46/06/16
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آیة الرابعةعشرة بعد المأتین
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّىٰ یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ﴾.[1]
الكلام حول تفسير آية الرابعةعشرة بعد المأتین من سورة البقرة. يسأل الله- تعالى- في هذه الآية الإنسانَ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ هل تظنّون أنّكم تدخلون الجنّة بسهولة من دون تحمّل المشقّة و الابتلاء؟ كلمة ﴿حَسِبْتُم﴾ یراد منها الظنّ الذي لم يُفكَّر فيه بتمعّن و تدقيق. فالإنسان عندما يحمل تصوّراً من دون تأمّل فيه، يُسمَّى ذلك ظنّاً و قد یمکن أن يكون هذا الظنّ غير صحيح، مثل أن یتصوّر أنّه يمكنه الوصول إلى المقامات العالية من دون تحمّل المشاقّ و الآلام. قال- تعالی: كما تحمّل السابقون الصعوباتِ و الحوادثَ، فعليكم أيضاً مواجهة الشدائد.
لا يُنال الكنز من دون مشقّة؛ «حُفَّتِ الجنةُ بالمكارهِ»[2] یجب أن یختبر الإنسان في طريق التكامل و يتحمّل الصعوبات و ينموَ من خلالها؛ كما أنّ السابقين كانوا كذلك. أحياناً تصل الضغوط إلى درجة أنّ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان يعاني الصعوبات و يقول: ﴿مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ؟﴾. عندما تزداد المشاكل، تنفد صبر الناس و یقعون في ضيق، فإنّ تلك اللحظة هي التي يأتي فيها نصر الله و تحلّ المشكلات.
أنواع المشاکل:
المشاکل نوعان:
۱. المشاکل الخارجیّة التي یعبّر عنها بـ﴿بأساء﴾ مثل الحرب و عدم الأمن و السرقة.
۲. المشاکل الداخلیّة التي یعبّر عنها بـ ﴿ضرّاء﴾ مثل المرض و التصادم أو الکسر.
إنّ الله- سبحانه و تعالى- یقول في هذه الآية: کما أنّ هذه المشكلات وقعت علی أسلافکم فإنّها ستأتي علیکم أیضاً. ﴿وَ زُلْزِلُوا﴾ قد تبلغ المشاکل إلی حدّ یقع الإنسان في اضطراب شدید و یشعر بأنّه لم یقدر علی استمرار الطریق. هذا الاضطراب یکون من أجل الضغوط التي ترد علی الإنسان من جهات مختلفة کالحرب و عدم الأمن و المرض و المشاکل الأسریّة. ﴿حَتَّىٰ یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ﴾ تبلغ هذه الضغوظ و المشاکل إلی حدّ یقول الرسول (صلی الله علیه و آله) و المؤمنون متی جاءنا نصر الله؟ قد یبلغ الإنسان إلی ذلك الحدّ و لکن ینبغي أن یعلم ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِیبٌ﴾؛ إذا تشعر بالیأس و تظنّ أن لا طریق للنجاة فإنّ الله قریب و جاء نصر الله في هذه اللحظات و سیُحِلّ مشاکلك.
دور المشاکل في تکامل الإنسان:
هذه المشاكل و الصعوبات هي جزء من الاختبار الإلهي. الإنسان خُلق للتکامل و العبادة و الوصول إلى مقامات عالیة و لا يمكنه تحقيق هذه المقامات من دون تحمّل المشقّات. إذا لم يواجه الشخص صعوباتٍ في حياته، فلن تكون لديه القدرة على مواجهة المشاكل المستقبليّة. على سبيل المثال، إذا نشأ طفل في رفاهيّة مطلقة و لم يواجه أيّ متاعب أو مشاكل، فإنّه لن يستطيع في المستقبل المقاومةَ أمام مشاکل الحياة. هذه المشاکل تجعل الإنسان ذا خبرة و مستعدّاً للوصول إلى المراتب التي خُلق من أجلها.
في ظروف مثل كربلاء، لو عرف الإنسان أنّ النصر محقّق فلن يصل إلى الكمال و لن يكون هناك معنى حقيقيّ لبذل الجهد. قيمة العمل تتجلّى في ما إذا سعی الإنسان بجدّ حتّى في الظروف الصعبة من دون علم بالنتيجة النهائيّة. على سبيل المثال: في ليلة المبيت، لو كان أمير المؤمنين (عليه السلام) متيقّناً علی أن لا خطر هناك لیلحق به، لما كانت لنومه مكان النبي (صلّى الله عليه وآله) قيمة روحيّة خاصّة. لكنّ الجهل بالنتيجة و احتمال الخطر جعل هذا العمل یبلغ إلی ذروة قيمته.
﴿وَ زُلْزِلُوا حَتَّىٰ یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ﴾؛ أي المشاكل کانت موجودةً حتّى للنبي (صلى الله عليه وآله) نفسه. في الآية الشريفة، نقرأ أنّ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) و المؤمنين معه، قد رفعوا أصواتهم من شدّة الصعوبات قالوا: ﴿مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ؟﴾؟ هذا یُبدي لنا أنّ الناس حتّی أعظمهم یتعرّضون للقلق و الصعوبات أمام کثیر من المشاكل. لكن تجب المقاومة؛ لأنّ المقاومة هي أرضیّة لأخذ النصر من الله. لکن بالطبع لا یکون قوله ﴿وَ زُلْزِلُوا﴾ في شأن النبيّ (صلى الله علیه وآله)، نعم قوله ﴿مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ؟﴾ یشمل النبيّ (صلى الله علیه وآله) و المسلمين معه؛ فلذلك تجب المقاومة و الاعتقاد بأنّ المقاومة هي أرضیّة لأخذ نصر الله. إذا صبرتم و استقمتم و سعیتم إثر الأهداف العظیمة فاعلموا أنّ نصر الله قريب و ستنقضي مشاكلكم بإذن الله- تعالی.