الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

31/11/09

بسم الله الرحمن الرحیم

خلاصة البحث

أسباب الشبهة الحکمیة:

یمکن حصر أسباب الشبهة الحکمیة لأن الخلل یرجع إلی أمر واحد وهو الدلیل والخلل فیه: والخلل في الدلیل إما وصولا أو دلالة أو حجیة

فالأسباب:

ـ إما فقدان الدلیل

ـ إما إجمال الدلیل

ـ وإما تعارض الدلیلین

مثال فقدان الدلیل: هل التدخین حرام أم لا؟ وهل عملیة طفل الانبوب جائزة؟ ومن هو أبوه؟ ومن هي أمه؟

ومثال إجمال الدلیل: إن عیال الرجل أسراؤه، فمن أنعم الله علیه نعمة فلیوسّع علی أسرائه فإن لم یفعل أوشک أن تزول تلک النعمة فهل صیغة إفعل في «لیوسّع» أمر إرشادي أم مولوي؟

وعلی الثاني هل هي ظاهرة في الوجوب أو الاستحباب؟

مثال الثالث: وجود دلیلین ظاهرین ولکنهما متعارضان کتعارض الروایات في اشتراط أخذ إذن الأب في زواج البنت البکر الرشیدة.

ونرجع إلی حصر الأسباب: ففي الشبهة الحکمیة، یمکن حصر الأسباب لأنّ الخلل یرجع إلی أمر واحد وهو الدلیل والخلل فيه. فالأسباب ثلاثة والجامع بينها الخلل في الدلیل، إما وصولاً أو دلالة أو حجیّة، فهي:

فقدان الدلیل أو إجمال الدلیل أو تعارض الدلیلین

أمّا السبب الأول: أي فقدان الدلیل الاجتهادي:

مثلاً:

لا یوجد نص في التدخین، هل هو حرام أم حلال؟ لا یوجد نص في طفل الأنبوب، أي التلقیح الاصطناعي، وذلک بتلقیح بویضة المرأة بمني رجل خارج الرحم ثم زرع البويضة الملقحة في رحم إمرأة أخری أو في رحم نفس المرأة. هل هذا حرام أم لا، ومن هي أمّه؟ ومن هو أبوه؟ لا یوجد نص فی الاستنساخ، أي تطویر خلیة کاملة لتصبح طفلاً. هل هو حرام أم لا؟ ومن هو أبوه، ومن هي أمّه؟ المرأة التي حملت عن طریق إراقة مني الرجل علی فرجها من دون دخول، إذا طلّقت فهل الطلاق رجعي أم بائن، وهل تعتدُّ بالوضع لأنها من ذوات الأحمال أم لا عدة لها لأنها غير مدخول بها؟

السبب الثاني: الدلیل موجود، لکنّه مجمل من حیث الدلالة والحکم.

وهذا الإجمال إذا کان بسبب إجمال مفهوم المتعلّق أو الموضوع، فهو في خانة الشبهة المفهومیة، بحسب تقسیمنا للشبهات، أما هنا فالاجمال في الألفاظ الدالة علی الحکم.

مثلاً: في أبواب مقدمات النکاح، باب وجوب طاعة الزوج علی المرأة :

" الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ الطَّبْرِسِيُّ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ عَنِ النَّبِيِّ| قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَنَامَ حَتَّى تَعْرِضَ نَفْسَهَا عَلَى زَوْجِهَا- تَخْلَعَ ثِيَابَهَا وَ تَدْخُلَ مَعَهُ فِي لِحَافِهِ- فَتُلْزِقَ جِلْدَهَا بِجِلْدِهِ فَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فَقَدْ عَرَضَتْ ".

طبعاً هذه الروایة في مقام بیان معنی العرض الموجود في روایات أخری، وکل ألفاظها واضحة، إلّا أنّ الإجمال في قوله|: «لا یحلُّ» فهل المراد الحرمة أم الکراهة؟ فالإجمال في اللفظ الدال علی الحکم.

مثال آخر:

" وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيُّ الْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَسْعَدَةَ قَالَ قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ× : إِنَّ عِيَالَ الرَّجُلِ أُسَرَاؤُهُ فَمَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُسَرَائِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْشَكَ أَنْ تَزُولَ تِلْكَ النِّعْمَةُ ".

الإجمال هو في لفظ «فلیوسّع» هذه الصیغة الدالة علی الحکم، هل الحکم إرشادي أم مولوي، أي هل هي مجرد بیان المفسدة في عدم التوسیع علی العیال، وهي زوال النعمة، أم هي أمرمولوي، فیه دفع ووجوب وثواب وعقاب؟ ثم لو کان مولویاً، فهل یدل علی الوجوب أم علی الاستحباب؟

مثال آخر:

" وَرَوَى ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْكَاهِلِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع: النَّظْرَةُ بَعْدَ النَّظْرَةِ تَزْرَعُ فِي الْقَلْبِ الشَّهْوَةَ وَ كَفَى بِهَا لِصَاحِبِهَا فِتْنَةً ".

الإجمال لیس في المتعلقات، بل في الحکم، هل هو إرشادي أم مولوي؟ أي هل تدل الروایة علی التحریم أم علی بیان مفسدة النظرة وعاقبتها؟

والامثلة علی ذلک کثیرة.

السبب الثالث: وجود دلیلین ظاهرین واضحین ولکنهما متعارضان. وهو کثیر جداً في أبواب الفقه.

مثال علی ذلک:

إذا طلقت المرأة ثلاث طلقات، فلا تحلُّ لزوجها حتی تنکح زوجاً غیره، فالمحلِّل یهدم الطلقات الثلاث. ولکن هل یهدم الطلقة والطلقتین کما یهدم الثلاث؟ فیه روایات متعارضة، نذکر منها لتوضیح المطلب.

الحدیث الأول :

" حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ وَصَفْوَانَ، عَنْ رِفَاعَةَ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّٰهِ عليه السلام، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَتّىٰ بَانَتْ مِنْهُ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ زَوْجاً آخَرَ، فَطَلَّقَهَا أَيْضاً، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ: أَ يَهْدِمُ ذٰلِكَ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»...".

الحدیث الثاني :

" مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّٰهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللّٰهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللّٰهِ بْنَ بُكَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً، ثُمَّ تَرَكَهَا حَتّىٰ بَانَتْ مِنْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا؟ قَالَ: هِيَ مَعَهُ كَمَا كَانَتْ فِي التَّزْوِيجِ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ : فَإِنَّ رِوَايَةَ رِفَاعَةَ «إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا زَوْجٌ». فَقَالَ لِي عَبْدُ اللّٰهِ: هٰذَا زَوْجٌ، وَهٰذَا مِمَّا رَزَقَ اللّٰهُ مِنَ الرَّأْيِ، وَمَتىٰ مَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، فَبَانَتْ مِنْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَوْجٌ آخَرُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ، فَهِيَ عِنْدَهُ مُسْتَقْبِلَةٌ كَمَا كَانَتْ. قَالَ: فَقُلْتُ لِعَبْدِ اللّٰهِ: هٰذَا بِرِوَايَةِ مَنْ؟ فَقَالَ: هٰذَا مِمَّا رَزَقَ الله، قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حُكَيْمٍ: رَوىٰ أَصْحَابُنَا، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ مُوسىٰ أَنَّ الزَّوْجَ يَهْدِمُ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا فَهِيَ عِنْدَهُ مُسْتَقْبِلَةٌ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّٰهِ عليه السلام: «يَهْدِمُ الثَّلَاثَ وَلَا يَهْدِمُ الْوَاحِدَةَ وَالثِّنْتَيْنِ ".

فهاتان الروایتان متعارضتان، لا بسبب إجمال المتعلّق ومفاهیم الألفاظ، بل بسبب معارضة الواحدة للأخری، إذ لوخلیت ونفسها لعمل بها، أي أنّ التعارض هو في مقام الحجیة.

مثال آخر:

الروایات المتعارضة في وجوب أخذ إذن الأب لتزویج البنت البکر.

الرواية الأولی:

" أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «لَا يَنْقُضُ النِّكَاحَ إِلَّا الْأَبُ ".

الرواية الثانية :

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّٰهِ عليه السلام، قَالَ: «الْجَارِيَةُ الْبِكْرُ الَّتِي لَهَا أَبٌ لَاتَتَزَوَّجُ إِلَّا بِإِذْنِ أَبِيهَا». وَقَالَ: «إِذَا كَانَتْ مَالِكَةً لِأَمْرِهَا، تَزَوَّجَتْ مَتىٰ شَاءَتْ».

الرواية الثالثة :

"مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَا بَأْسَ بِتَزْوِيجِ الْبِكْرِ إِذَا رَضِيَتْ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ أَبَوَيْهَا".

وقد عقد باب کامل في الأصول لحل التعارض، وعرف بباب تعارض الأدلة.