الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/02/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ العقد الفضولي/ مقدمات

العقد الفضولي

بحث هذا الباب يشمل بحث كل العقود والإيقاعات، سنبحث بحثا مختصرا للقاعدة العامة كي نرجع لها عند الشك في عقد زواج الفضولي. هناك بحثان: بحث عام لكل العقود وبحث خاص في عقد الزواج.

بحث الفقهاء عقد الفضولي في خصوص النكاح في مسألة أولياء العقد، وينبغي أن يبحث في شروط المتعاقدين لان المسألة هل عقد الفضولي صحيح أو لا؟ بعبارة أخرى هل يصح العقد من الفضولي باعتباره احد طرفي العقد وليس مالكا، ولا وليا لا علاقة له به، نعم الإجازة وعدمها من الولي لكن العقد من الفضولي، فلنجعل البحث في شرائط المتعاقدين لا في أولياء العقد.

بعد هذا التنبيه البسيط نبدأ ببحث الفضولي في عموم العقد، البحث العام، وذلك بمقدمات تفيد بصيرة في الشروع ثم نستعرض أدلة الطرفين.

المقدمة الاولى معنى الفضولي:

لغة: هو من الفضل والفضل لغة الزيادة، والفضولي في العرف العام من يتدخل في ما لا يعنيه.

واصطلاحا: الفضولي هو من يتصرف في مالا يحق له التصرف فيه. كالتصرف في مال الغير من دون إذنه أو إذن وكيله أو وصيه أو وليه، أي من دون وكالة ولا إذن ولا وصاية ولا ولاية، أجنبي كليا لا علاقة له. فهو يشمل الأجنبي والصغير والسفيه والمفلس والمجنون وكل محجور عليه، وكالبكر في عقد النكاح وكل عقد أو إيقاع يحتاج إلى الإجازة.

الإجازة هي المحور. لقد تم بحثها في العقود والإيقاعات في أن الإجازة كاشفة أو ناقلة، وثم بحث مسألة الفضولي هناك.

المقدمة الثانية: أن صاحب الحق في الفضولي ليس هو العاقد بل هو المجيز للعقد بعد ذلك، لذا صاحب الملك لا يباشر العقد، والعاقد غيره، كالوكيل من هذه الجهة، من هنا ظهرت مقولة فقهية وهي: كلما تصح فيه الوكالة تصح فيه الفضالة.

إلا أن هذه القاعدة تحتاج إلى تعديل في التعبير، ذلك لان الطلاق تصح فيه الوكالة وأما الفضالة فهي محل خلاف. لتصحيح هذه المقولة نقول: كلما تصح فيه الوكالة فيه قابلية أن تصح فيه الفضالة. ذلك أن صحة الوكالة تعني عدم اشتراط المباشرة، إذا اشترطنا المباشرة لا تصح الوكالة - وهو ما تشترك فيه مع الفضالة، أي عدم المباشرة- .

المقدمة الثالثة: ولعلها أهم مقدمة، أن المباشرة وعدمها هل لها دخالة في مفهوم العقد أولا؟.

نقول أن لا دخالة لها في مفهوم العقد. والسبب أن العقد أمر تعارف عليه الناس ليكون سببا للحالات الوضعية، كالزواج والبيع، فندخل لهذه الأوضاع بعقود.هذا أمر تعارف عليها الناس.

هل الناس ترى المباشرة شرطا في صحة عقد، أو له دخالة في مفهومه؟.

الناس لا ترى ذلك، والدليل على ذلك أن العرف اقرَّ العقد وكالة أو نيابة أو ولاية أو وصاية، ولم يشترط العرف تملك العاقد أو أن يكون مأذونا. إذن المباشرة لا دخالة لها في مفهوم العقد ولذا إذا تمت هذه المقدمة، عقد الفضولي، ينطبق عليه عنوان العقد وبالتالي هو مشمول لعموم قوله تعالى: " أوفوا بالعقود ".

هذه المسألة تندرج تحت عنوان أهلية العاقد لإجراء العقد.فكما يشترط في العاقد:العقل والاختيار والبلوغ، مع التفصيلات المذكورة. هل يشترط أيضا أن يكون صاحب حق، وكالة أو وصاية أو ولاية أو نيابة أو تمليكا. هذا الفضولي بحثه في شرائط أهلية المتعاقدين.

ذكرنا انه لا علاقة لذلك بمفهوم العقد في العرف، وطالما أن العقد ابتكار ووضع عرفي فلنرجع للعرف في كل أجزائه وشرائطه وشراشيره وفي كل شيء.

فقد يقال: في هذه المسألة أن العرف ليس هنا مرجعا لها.

فنقول: لا.نعم هو المرجع. لماذا؟. لأنه هو الذي وضع العقود قبل الإسلام قبل الشرع، فكونه هو الواضع صار هو المرجع. وذكرنا أن المرجعية في أي شيء هي في من بيده الوضع والرفع، ولذلك قلنا أن المرجع في المفاهيم العرفية هو العرف والمفاهيم الشرعية هو الشرع، وكذا في الأحكام. والمرجع في المصاديق هو المكلف.

نعم قد يقال هنا أن عقد الأجنبي الغريب كليا عن المعقود عليه، يعتبر في العرف لغوا، ليس عقدا أصلا، لا ينطبق عليه مفهوم العقد، كما ذهب بعض من قال بعدم اعتبار عقد الفضولي، قال: إن عقد الأجنبي ليس عقدا بل هو لغو والعرف يرى انه تدخل في مالا يعنيه وانه تصرف في مالا يحق له. كما لو زوجتك امرأة عن التلفاز، تقول انه ليس بزواج – هذا استنكار وليس استغرابا- بهاتين الكلمتين نستطيع أن نميِّز بها ما هو صحيح ولكن غريب، وما ليس بصحيح، العرف يستنكر هذا النوع، هذا ليس عقدا وليس مجرد استغراب. فلو بعتك سيارة في ركن من الأرض لا اعرف صاحبها ولا مالكها، أنا في بيروت وبعتك شيء ولا علاقة لي به لا من قريب ولا من بعيد. العرف يراه لغوا يستنكر ذلك ولا يعتبره عقدا أصلا ولا يندرج تحت " أوفوا بالعقود " ولذا لا بد من شائبة علاقة لصحة العقد، بين العاقد والمعقود له ولو بعلاقة بين العاقد والطرف الآخر كي يعتبر عقدا عرفا.

الأساس أن ننظر للعرف، هل يعتبره عقدا، إذا تم كونه عقدا العنوان تم، صح انطباق العقد عليه، يؤدي إلى صحة عقد الفضولي بـ " أوفوا بالعقود ".

لو فرضنا شككنا أن العرف يسميه عقدا أو لا؟. عقد الفضولي أجنبي كليا. الفضولي قسمان: قسم له شائبة علاقة وقسم لا علاقه له أصلا.

فالقسم الأول يسميه العرف عقدا وأما القسم الثاني أي القسم الذي لا علاقة له أصلا حتى شائبة، لو شككنا في ذلك ما هو الأصل.

أصالة العموم هنا لا تجري " أوفوا بالعقود " الأصل اللفظي لا يجري لأنه ليس عقدا، لا بد من إحراز كونه عقدا حتى أطبق عليه " أوفوا بالعقود " أصالة العموم غير جارية، الأصل اللفظي غير جار، لان الأحكام تابعة لعناوينها، فتصل النوبة حينئذ إلى الأصل العملي وهو أصالة الفساد وعدم ترتب الأثر في المشكوكات ونتيجته بطلان عقد الفضولي.

إذن الأصل اللفظي نتيجته صحة عقد الفضولي، والأصل العملي نتيجته بطلان عقد الفضولي.

 

الحمد لله رب العالمين.