الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

31/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

خلاصة البحث

في معالجة الشبهة الحکمیة وهي بأربع کلمات: علم، علمي، أصل لفظي من دلیل عام أصل عملي.

إذن المرحلة الأولی أن أحاول تحصیل قطع بالحکم وذلک لأن المطلوب في البحث هو الواقع لا الحجة وذلک أن الأحکام تابعة للمصالح والمفاسد في الواقع.

ثم إن العلم یحصل من أحد أمور خمسة:

ـ القطع الوجداني

ـ الخبر المحفوف بقرنیة قطعیة

ـ الخبر المتواتر

ـ الإجماع القولي

ـ الإجماع العملي (سیرة المتشرعة)

طریقة معالجة:

وأما النقطة الثالثة، وهي طریقة معالجة الشبهة الحکمية:

علم. علمي في خصوص العنوان المشکوک الحکم. دلیل عام ینقّح الأصل اللفظي مضمونه. أصل عملي.

في بیان وجوب البحث عن الواقع:

البحث عن علم بالواقع مسألة وجدانیة غرائزیة لا تحتاج إلی دلیل، ولکن کثر الکلام في حجیة القطع، وحصل کلام في أي شيء نبحث عنه لبراءة الذمة:

هل هو الواقع أو الحجة؟

حتی أشکل بعضهم علی قول الشیخ الأنصاري في الرسائل: " الاحتیاط حسن عقلاً وشرعاً ".

قالوا ما الدلیل علی حسن الاحتیاط عقلاً بعد أن وصلنا إلی الحجة.

ودعونا نخرج قليلا عن المعتمد في هذه المقدمة المختصرة في منهجیة الاستنباط، للإضاءة علی أمر ينفعنا في علم الأصول قد یؤدي إلی حل بعض مسائله.

فنقول وعلی الله الإتکال:

الإسلام دین الفطرة، ومعنی الفطرة هو الخلقة، وفي الحدیث: " کل مولود يولد علی الفطرة إلّا أن یأتي أبواه فینصرانه أو یهوِّدانه أو یمجسانه.

ومن فطرة الإنسان أنّ یحب نفسه، أن یحب ذاته. أي هو أناني بالطبع، لکن لا بما تختزن هذه الکلمة من معنی سلبي.

فالإنسان یبحث عن مصلحة نفسه، فإذا أدرکها عمل بها ولا یحتاج إلی أي أمر، وإذا لم یدرکها بحث عمن یدلُّه علیها، فإذا آمن بالله، وأن الله یحبه، ولمحبة الله الإنسان أرسل الأنبياء ومعهم الشرائع والتکاليف، أطاعه الإنسان لأنه يعلم أن في طاعة الله مصلحته، ولذا قال الکلامیون: التکلیف لطف ربّاني: « إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ»، فمن لطف الله بعباده جعل التکلیف، وهو خبیر یعرف مصلحتهم، لأنّه خالقهم وخالق الکون وخالق کل شيء، یقول تعالی: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ».

فالاسلام دعوة للحیاة، ولکم أیّها الناس في التکالیف حیاة. فالتکالیف تتبع مصالحکم، فما فیه مصلحة أمر الله به وما فیه مفسدة نهی الله عنه، وهذا ما علیه الإمامیة والمعتزلة، من أن الأحکام تابعة للمصالح والمفاسد، فلا یجوز أن نقيس الله عزوجل علی الموالي العادیین عند فهم صیغ الأوامر والنواهي لأنّ الله یأمر والاتجاه هو مصلحة الناس، والمولی العادي یأمر والاتجاه مصلحته هو نفسه.

وهذا أمر فطري بشري، یصل إلیه کل مفکر منصف علی فطرته، أذکر هنا من باب التأیید کلاماً لفیلسوف الثورة الفرنسیة جان جاک روسو في کتابه «العقد الاجتماعي» في باب من هو المشرِّع، حیث یقول بعد رفض فکرة البرلمان وأنّه هو المشرِّع، وبعد رفض الانتخابات الشعبیة، إذ یقول: «کیف یمکن لجمهرة عمیاء کثیراً ما لا تعرف ماذا ترید أن تصنع مثل هذه المنظومة التشریعیة.

یقول بعد ذلک:

«إننا بحاجة إلی آلهة لتصنع قوانین للبشر، إننا بحاجة إلی إنسان معصوم(ع)، فوق البشر ویعرف ما عند البشر».

ولقد توصل روسو إلی هذا المفهوم الإسلامي بفطرته.

وأتصور أنّ هذا المعنی له أثره في تکوین ذهنیة المستنبط في فهم مسلک حق الطاعة ... ومسألة هل أنّ الأصل التوقف أو الإباحة؟ ... وهل يصح أن نقول في مقام الإستدلال : إذا قال المولی لعبده کذا و...؟

انطلاقاً من هذا البیان، نذهب إلی أنّ المکلّف یبحث عن الواقع لا عن الحجة التي یدافع بها عن نفسه أمام الله عزوجل، والتي اصطلح علیها بالمؤمِّن. نعم یبحث عنها باللازم لأنّه یبحث عن الأمان لنفسه.

ولنشرع في بیان المراحل:

المرحلة الاولی: أن یحاول المکلف الوصول إلی قطع أو اطمئنان.

إذن في المرحلة الأولی نبحث عن علم، ومصادرة خمسة:

القطع الوجداني من أي سبب کان.

وحجيته ذاتیة، والدلیل علی ذلک الوجدان، وإن کثر الکلام في ذلک.

الخبر المتواتر، وهو ما صدر عن جماعة یمتنع تواطؤهم علی الکذب (کما لو صدر نفس الخبر عن عدّة وسائل إعلام معادیة بعضها لبعض)، مع العلم بجهة الصدور والدلالة.

وذلک مثل واقعة الغدیر. ولا یشترط الکثرة، فلو أنّ مجموعة قلیلة من الأعداء المتحاربین أصدرت نفس الخبر فإنّي أقطع بصدوره لأنّ هؤلاء الأعداء یمتنع تواطؤهم علی خبر واحد کاذب.

خبر الواحد المحفوف بقرینة قطعیة، أي تفید القطع بصدوره أو بصحته.

وقد مثّل لذلک صاحب المعالم(ره) بالمثال التالي:

" لو أخبر ملك بموت ولد له مشرف على الموت وانضم إليه القرائن من صراخ ، وجنازة ، وخروج المخدرات على حالة منكرة غير معتادة من دون موت مثله ، وكذلك الملك وأكابر مملكته ، فإنا نقطع بصحة ذلك الخبر و نعلم به موت الولد . نجد ذلك من أنفسنا وجدانا ضروريا لا يتطرق إليه الشك ".

والخبر القطعي الصدور المحفوف بقرينة قطعية، تارة يعلم تفصيلاً كالمثال المذكور، وتارة يعلم إجمالاً كالتواتر الإجمالي، وهو العلم بصدور بعض أخبار الآحاد إجمالاً لا تفصيلاً من مجموعة.

ثم إنّ الخبر المتواتر والخبر المحفوف بقرینة وخبر الواحد، وکل دلیل لفظي تخضع جمیعها لقوانین الألفاظ فیکون لها إطلاق وعموم وتقیید وتخصیص وغیر ذلک. بخلاف الأدلة اللبّية، الإجماع الآتي ذکره، والشهرة وفعل المعصوم(ع) وتقريره.

الإجماع القولي: وهو فتوی جماعة یستکشف منه رأي المعصوم(ع)، ولا شک في حجیته لو کشف عن ذلک لحجیة رأي المعصوم(ع).

وللكشف ثلاث كيفيات كما قيل : الدخول واللطف والحدس.

فإن کان الإمام داخلاً بین المجمعین، فلا شک في الحجیة، وهذا ما نسمیه بالإجماع الدخولي، وإن لم یکن داخلاً فیهم فقد اختلف في کیفیة الکشف بین من طبق قاعدة اللطف کالشیخ الطوسي(ره) وبین من قال بالحدس: إما بأن الجماعة من الکبار الأجلاء الذین یحدس منهم رأي المعصوم(ع)، أو أنني أعرف رأي الرئیس من رأي المرؤوسین، أو غیر ذلک من الأوجه.

سیرة المتشرعة المتصلة بعصر المعصوم(ع).

طبعاً إذا کانت بما هم متشرعة، وهذا ما یسمی بالإجماع العملي، وقد مثّلوا له بحرمة حلق اللحیة، حیث إن سیرة المتدینین علی ترکها وتهذیبها فقط من دون حلق، وذلک فیما لو کانت هذه السيرة بما هم متشرعة، أي منطلقة من التزامهم الدیني، لا بما هم عرف عام أو خاص.