الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/02/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح \ الزواج المدني \ صحة العقد مع فساد الشرط

وصل بنا الكلام إلى الدليل التاسع على أن عقد النكاح لا يتحمل الشروط فينتج عنه أمران:

الأول: عدم صحة اشتراط خيار الفسخ.

الثاني: عدم ثبوت خيار الفسخ عند تخلف الشرط.

والدليل هو الروايات الخاصة التي تدل على بطلان شرط الفسخ، نذكر منها روايتين:

الرواية الأولى: محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن الحسين بن علي بن يوسف الازدي عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) ( في رجل تزوج امرأة وشرط لها إن هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق، قضى في ذلك أن شرط الله قبل شرطكم، فان شاء وفى لها بما اشترط وإن شاء امسكها واتخذ عليها زوجة أو سرية ونكح عليها )[1] .

من جهة السند: الحديث معتبر .

من جهة الدلالة: منطوق المتن يدل على بطلان الشرط وحصول الطلاق عند تخلف الشرط، لا يدل على خيار الفسخ. فإذن بالمنطوق ليس هناك خيار الفسخ، عند تحقق التزوج عليها الزواج الثاني.

يشكل على الاستدلال بالرواية، إنما تدل على حصول الطلاق عند الزواج، وهذه ليس مسألتنا، مسألتنا ثبوت خيار الفسخ لها، الإمام (ع) ينفي الطلاق على نحو شرط النتيجة، يعني إن الطلاق بهذا الشكل غير سليم، لذلك قيل في مقام الإشكال على دلالة الرواية أنها لا تدل على ثبوت خيار الفسخ إنما تدل على أن الطلاق كنتيجة لتخلف الشرط، هذا الطلاق لا يصح.

إذن هناك دلالتان: الدلالة الأولى أن شرط الخيار باطل. الدلالة الثانية إن الطلاق بهذا الشكل باطل، لان الطلاق أمر أمضاه الشارع وتعبد به واستعمله، لكن جعل له بابا خاصا وهو إيقاع الطلاق.

وهذا يدخلنا في موضوع ذكرناه سابقا وهو أن هذه الأوضاع لها أبواب توقيفية نقتصر عليها. وقلنا انه لا دليل هناك على الاقتصار وإن كان هناك إجماع.

إذن الإشكال في دلالة الرواية وليس في السند حيث إنها ناظرة لفساد الطلاق بخصوصه وعنوانه.

لكن الإنصاف أننا إذا تأملنا بالرواية، صحيح أنه في المنطوق ليس لها خيار الفسخ، لكن المرأة يريد الانفصال في حال التزوج عليه، ولا تريد الطلاق بعنوانه، فلو كان خيار الفسخ يثبت لها لكان على الإمام بيان ذلك، لكن الإمام (ع) قال: الشرط باطل والطلاق باطل، ولم يقل أن لها خيار الفسخ.

الرواية الثانية: محمد بن الحسن بإسناده عن علي بن إسماعيل الميثمي عن حماد عن عبد الله بن المغيرة عن ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) ( في رجل قال لامرأته إن نكحت عليك أو تسريت فهي طالق، قال: ليس ذلك بشيء إن رسول الله (ص) قال: من اشترط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز ذلك له ولا عليه)[2] .

والاستدلال تماما كالاستدلال بالرواية السابقة بمنطوقها، ليس هناك خيار الفسخ، كان على الإمام (ع) أن يبيّن أن لها الخيار لو كان، إذن يمكن الاستدلال باللازم. إذا استطعنا أن نستظهر أنها هي تريد الانفصال مجرد الانفصال، الإمام (ع) قال الطلاق باطل، لكن لو كان لها خيار الفسخ ويثبت لها، لكان على الإمام أن يبيّن، لكن لم يبيّن إذن خيار الفسخ ليس تاما.

والإشكال عليها أيضا كما على الرواية السابقة وهي أنه قد يقال أن الإمام أبطل الطلاق بهذا النحو بشرط النتيجة.

والجواب على الإشكال أن السائل ليس في مقام السؤال، عن عنوان الطلاق، هي تريد أن تنفصل، والإمام (ع) لم يذكر خيار الفسخ.

لو تم هذا الدليل التاسع لكفى، لكن لو حققنا في المسألة نجد أن هاتين الروايتين معارضتين برواية صحيحة أخرى ومعتبرة السند .

الرواية المعارضة: محمد بن الحسن عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن منصور بزرك عن عبد صالح قال: ( قلت له أن رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها، فبانت منه أراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها، فأعطاها ذلك ثم بدا له بالتزويج بعد ذلك فكيف يصنع فقال الإمام (ع) بئس ما صنع وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له فليف للمرأة بشرطها لان رسول اله (ص) قال: " المؤمنون عند شروطهم " )[3] .

ورواه الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن منصور بزرك نحوه.

من جهة السند فالسند تام

ومن جهة الدلالة فهي واضحة ف صحة الشرط لكن هناك تعارض بين هذه الرواية الواضحة في صحة الشرطـ، وتلك الرواية التي تقول بفساده.

إن قلت: إن وجوب الوفاء من باب انه عهد لله، وليس من باب الوفاء بالشرط، ولو كان من باب الوفاء لتم الاستدلال بالرواية ولكن كان الوفاء لله وفاء بالعهد أو اليمين.

قلت: إن الرواية تدل على صحة الشرط على كل حال لأن وجوب الوفاء إن كان لله - كما هو الإشكال – فهو يدل باللازم على صحته، إذن لو كان الشرط فاسدا لما صح أن يجعل لله، وإن كان من باب " المؤمنون عند شروطهم " كما هو الظاهر، فأيضا يدل على صحة الشرط، وسنبيّن ذلك.

إذن هنا تعارض بين روايتين صحيحتين تدل على فساد الشرط ورواية أخرى صحيحة معارضة تدل على صحة الشرط.

هل هنا نصل إلى مرجحات باب التعارض؟ أو نحاول من البداية أن نعالج الدلالتين، فإن تمت المعالجة بحسب الظواهر، فالحمد لله ولا نصل إلى مرجحات باب التعارض، ثم أيهما نرجح على الآخر؟.

 

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] - الوسائل ج15 باب38 من أبواب المهور ح1.
[2] - الوسائل ج15 باب38 من أبواب المهور ح2.
[3] - الوسائل ج5 باب20 من أبواب المهور حديث 4.