الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آیة المأتین و الثالث‌عشرة

﴿کانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرينَ وَ مُنْذِرينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْکِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْکُمَ بَيْنَ النَّاسِ فيمَا اخْتَلَفُوا فيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فيهِ إِلاَّ الَّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَي اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللَّهُ يَهْدي مَنْ يَشاءُ إِلي‌ صِراطٍ مُسْتَقيمٍ﴾[1]

یکون البحث في تفسیر الآیة المأتین و الثالث‌عشرة من سورة البقرة. قال الله- تعالی- في هذه الآیة: ﴿کانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً﴾؛ في بدایة الخلقة یکون الناس اُمّةً واحدةً متّحدةً لا خلاف بینهم و کانوا یعیشون في انتساق و محبّة.

کان یقول الإمام الخمینيّ (أعلی الله مقامه الشریف): إن اجتمع جمیع الأنبیاء في مکان واحد فلا یقع بینهم خلاف فکذلك الصالحون و المتدیّنون المؤمنون إن یعیشوا معاً فلا سبب یوجد في الخلاف بینهم. النزاعات تنشأ غالباً من هوی النفس و طلب الدنیا و الحسد و التعدّي علی حقوق الآخرین و الخروج عن إطار القوانین. في تلك الفترة الأولى،لم يكن لهوى النفس و الأنانيّة وجود بين البشر و کان هذا هو المانع من حدوث أيّ خلاف بينهم.

بعث اللهُ الأنبیاءَ لإزالة الخلافات:

في استدامة الآية الكريمة يقول الله- سبحانه و تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَ مُنذِرِینَ﴾. إنّ السبب الرئيسيّ لبعثة الأنبياء هو ظهور الخلاف بين الناس. عندما وقع الناس في التفرقة و الخلاف، بعث الله الأنبياء لإصلاح تلك الخلافات. علی الأنبياء تبشیر الناس بالجنّة و نعيمها و تحذيرهم من جهنّم و عذابها.

قُدّم في هذه الآیة «المبشّرین» علی «المنذرین» و بعض المفسّرین یعتقدون أنّ هذا التقدیم لأجل سبق رحمة الله علی غضبه و لکن لیس هذا أمراً مطّرداً دائماً لأنّ «المنذرین» قد سبق علی «المبشّرین» في الآیات الأخری.

الکتب السماویّة و دورها في الهدایة:

قال الله- تعالی- في استدامة الآیة: ﴿وَ أَنزَلَ مَعَهُمُ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ فنزلت مع الأنبیاء کتبٌ سماویّة أیضاً لیهتدي بها الناس. هذه الکتب وضعت لحلّ النزاعات بین البشر؛ و ذلك لأنّ القوانين البشریّة بسبب ارتباطها و علاقتها بالمصالح الشخصیّة للأفراد و الأهواء النفسانیّة، قد عجزت عن رفع الخلافات. أمّا الشريعة الإلهيّة فمبنيّة على الحقّ و العدل؛ و لذا نرى في الشرق و الغرب قوانين موضوعةً إلّا أنّها لا تكفي، یرتکبون جنایةً بعد جنایة؛ لأنّهم لا يلتزمون بأيّ قانون و إن وجد هناك قانون فهو قانون بشريّ قد نظّموه طبقاً علی مصالحهم الشخصیّة خالیاً من الطابع الإلهي. أمّا الشريعة الإلهيّة فهي شريعة الحقّ و العدل و على الإنسان في الخلافات أن يتمسّك بشريعة الله التي هي شريعة العدالة.

﴿وَ أَنزَلَ مَعَهُمُ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْکُمَ بَيْنَ النَّاسِ فيمَا اخْتَلَفُوا فيهِ﴾ قد اُنزلتِ التوراة و الإنجيل و القرآن من عند الله- تعالى- على أنبيائه لكي نرفع الخلاف بيننا بذاك الکتاب و القانون الإلهي. و لذلك علینا أن نرجع في حلّ الخلافات إلى الكتاب الإلهيّ لا إلى القوانين البشریّة التي تُشرَع لتحقيق مصالح شخصيّة أو أهواء نفسانيّة.

﴿وَ مَا اخْتَلَفَ فيهِ إِلاَّ الَّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ هذه الکتب الإلهیّة مقبولة عند الناس إلّا عند طائفة قد ردّها لأجل الحسد و الأهواء المادّیّة. کانت هذه المعارضة قد وقعت رغم الدلائل الواضحة و المعجزات ﴿بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ و حسداً و ظلماً و عدواناً.

هدایة الله للمؤمنین حقّاً:

قد جاء في استدامة الآیة ﴿فَهَدَى اللّهُ الَّذینَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فیهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ﴾ یهدي الله الذین آمنوا حقّاً و اختاروا طریق الحقّ، إلی الصراط المستقیم. هذه الهدایة حاصل التوکّل علی الله و إیکال الأمور إلیه- تعالی. علی الإنسان في کلّ یوم أن یسلّم نفسه لله و یقول: «اللهمّ أرني الطریق المستقیم» فإذا وُجد هذا التوکّل فإنّ الله یهدیه إلی طریق الحق. الأدعیة و تعقیبات الصلاة و التوسّل إلی الله من أهمّ الوسائل لحفظ هذا العلاقة.

حتّى لو زلّ الإنسان مرّةً واحدةً و لكن نيّته كانت خالصةً و طلب الهداية من الله فإنّ الله سيساعده. قولوا «یا مَن یَعلم ُ إهدِ مَن لا یَعلَمُ» فإنّ الله هو الرحمن الذي یقبل توبة عباده و یهدیهم صراطاً مستقیماً.

القوانین البشریّة في مقابل القوانین الإلهیّة:

تُعلِّمُنا هذه الآیة أنّ القوانین البشریّة وحدها عاجزة عن إجراء العدالة فإنّها قد وُضعت لتحقیق المصالح الفردیّة أو القومیّة و کثیراً مّا تؤدّي إلی الظلم و الجور. نموذجها البارزة الجنایات التي تحدث الآن في الغزّة أو سائر مناطق العالم. یمکن رفع النزاعات بالتمسّك بالشریعة الإلهیّة القائمة علی الحقّ و العدالة فحسب.

في طریق الله و في طریق خدمة صاحب الزمان (عج):

ينبغي علينا أن نكون دوماً في خدمة الله و إمام زماننا (عجّل الله تعالى فرجه). و لیَقُل كلّ واحد منّا: «أنا جنديّ لإمام الزمان (عجّل الله تعالى فرجه) و مسيري مسیر إلهي» فإذا كانت لدينا هذه النيّة، فإنّ الله سيُعیننا. قد تجلّى هذا العون الإلهيّ بوضوح في حياة العظماء و الشخصيّات البارزة كالامام الخميني (رحمه الله) و القائد الأعلى. و الكلمات الحكيمة و الجميلة الصادرة عنهم ليست نتائج تفكيرهم الشخصيّ فحسب، بل هي دليل على الهداية الإلهيّة.

متى سلك العبد سبيل الله فإنّ الله يفتح له باب الخير و يحلّ مشكلاته. حتى و إن ظنّ أنه غير مستعدّ أو لم یدرس بما فيه الكفاية، فإنّ الله سیعینه إذا حدثت له خطابة و منبر؛ بشرط أن يجعل نفسه لله و لإمام زمانه و يقول: «اللهم إنّي قد اخترت طريقي. أغثني و لا تذهب بسمعتي و احلل مشاکلي» هذا لمن كان على الطريق.

إذا طلبنا من أعماق قلوبنا قائلین: «أنا خادم لإمام الزمان فثبّتني علی الطریق الصحیح» استجاب الله لدعائنا. بالطبع یمکن للإنسان أن یقع في الزلل و الخطأ فالمهمّ أن يستغفر و يتوب من فور.

إن الذين يسيرون في طريق الله قد يرتكبون أخطاءاً و لكن لا ینبغي أن تزیغهم هذه الأخطاء عن مسیرهم. يجب أن نذكّر أنفسنا دائماً بأنّنا جنود لإمام الزمان و لا ینبغي ابتعادنا عن سبیل الله. و عند ارتكاب أيّ ذنب أو خطيئة، يجب أن نتوب فوراً و نعود إلى الطريق.

دور القوانین الإلهیّة في حلّ النزاعات:

لا تستطيع القوانين البشريّة حلّ النزاعات و مشاكل المجتمعات. قد بُنیت هذه القوانين غالباً على المصالح الماديّة و النفسانیّة. أمّا القوانين الإلهيّة فمبنيّة على الحقّ و العدل و هي قادرة على حلّ الخلافات بشكل صحيح. نرى اليوم في العالم أنّ قوانين الدول الغربيّة مثل أمريكا و أوروبا لا تحلّ الخلافات فحسب، بل تشدّد الجنایة و الاستعمار و الاستثمار. مثاله الظاهر ما یجري في الغزّة من الظلم.

الاختلافات عن علم و عن جهل:

الاختلافات بين الناس غالباً تكون بسبب المنافع المادیّة و الأهواء النفسانیّة و طلب المقام و عبادة المال و الله يهدي من یلیق بالهدایة. الاختلافات الناشئة عن العلم الصادرة عن هوی النفس و عن عمدٍ، هي أشدّ خطراً من الاختلافات الناشئة عن الجهل. الاختلاف بین عالِمَین أشدّ خطراً من الاختلاف بین الجاهِلَین؛ إذ العالم یقع في طریق الضلال عن علم فإذاً یصعب موعظته.

تکون الاختلافات الموجودة في العالم ناشئةً غالباً عن المسائل المادیّة من الثروة و المقام و القدرة و لا علاقة لها بالله- تعالی- و الذین یقولون إنّا نحاربکم لأجل المسائل المعنویّة فأولئك هم الکاذبون.

الاستنتاج:

لابدّ للإنسان أن يسير دائماً في طريق الله و يتوكّل عليه. فإذا سار في هذا الطريق، فإنّ الله سيعينه على الرغم من الصعودات و الانحدارات. أمّا إذا انحرفنا عن هذا الطريق، فإنّ ابتعادنا من الله و إمام الزمان یتزاید یوماً فیوماً. و لذلك فعلینا أن نتوب إلی الله فوریّاً إذا أخطأنا و نسأل منه المغفرة. علينا أن نتذكّر أن طريق الله هو طريق النجاة و السعادة.

 


[1] السورة بقره، الأية 213.