الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/01/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح \ الزواج المدني \ صحة العقد مع فساد الشرط

انتهينا من مسألة أن فساد الشرط لا يؤدي إلى فساد المشروط الذي هو العقد محل الكلام، ومعنى ذلك أن العقد صحيح، فإن كان العقد صحيحا فهل الشرط يؤدي إلى خيار فسخ؟ أي المشروط. مثلا: لو فرضنا أنها قالت له : زوجتك نفسي بشرط أن لا تتزوج عليَّ. ثم تبيَّن لها أن هذا الشرط فاسد، وهي سلمت نفسها وأجرت العقد بناء على هذا الأمر، وهو التزم به في العقد. فهل استظهار أن فساد الشرط الذي لم يؤد إلى فساد العقد، الذي بقي صحيحا، فهل لها خيار الفسخ أو لا؟.

في كل العقود لها أو له خيار الفسخ. هناك حالتان: تارة يظهر أن الشرط فاسد مما يؤدي إلى خيار الشرط، وتارة يشترط خيار الفسخ.

فلنأخذ الأدلة من الطرفين: من قال بأن الشرط الفاسد يؤدي إلى خيار قال: إن العمومات تقتضي الخيار، " المؤمنون عند شروطهم " " أوفوا بالعقود "، وسنأتي لبيان كيفية الاستدلال بها.

وعدم ثبوت خيار الفسخ هو الذي يحتاج إلى دليل، القاعدة تقتضي ثبوت خيار الفسخ. عدم الثبوت، هو الذي يحتاج إلى دليل.

القائلون بعدم ثبوت خيار الفسخ أتوا بثمانية أدلة سنبينها. إذن يمكن أن نقول: أن القاعدة تقتضي ثبوت خيار الفسخ وعدم ثبوت خيار الفسخ هو الذي يحتاج إلى دليل. فلنبحث بالأدلة التي ذكروها لخيار الفسخ، وهي العمومات الواردة في الروايات وفي القرآن الكريم " أوفوا بالعقود "، سواء قلنا بان " أوفوا بالعقود " يجب الوفاء بالعقود، ومن جملة الوفاء بالعقود وفاء بشرائطه، ومن جملة الوفاء بالشرط أن العرف يرى أن عدم الوفاء بالشرط يقتضي خيار تخلف الشرط في كل العقود ومنها عقد النكاح. إذا تخلف الشرط في أي عقد في البيع في الإجارة في الكفالة، إذا تخلف الشرط، المشروط له يقول: أنا لي حق الخيار، هذا الحكم العرفي هو من جملة " أوفوا بالعقود" لان الوفاء بالعقد بكل الوفاء وشرائطه وأحكامه. يعني هذا حكم عرفي. هذا في " أوفوا بالعقود ".

ولو قلنا بأن الشرط هو عقد ضمن عقد، فإنه يندرج تحت " أوفوا بالعقود " أيضا، لأنها عموم يندرج تحته كل عقد سواء كان مستقلا أو عقدا ضمن عقد، فإذن هذا العموم نستطيع الاستدلال به كقاعدة، كأصل لفظي.

" المؤمنون عند شروطهم " أيضا لأنه يمكن الاستدلال بالطريقة التالية: أن تخلف الشرط في العرف العام يقتضي خيار الفسخ.

يمكن أن يقال بان القاعدة هي ثبوت الخيار، عدم ثبوت الخيار هو الذي يحتاج إلى دليل.

فلنبحث بالأدلة التي استندوا إليها في نفي خيار الفسخ أو حق الفسخ.

ما استدلوا به ثمانية أدلة:

الأول: أن عدم خيار الفسخ في النكاح من ضروريات الفقه.

الثاني: الإجماع على عدم ثبوت خيار الفسخ.

الثالث: أن النكاح فيه شائبة العبادة، والعبادة لا فسخ فيها.

الرابع: أن النكاح دائم ومنقطع، والخيار معناه تضيق دائرة الدائم وهو ينافي الدوام.

الخامس: ان السيرة العقلائية والعرفية والشرعية على عدم الفسخ في النكاح. ولعله هذا أقوى الأدلة.

السادس: أن تشريع عقد المنقطع يدل بالالتزام على عدم الخيار.

السابع: ما دل على حصر الفراق في العقد الدائم بالطلاق، يدل على عدم ثبوت الخيار.

الثامن: الروايات التي تدل على بطلان خيار الفسخ.

نلاحظ بهذه الأدلة التي ساقوها لنفي خيار الفسخ، أن محور الأدلة شيء واحد وهو أن النكاح لا يتحمل خيار الفسخ، ولهذا بعض الأدلة تناسب خيار تخلف الشرط وبعضها الآخر يناسب اشتراط الخيار، كقولها: زوجتك نفسي على أن يكون لي خيار الفسخ ساعة أشاء.

ومحور الأدلة أن النكاح يختلف عن بقية العقود في عدم تحمل خيار الفسخ.

أما الدليل الاول: وهو أن هذا من الضروريات وهو: أن منافاة عقد النكاح لاشتراط الفسخ من ضروريات الفقه. هذا الكلام ذكره في جواهر الكلام.

ويرد عليه: الكلام في الشبهة المفهومية والمصداقية، بعبارة أخرى في معنى الضرورة وفي تطبيقها.

لبيان الإشكال على هذا الكلام لا بد من مقدمة وهي ما معنى الضروري وما معنى ضروريات الفقه.

الضروري في الاصطلاحات العامة ما يقابل الممكن، ولذلك في المنطق قالوا: الممكن وهو ماسلب فيه إحدى الضرورتين ضرورة السلب وضرورة الإيجاب. وقسموا الوجود إلى ثلاثة أقسام: واجب الوجود، ممتنع الوجود، ممكن الوجود، وهو ما سلب فيه الضرورتان الضرورتين هو الإمكان الخاص. ما سلب فيه إمكان الطرف الآخر هذا هو الضروري ولذلك في المنطق في الفلسفة، واندرج هذا أيضا في الفقه وفي العلوم الدينية بشكل عام، فقالوا: هذا من ضروريات الدين.

فعندنا ضرورة دينية ومذهبية وفقهية، ما الفرق بين هذه الضرورات؟.

الضرورة الدينية: هي ما لا يمكن تصور انتفائه في الدين. وقلنا بأن الضرورة هي سلب الإمكان من الطرف الآخر، ما لا يمكن تصور انتفائه فلو نفيته كأنه كذبت الدين، أن هذا ليس دينا، كذبت رسول الله (ص) ولذلك بعضهم يقول أن هذا تكذيب للرسالة.

كما لو قلت مثلا: بأن الإسلام ليس فيه معاد ليس فيه صلاة أو لو قلت بأن الإسلام الكذب فيه حلال والصدق فيه حرام أي هذه القيم التي هي من الواضحات.

الضرورة المذهبية: التي إذا نفيت كأنما المذهب انتفى، لذلك قالوا أن الإمامة من أصول المذهب.

الضرورة الفقهية: يمكن تصور عدة معان لها:

المعنى الأول: بحيث لو انتفى هذا الأمر انتفى الفقه في عرف المتشرعة.

المعنى الثاني: أن يكون أمرا متسالما عليه، وقلنا أن الفرق بين الإجماع والتسالم. التسالم نوع من الإجماع لكنه أعلى رتبة، وكأنه نوع من البديهة لا يحتاج إلى نقض بين الفقهاء وليس بذاته.

وذكرنا أن في كلماتهم هناك عدة مراتب: الضروري، البديهي، المتسالم عليه، الإجماع، الاتفاق، بلا خلاف. ألفاظ كلها يجمعها انها تدل على اتفاق، بان الفقهاء اتفقوا على هذا الحكم، لكن كل منها له معنى ملازم يدل عليها، أقواها الضروري ثم البديهي ثم التسالم ثم الإجماع ثم الاتفاق ثم بلا خلاف.

المعنى الثالث: أن يكون أمرا يحكم به الذوق الفقهي.

المعنى الرابع: أن يكون مجمعا عليه أي الضرورة والإجماع شيء واحد.

كلمة ضرورة إذن استخدمت في عدة معان في كتب الفقه، وهي كلها تفيد لو تمت حجيتها، وإنما تتم إذا أفادت القطع بالحكم الشرعي.

وهنا نقطة مهمة أن عنوان الضرورة الفقهية ليس موجودا في نص شرعي، ولو كان موجودا لوجوب أن نبحث معناه، بل هو اصطلاح ثم تداوله بين الفقهاء، وذكرنا أن بحث مفهوم عنوان أو لفظ معين إنما يكون لأمرين: إما أن يكون في نص شرعي فلا بد من فهم معناه. وإما أن لا يكون في نص شرعي، بل تم تداوله كثيرا عند الفقهاء بحيث أصبح مستعملا، فكي لا يتكلم كل منّا في واد نبحث المعنى وما المقصود من هذا المعنى. وذكرت لكم مثالا كلمة ريبة في مسألة النظر بين الرجل والمرأة، الريبة من حمد الله أنها ليست موجودة في نص شرعي، بل هي من اصطلاحات الفقهاء ولذلك لها تعبيرات متعددة، ونحن لسنا بحاجة إلى أن نفسرها، نعم نحتاج للتفسير حتى نفهم كلمات الفقهاء ماذا يقولون وحتى لا يتكلم كل منا في واد.

بحسب التعريف عندنا أربعة تعاريف للضرورة: الإجماع وثلاثة أول، وأخرنا الإجماع لسبب بأن الثلاثة الأول لا تنطبق على مسألتنا. يعنى انه إذا تبين بأن الشرط فاسد فمعنى ذلك انه لا يثبت له بخيار الفسخ، ليس ضرورة بحيث لو قيل بخيار الفسخ، هل ينتفي الدين؟ المذهب؟ الفقه؟.

لم ينتف الدين ولا المذهب ولا الفقه. إذن تعريف الضروري بالمعاني الثلاثة الأول لا ينطبق هنا، نعم بالمعنى الإجمالي ممكن، لان هناك إجماعا على هذه المسألة ولذلك فلننتقل مباشرة إلى الإجماع. فإذن الدليل الأول إما أنه لا ينطبق على مسألتنا أي معنى الضروري، وإما أنه يعود إلى الإجماع إلى الدليل الثاني، فلنبحث به.

الدليل الثاني الإجماع: قال في الجواهر:{ لا يصح اشتراطه – خيار الفسخ- في العقد اتفاقا}. وفي كشف اللثام للفاضل الهندي (ره) وفي غيره، نقلوا أن هناك إجماعا على عدم صحة اشتراط خيار الفسخ.

والكلام فيه نتركه لغد إن شاء الله.

 

والحمد لله رب العالمين.