46/06/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آیة الخامسةعشرة بعد المأتین
﴿يَسْئَلُونَکَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبينَ وَ الْيَتامي وَ الْمَساکينِ وَ ابْنِ السَّبيلِ وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَليمٌ﴾[1] .
الکلام یجري في تفسیر آیة الخامسةعشرة بعد المأتین من سورة البقرة.
مفهوم الإنفاق:
قد أجاب الله- تعالی- في آية الخامسةعشرة بعد المأتین من السورة المباركة البقرة، سؤالَ الناس عن نبیّه (صلّى الله عليه وآله) في شأن الإنفاق حیث قالوا: «ماذا ننفق؟» السؤال الذي يُطرح في هذه الآية يدور حول محتوى الإنفاق و قد أجاب الله بقوله: ﴿قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ﴾ يعني أنفقوا ما كان خيراً. قوله ﴿قُلْ﴾ یعني أنّ هذا الأمر جاء من قِبَل الله.
مفهوم "الخیر" في الإنفاق:
الخير هو كلّ ما يكون محبوباً و مؤیَّداً بالعقل و الشرع. الخير قد يشمل الأمور الماديّة مثل المال أو یکون في الأعمال الصالحة. الإنفاق ليس مقصوراً فقط على المساعدة الماليّة، بل يشمل أيضاً مساعداتٍ مثل دعامة الوالدين و مساعدة الآخرين بالكلام الطيّب حتّى المساعدات العمليّة و الخطوات الإيجابيّة. على سبيل المثال، مساعدة رجل کبیر السنّ للعبور من الشارع أو مشاركة المعرفة و العلم مع الآخرين هي من الأمور الخيريّة التي تدخل في الإنفاق.
ترتیب الأولویّة في الإنفاق:
في هذه الآية، يحدّد الله أولويّاتٍ للإنفاق:
الوالدين: الأبوان هما أوّل الأشخاص و أهمّهم للإنفاق عليهم.
الأقربون: بعد الوالدين، يأتي مساعدة الأقارب في الأولویّة.
اليتامی: اليتامى، سواء من الأقارب أو من غیرهم، يحتاجون إلى رعاية خاصّة.
المساكين: مساعدة المحتاجين و الفقراء الذين لا يستطيعون تأمین حاجاتهم الأساسيّة.
ابن السبيل: المسافرون الذين فقدوا أموالهم في الطريق و احتاجوا إلی الدعامة.
فلسفة الإنفاق و دورها في المجتمع:
﴿وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَليمٌ﴾ قد أکّد الله- تعالى- علی أنّ الإنفاق يجب أن يكون خالصاً و بدون رياء. إنّ الله عالم بأعمال عباده و لا حاجة للإظهار أو الإعلان. هذا الأمر يدلّ على أهميّة الإنفاق في مساعدة المحتاجين و بناء مجتمع صحّي. لم يحدّد الله الإنفاق بمال الدنيا فقط ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ﴾ بل كلّ أعمال الخیر سواء كانت ماليّةً أو غيرها فهی مقصودة في هذا الحكم الإلهي.
دور الإنفاق في تقليل الفجوة الطباقيّة و العدالة الاجتماعية:
مكانة المال في الإسلام:
في هذه الآية يُؤكّد على أنّ المال في الدنيا هو وسيلة للخير و مساعدة الآخرين. على عكس التصوّر الرائج، المال في ذاته ليس مذموماً. بل الأهمّ هو كيفيّة استخدامه. إذا أُستخدم المال في الطريق الصحيح، يمكن أن يكون وسيلةً لرفع محاویج الوالدين و الأقارب و المساکین و الیتامی.
توجّه الإسلام إلى المحرومين:
يولّي الإسلام أهميّةً خاصّةً لدعم الفئات المحرومة في المجتمع. إحدى مسؤوليّات الدول و الأفراد القادرين هي الاهتمام باحتياجات المحرومين. للأسف، في الظروف الاقتصاديّة الحاليّة، يصبح الأغنياء أكثر غنىً يوماً بعد يوم، بينما يصبح الفقراء أكثر فقراً. على سبيل المثال:زيادة أسعار الدولار و الذهب و الأملاك تفيد أصحاب الثروات و تضرّ بالمستضعفين. الضغوط الناتجة عن الغلاء أكبر على الفقراء؛ أولئك الذين لا يملكون القدرة على تأمين احتياجاتهم الأساسيّة من الحياة.
اقتراحات لتحسين العدالة الاجتماعيّة:
من أجل تقليل الفجوة الطباقيّة و مساعدة المحرومين، تُطرح الاقتراحات التالية:
أراضٍ مجانيّة للشباب: تخصيص الأراضي غير المستغلّة للشباب من أجل الزواج و بناء المنازل.
استيراد السيّارات بدون جمرك: توفير إمكان وصول الشعب إلى السيّارات الآمنة و الرخيصة.
قروض بلا فائدة: تقديم قروض بلا فائدة للأفراد المحتاجين بدلاً من المستثمرين.
التحدّيات العمليّة:
مع أنّ هذه المقترحات تبدو منطقيّةً، إلّا أنّ هناك عدیداً من الموانع الإجرائیّة كالمافيات الاقتصاديّة و الاستيلاء على الأراضي المعبّر عنه بأکل الأرض. و للأسف، يمتنع بعض المسؤولين عن اتخاذ الإجراءات اللازمة بسبب الضغوط و المصالح الشخصيّة، ممّا يزيد في مشاکل الطبقات الفقيرة.
رسالة ختاميّة:
يؤكّد القرآن الكريم و الإسلام على أهميّة مساعدة المحتاجين. إنّ الإنفاق سواء من الأفراد أو الحكومات، يساعد في تحقيق العدالة الاجتماعيّة. و إذا تمّ تطبيق هذه الأصول، فإنّ الدنیا و الآخرة کلتاهما ستعودان إلی الصلاح. و لكن لتحقيق هذه الأهداف، یجب على المسؤولين و الشعب السير في طريق إقامة العدل الاجتماعيّ و الاهتمام الخاصّ إلی محاویج المحرومین.