46/06/30
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آیة السادسةعشر بعد المأتین
﴿کُتِبَ عَلَيْکُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ کُرْهٌ لَکُمْ وَ عَسي أَنْ تَکْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَکُمْ وَ عَسي أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَکُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾.[1]
یجري البحث حول تفسیر آیة السادسةعشرة بعد المأتین من سورة البقرة.
وجوب القتال و مفهومه:
یقول الله- تعالی- في هذه الآیة: ﴿کُتِبَ عَلَیْکُمُ الْقِتَالُ﴾؛ قد أستخدم «کُتِبَ» في القرآن في موارد مختلفة بمعنی «الوجوب». کاستخدامه في قوله- تعالی: ﴿کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیَام﴾[2] الذي أوجب علی الناس الصیام. هکذا في الآیة المذکورة یدلّ قوله- تعالی: ﴿کُتِبَ عَلَیْکُمُ الْقِتَالُ﴾ علی وجوب الحرب و القتال.
الجهاد في هذه الآیة یشمل النوعین منه:
الجهاد الإبتدائي: عندما كان النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) يصدر أمر الحرب من أجل نشر العدالة و مواجهة الظلم.
الجهاد الدفاعي: في الأوقات التي كان فيها الأعداء يهاجمون أرض المسلمين أو دينهم و كان الدفاع واجباً أمامهم.
الجهاد في كلا الشكلين هو واجب إلهيّ قد يكون غير مرغوب فيه لبعض الأشخاص و صعباً للبعض ﴿وَ هُوَ کُرْهٌ لَکُمْ﴾. معنى «الكُره» هو أنّ هؤلاء الأشخاص يشعرون بالخوف من الحرب و صعوباتها و يشعرون بالانزعاج منها. هذا الشعور بالكراهة قد يكون أحياناً بسبب الضغوط الخارجيّة التي تضع الإنسان في مشقّة. و لكن الله- تعالى- يحذّرنا في هذه الآية قائلاً: ﴿وَ عَسَى أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ﴾؛ أي قد تكرهون شيئاً و لكن ذلك الشيء قد يكون خيراً لكم. قد يمرض الإنسان و یشرب دواءً مرّاً رغم أنّه يكره تناول هذا الدواء المرّ، إلّا أنه نافع له.
تحمّل المشاکل و أهمیّة إدراك المصالح و المفاسد:
حياة الإنسان مملوءة بالمسائل و المشاکل التي قد تبدو في الظاهر غير مرغوب فيها، لكنّها في الواقع تکون فیها مصلحته. يقول الله- تعالى- في استدامة الآية الكريمة: ﴿وَ عَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ و هذه القسمة من الآية تدلّ على أنّ الإنسان قد يحبّ بعض الأمور التي تكون ضارّةً له في الواقع.
لِإدراك هذا المفهوم، يمكن إيراد بعض الأمثلة من الحياة اليوميّة:
الدواء المرّ أو العمليّة الجراحيّة: يشعر الإنسان بالانزعاج عند تناول الدواء المرّ أو العمليّة الجراحيّة، لكن هذه الإجراءات ضروريّة لصحّة الإنسان.
صلاة الفجر: الاستيقاظ من النوم مبکّراً قد يكون صعباً بالنسبة للكثيرين لا سیّما الشباب، و لكن للصلاة بركات معنويّة و ماديّة عديدة.
﴿وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ قد لا نستطيع في بعض الأحيان أن نميّز مصلحتنا أو مفسدتنا، لكن الله يعلم مصالحنا و مفاسدنا و يبيِّن ذلك لنا. و هذا الأصل یصدق أيضاً على الجهاد و الدفاع. رغم أنّ في الحرب صعوباتٍ مثل البعد عن الأسرة و تحمّل الجراحات، إلّا أنّ نتيجتها هي عزّة الإسلام و حفظ كرامة المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، يسبّب الجهاد تقویة القوی العسكريّة للمجتمع و كشف نقاط ضعفه. على سبيل المثال، أدّى الدفاع المقدس الذي استمرّ لثماني سنواتٍ إلى معرفة الاحتياجات العسكريّة للبلد و تحقيق التطوّر في هذا المجال.
المقاومة و الانتصار أمام الأعداء:
إحدى الدروس المهمّة في هذه الآية هي أهميّة المقاومة أمام الأعداء. هناك أعداء مثل الكيان الصهيونيّ و الأمریکا يسعون دائماً إلى توسيع سلطتهم. إذا لم يتمّ الوقوف أمامهم فإنّهم يصبحون أكثر جُرأةً یوماً فیوماً. العدو لا يكتفي أبداً بموقعیّة معیّنة و إذا لم يرَ مقاومةً فسیوسّع ظلمه و اعتداءه.
المقاومة و الجهاد لا یمنعان فقط جُرأة العدو، بل لهما نتائج إيجابيّة أخرى أيضاً:
الإیثار و الفداء: في أوقات الحرب، يصل الأناسيّ إلى درجات عالية من الإیثار و الأخوّة و هذا الإیثار یتجلّى في أوقات الحرب و الصعوبات.
عزّة الإسلام و المسلمين: المقاومة تسبّب العزّة و الکرامة للمجتمع الإسلامي.
تقویة الإيمان: في الأوقات الصعبة و مواجهة الأعداء، تظهر العنايات الغيبيّة الإلهيّة و يقوّى إيمان الإنسان بالله و اليوم الآخر.
كما يكرّر قائد الثورة الإسلاميّة المعظّم مسألة المقاومة فإنّ المقاومة هي هذا. العدوّ لا يعرف سوى توسيع سلطته و اغتصاب الأراضي و المنازل من الناس و لو أعطوه شرق الأرض و غربها فلن يرضى أبداً، بل يسعى لاحتلال القمر أيضاً و للسیطرة علی العالم بأسره. لذا، يجب أن نقف أمام العدوّ و نقاومه. المقاومة هي عزّة للإسلام. و هذا المفهوم موجود أيضاً في التوراة و الإنجيل. المقاومة تحمل معنى أعمق من الانتصارات الظاهرة. الإيمان الإسلاميّ يعلّمنا أنّ أداء الواجب أمام الله هو النصر الحقيقي. حتّى و إن هُزِمنا في الظاهر فإنّنا من خلال المقاومة و الإیثار نصل إلى درجات أعلى عند الله.
مفهوم الخیر و الشرّ و التسلیم أمام إرادة الله:
من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الناس هي أنّهم يرون الخير و الشرّ فقط في راحتهم و رفاهيّتهم. و لكن القرآن يذكّرنا بأنّ الصعوبات قد تؤدّي أيضاً إلى الخير. يجب على الإنسان أن يكون خاضعاً لإرادة الله و ألّا يقتصر نظره على المصالح و المفاسد القصيرة أمداً.
علی سبیل المثال:
إذا كان أولاد الإنسان يعيشون في رفاهيّة و راحة مفرطة، فإنّهم لا یتربّون بشكل صحيح و لا يستطيعون التحمّل في مواجهة الصعوبات. عندما يذهب الأبناء إلى الخدمة العسکریّة، يتعرّفون على صعوبات الحياة و يصبحون أكثر قوّةً في مواجهة المشاكل و الشدائد.
في الجهاد رغم أنّه قد يصاب الإنسان أو يستشهد، إلّا أنّ هذا الإیثار ضروريّ من أجل حفظ عزّة الإسلام. التسلیم لإرادة الله یکشف عن الإیمان الراسخ العمیق. إنّ الله- تعالى- يعلم المصالح و المفاسد الحقيقيّة أفضل منّا و لذا يجب على الإنسان أن يثق بالله. هذه الثقة تعطي للهزائم الظاهرة معنى جديداً. المسلمون یعتقدون بأنّهم منتصرون في كلّ حال؛ إذا استشهدوا، يرتقون إلى درجات عالية عند الله و إذا انتصروا، تقوّی عزّة الإسلام و المسلمين.
الإنتاج:
الآية الستّةعشر بعد المأتین من سورة البقرة تعلّمنا أنّ الواجبات الإلهيّة مثل الجهاد، رغم أنّها قد تبدو صعبةً في البداية، إلّا أنّها في النهاية تجلب لنا الخير و البركة. المقاومة أمام الأعداء تضمّن عزَّة المجتمع و کرامته و أداء الواجب أمام الله هو أعلى أنواع النصر. تدعونا هذه الآية إلى أن نفكّر في المصالح الطويلة أمداً و القيم الإنسانيّة السامية بدلاً من الانشغال بالراحة العاجلة و أن نستسلم لإرادة الله- تعالى.