الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

32/11/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح \ الزواج المدني \ هل فساد الشرط يؤدي إلى فساد المشروط

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين وعلى من تبعهم بصدق وإخلاص وإيمان إلى قيام يوم الدين. اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، اللهم افتح علينا أبواب رحمتك يا ارحم الراحمين ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

وصلنا إلى مسألة: هل فساد الشرط يؤدي إلى فساد المشروط؟.

ذكرنا أن الشرط له معان متعددة، في المعنى الفلسفي الشرط يؤدي إلى انتفاء المشروط، لكن كلامنا بالمعنى العرفي المأخوذ في المعاملات فيكون السؤال هو: هل فساد الشرط يؤدي إلى فساد العقد،. والكلام في مسألتين:

تارة في مجمل العقد، وتارة في خصوص عقد النكاح.

أما في مجمل العقد :

وهو بحث ينفعنا أيضا في الكلام في عقد النكاح. هنا لا بد من التنبيه على أن البحث هو بعد تحقق مفهوم العقد، بعد تحقق عنوان العقد، فيخرج من الشرط نحوان:

النحو الأول : ما ينافي مقتضي العقد لأننا ذكرنا أن الشرط المنافي لمقتضى العقد معناه إفراغ العقد من مضمونه بحيث لا يعد عرفا عقدا، الناس تنظر إليه بنظرة استهجانية استنكارية. مثلا: بعتك هذا الكتاب بشرط أن لا تملكه. فهذا لا يعد بيعا بنظر العرف، العرف سيقول لك ما هذا البيع الذي بدون ملكية؟! فلا يعتبره بيعا أساسا.

النحو الثاني : ما كان للشرط دخالة في المفهوم بل يكفي احتمال المدخلية كي ينتفي تحقق العقد خارجا، احتمال المدخلية يكفي. والسبب لان مع الاحتمال لا يتحقق العنوان.

بعد خروج هذين النحوين، إذا توضح هذا: وكلامنا بعد تحقق العقد خارجا، نقول: هل فساد الشرط يؤدي إلى فساد العقد أو لا؟

وقلنا أن الكلام في مجمل العقود، في البيع، الشراء، الرهن، الكفالة، إلى غير ذلك، كل العقود.

ودليل من قال بالفساد، دليلان:

الدليل الأول : إذا فسد الشرط فسد العقد. إن فساد الشرط يؤدي إلى الإخلال بالعقد، لماذا؟

لان ما تم التعاقد عليه لم يقع وما وقع لم يتم التعاقد عليه. { بعتك هذا الكتاب بشرط أن تطلِّق زوجتك، أو تبيعه إلى فلان }. لو فرضنا أن الشرط الثاني فاسد بشرط أن تشرب الخمر (والعياذ بالله) الذي أنشئ البيع مع الشرط والذي وقع خصوص البيع لأن الشرط فاسد، بعبارة أخرى: ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع.

وقد أجاب، بعض الفقهاء على هذا الإشكال: بان العقد مع الشرط ينحل عرفا إلى عقدين لأننا قلنا بأن الشرط هو التزام في التزام. أبيعك بشرط، أبيعه التزام، وهناك التزام آخر هو الشرط.

فإذن الشرط والمشروط ينحلان إلى عقدين احدهما منضم إلى الآخر، فهما عقدان.

فإذن العقدان ما هما: تعاقد بمضمون العقد، البيع، وتعاقد بالشرط، فمع فساد الثاني يبقى الأول، وما الدليل على انه ينتفي؟.

هذا الرد على إشكال الإفساد، وملخصه: أن الدليل على إفساد الشرط الفاسد،" أن ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع ". أجابوهم بأن الشرط والمشروط عبارة عن عقدين فإذا افسد أحدهما لا يدل على فساد الآخر.

ولكن إذا تأملنا نقول: هذا الجواب مردود، عبارة عن عقدين هما التزامان عرفا بني احدهما على الآخر، " بعتك بشرط ألا تبيعه لفلان " الشرط التزام بني على الالتزام الأول، ولو سلمنا أنهما عقدين عرفا فإنهما بنحو الارتباط لا الاستقلال فليس لدينا أنه إذا فسد احدهما يبقى الآخر، إذا فسد احدهما هو مرتبط بالآخر ارتباطا كاملا.

إذن ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع، يبقى صحيحا من دون إشكال.

لا بل له جواب: الصحيح في الجواب على هذه النقطة، أن الشرط في العقد عرفا هو ما اوجب خيار الفسخ، بهذا يختلف عن الشرط الفلسفي والمنطقي، وليس ما اوجب البطلان من الأساس.

هذا هو لازم الشرط وهذه نتيجته، وبهذا لا يكون ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع. والسبب أنِّي أنشأت بيعا بهذا النحو بحيث لو فسد الشرط يكون لي خيار الفسخ، إذا كان الشرط صحيحا فلا بد من الالتزام به وإذا لم يكن صحيحا يكون لي خيار الفسخ فهذا هو معنى الشرط، وهذا مع فساد الشرط لا يعني أبدا أني أوقعت ما لم اقصد، ولا يعني اني قصدت ما لم يقع، بالعكس فقد وقع ما قصد، لان هذا معنى الشرط.

فإذن بالدقة ما وقع قصد وما قصد وقع وليس صحيحا أن ما وقع لم يقصد، فتأمل في المقام فانه دقيق.

الدليل الثاني : على أن فساد الشرط يؤدي إلى فساد العقد هو: { ان الشرط له مقابل بالعوض } يعني عندما اشترط، في الباطن كان العوض قسمان للمشروط وللشرط، يعني الشرط ليس مجانيا بل له مقابل بالعوض، وهذا المقابل غير معلوم فمع فساده وبطلانه يصبح عوض العقد في البيع مجهولا، فيفسد العقد للجهالة، أي احد جزئي العقد لا ادري كم عوضه فإذا فسد انتقلت الجهالة إلى اصل البيع، وإذا كان العوض مجهولا فسد العقد للجهالة، هكذا استدلوا.

وأوردوا عليه بعدة إيرادات:

أولا : إن الجهالة ليست مبطلة للعقد في كل العقود، أي العلم بالعوضين شرط في صحة العقد، هذا ثبت في بعض العقود دون الأخرى، مثلا في البيع ورد في الحديث: " نهى النبي عن الغرر " فسر الغرر بأنه الإدخال في المجهول حتى ولو مثل بيع السمك في الماء والطير في الهواء، إدخال في المجهول، هذا ثبت في البيع لكنه لم يثبت في كل العقود لأن الرواية التي تقول: " نهى النبي (ص) عن الغرر " المطلقة لكل العقود ولكل الأمور، هذه رواية مخدوشة السند، هناك إشكالات في سندها. رواية " نهى النبي عن بيع الغرر " رواية معتبرة بعكس الرواية الأولى.

ثانيا : على مسألة أن الشرط له مقابل في العوض: ان العوض هو في مقابل المعوض كما هو شأن كل معاوضة وصريح المعاوضات ظاهرا وباطنا أن المعوض هو المشروط، أي بعتك هذا الكتاب بألف على أن لا تبيعه إلى فلان أو على أن تطلق زوجتك. الألف مقابل الكتاب صريحا وباطنا.

إذن ليس للشرط دخالة في العوض طلاق الزوجة، لا علاقة له بالآلف، وليس جزءا من العوض. نعم الشرط يكون بني عليه العقد فيكون دافعا لقبول المشتري مشجعا له، لقبول هذا التعاوض، مبني عليه وليس جزءا من العوض.

إذن لو باعه البيت بألف درهم واشترط عليه طلاق زوجته فليس عوض البيت الألف درهم، فلا يتجزأ، ليس ثماني مئة، ومائتان مقابل طلاق الزوجة، فلا تنقسم إلى قسمين، قسم مقابل البيت وقسم مقابل طلاق الزوجة.

ألا ترى أنه ليس من الربا، كل الشروط، الربا هو بيع صاع من الحنطة بصاع من الحنطة، مرّة أقول لك بصاع مطحونة مقابل صاع غير مطحونة ربا، إذا دخل الوصف بالعوضين، أما إذا لم يدخل الوصف بالعوضين، بعتك هذه الصاع من الحنطة شرط أن لا تعطيه لفلان، ليس معلوما أنه من الربا، لأنه لا يجر ربحا.

ثالثا : لو سلمنا أن الشرط هو بإزاء عوض أي له حصة من العوض لكنه لا يستلزم الجهالة، فان هذه الأمور غالبا تكون مضبوطة خصوصا المال. الناس عبيد الدنيا والمال وغالبا يتم الحساب بأدق الأمور، ونادرا ما يتساهل وخصوصا في مسائل التجارة، فإذا كانت مضبوطة عرفا ولم يصرح بها تماما كما في الأجزاء، لو بعتك قطعتين بدرهمين، فكل واحدة يعرف ثمنها منفردة، ثم بأن تلف احدهما فإنما يستلزم إسقاط ما بإزائه من الثمن إما بالتراضي وغالبا تكون معلومة، أو أن يكون له خيار تبعض الصفقة المعروف في البيع، أو يكون له الأرش لو كان معيبا، له الخيارات الثلاثة، أما انه يؤدي إلى مجهولية الحصة المقابلة؟؟.

رابعا : إن الخلل الطارئ في معرفة احد العوضين لا يستوجب بطلان العقد، فإن التعاقد وقع صحيحا وإبطال الخلل الطارئ يحتاج إلى دليل كما سنبيِّن بعد ذلك، فنحكم بصحة العقد ولو من باب الاستصحاب سواء كان بالأصل اللفظي كما سيأتي أو بالأصل العملي استصحاب ما كان، العقد وقع صحيحا فأستمر بالحكم بصحته.

بهذا ننتهي من ادلة من استدل على مسألة فساد الشرط يؤدي إلى فساد العقد.

غدا سنبدأ بأدلة من قال أنه لا يفسد العقد بل يبقى العقد صحيحا.

 

والحمد لله رب العالمين.