ). فأيضا غير سالم، هو إجماع منقول أولا، وقلنا إن الإجماع المحصل للفقهاء الذين هم قريبون من عصر المعصوم عسير جدا،فإن الشيعة ليسوا فقط المفيد والطوسي والمرتضى، هناك عشرات الكبار منهم ومن الصعب الوصول إلى أرائهم إلا أن يقال إن نقل الشيخ الطوسي اطمأن إلى تماميته، لكن الشيخ قد نقل اجماعات متعارضة هو نقلها في نفس الموضوع بين المبسوط والخلاف بل نفس المبسوط ينقل اجماعات متعارضة، صاحب الحدائق (ره) يقول: كان عندي كتاب للشهيد (ره) يذكر فيها سبعين مسألة ذكر فيها الشيخ الطوسي الإجماع على الطرفين، الإجماع وعكسه ومقابله، يقول لقد فقدت هذه المخطوطة أثناء حلي وترحالي.

إذن الإجماع المحصل في الصغرى صعب جدا.

ثم إن الشهرة التي نقلها المحقق الاردبيلي (ره) قال على أن بيع الفضولي صحيح، كيف يكون هناك شهرة مقابل الإجماع، وعلى حد تعبير صاحب الحدائق تكاد تكون إجماعا على صحة عقد الفضولي، أي نقل إجماعا آخر معارضا مقابلا له. بإزاء هذين الاجماعين المتقابلين الدليل الأول الإجماع لا نستطيع أن نجعله دليلا.

الدليل الثاني: حكم العقل قالوا إن العقل يحكم ببطلان عقد الفضولي حكم العقل بعدم جواز التصرف، قالوا إن العقل يحكم بعدم جواز التعدي، بيع ما لا املك تعد، تصرف في مال الغير بغير إذنه، فعدم جواز التصرف أمر عقلي محض.

وبتعبير أدق هو حكم عقلائي وليس حكما عقليا، فهذا تعد والتعدي محرم باطل إجماعا وعقلائيا. فهذا هو الدليل.

مناقشة الدليل

نقول الكلام في الكبرى والصغرى، أما الكبرى فمسلّمة، التعدي باطل فاسد، ممنوع عقلائيا ووضعا وتكليفا، هذا مسلمـ لكن الكلام في الصغرى يعني في التطبيق على المورد، بيع ما ليس عندي هو تعد أو لا؟. التعدي الحقيقي بلا شك ممنوع، استخدام أثاث المنزل بدون إجازة من صاحبه غير جائز، لكن بمجرد أن الأثاث موجود في مكان ما وقلت لشخص آخر إنني بعتك هذا الأثاث. هل يكون هذا من باب التعدي؟. أين هو التعدي فيها ؟. الكلام لا تعدي فيه، قبل الأثر لا يقال تعدي. الكلام في الصغرى ، قد يقال: إن الأمر الاعتباري كالأمر الحقيقي صحيح فانه يقال: الاعتباري بالذات إنما كان كالأمر الحقيقي باعتبار أثره لا بما هو فانه ليس تعديا ولا تصرفا، فقيمته موجودة ولو لم يكن له قيمة لما صحة الإجازة.

هذا النوع من التصرف ممنوع عقلا؟. فهذا أول الكلام في التطبيق، فإذن إما هو تصرف حقيقي فهذا ممنوع، وإما تصرف اعتباري قبل الإجازة لا اثر له. هذا هو محل الكلام، قبل الإجازة لا اثر له؟. فليس هناك تصرف في البين لأنه ليس هناك تصرف في العين.

الدليل الثالث: مكاتبة محمد بن الحسن الصفار انه كتب إلى أبي محمد الحسن العسكري (ع)

( وكتب إليه رجل كان له قطاع أرضين فحضره الخروج إلى مكة والقرية على مراحل من منزله ولم يؤت بحدود ارضه وعرف حدود القرية الأربعة فقال للشهود : اشهدوا أني قد بعت من فلان جميع القرية التي حد منها كذا والثاني والثالث والرابع وإنما له في هذه القرية قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري ذلك ؟ وإنما له بعض هذه القرية وقد أقر له بكلها ؟ فوقع عليه السلام لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء على البايع على ما يملك)[2]

سنقرأ أولا ما ذكروه في هذه الرواية،

قال صاحب الحدائق: (والأصحاب قد أفتوا في هذه المسألة التي هي مضمون هذه الرواية - بلزوم البيع فيما يملكه ووقوفه فيما لا يملك على الإجازة من المالك ، بمعنى أنه صحيح لكونه فضوليا موقوفا في لزومه على إجازة المالك ، والرواية - كما ترى - تنادي بأنه " لا يجوز " الدال على التحريم . وليس ثمة مانع يوجب التحريم سوى عدم صلاحية المبيع للنقل بدون إذن مالكه)[3]

إذا كان محرم تكليفا قد يقال إن هذا التحريم لا يدل على الفساد، النهي عن العبادة، يدل على الفساد كما ذكره الأصوليون وخصوصا المتأخرين، هنا إن النهي عن العبادة يدل على الفساد، أو يقتضي ذلك بتعبير أدق، بحسب الاستدلال.[4]

هنا قد يقال " لا يجوز " هي عبارة عن نهي عن معاملة، والنهي لا يدل على الفساد. كيف قالوا بان النهي يدل الفساد قال انه يمكن بنحوين يأتي إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] - للتذكير: ما وصلنا إليه في مسألة حجية الإجماع، ذكرنا أن الإجماع كدليل قائم بنفسه لا دليل عليه إلا انه كما ذكر الشيخ الأنصاري (ره) ( هم أهل له وهو أهل لهم )، ضمن بحر أبناء العامة الموجود توجّه فقهائنا إلى أن يعتبروا الإجماع حجة لكن لا دليل عليه فقال : انه حجة من باب الكشف عن رأي المعصوم، فانتقلنا إلى مشكلة أخرى، وكيف يكشف عن رأي المعصوم، فقامت نظريات الحدس واللطف، والدخولي وغير ذلك على نحو الكشف، وناقشنا كيف يتم الكشف وقلنا في حينها إن الإجماع المعتبر الكاشف عن رأي المعصوم على قسمين دون غيرهما. القسم الأول الإجماع الدخولي الذي نعلم أن المعصوم احد الموجودين وهذا ما كان يذهب إليه الشريف المرتضى (ره) الإجماع الدخولي، فنقطع حينئذ بدخول المعصوم في احد المجمعين دون معرفته بشخصه. القسم الثاني الإجماع الحدسي الكاشف عن رأي المعصوم بنحو قريب جدا من الحس، فكلما اقترب كشف الإجماع إلى الحس يكون أقوى اعتبارا وحجة. هذان القسمان هما اللذان ثبت كشفهما عن رأي المعصوم فيكون حجة وفي غيرها لا اعتبار له.
[2] - الكافي للكليني ج7 ص402.
[3] - الحدائق ج18 ص386.
[4] - إشارة إلى مسألة: إذا قلنا إن النهي يدل على الفساد كان النهي بلفظه يلزمه الفساد فصار من باب مباحث الألفاظ. إنما إذا قلنا إن النهي يقتضي الفساد يعني عقلا يقتضي الفساد فلم يعد من مباحث الألفاظ بل أصبح من المفروض أن يدرج في المباحث اللوازم العقلية، لان كلمة دلالة خاصة بالألفاظ، الكلام بمجرد أن انطق به العقل يأخذني بنفس اللفظ بالأدلة الإلتزامية بالمعنى الأخص إلى المعنى الآخر، هذا دلالة لفظية. أما إذا كان عقلا يدل ولكن بالدلالة الالتزامية بالمعنى الأعم أو غير بيّن فهذا ليس دلالة لفظية، فالأنسب أن يقال: اقتضاء النهي الفساد. فاللوازم إما بيّن بالمعنى الأخص أو بالمعنى الأعم أو غير بيّن.