46/05/25
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آیة المأتین و الإثنتيعشرة
﴿زُيِّنَ لِلَّذينَ کَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَ يَسْخَرُونَ مِنَ الَّذينَ آمَنُوا وَ الَّذينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾.[1]
یکون الکلام في تفسیر آیة المأتین و الإثنتي عشرة من سورة البقرة. یقول الله- تعالی: ﴿زُیِّنَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا﴾ فهم یهتمّون بالدنیا أکثر اهتمام و یرونها عالیةً قیّمةً. ذُکر في الآیات الأخری: ﴿زُیِّنَ لَهُمُ الشَّیْطَانُ﴾[2] ؛ زیّن الشیطان الدّنیا للذین لا یعتقدون بالآخرة و أراهم الدنیا جمیلةً.
یعتقدون الدنیا عظیمةً عالیةً لأجل توهّماتهم أو یخیّلون أنّ الدنیا هي التي ینبغي تعلّق القلب إلیها و هم یرون الموت و الشدائد و المصائب الدنیویّة و مع ذلك زیّنت لهم الحیاة الدنیا. و یزیّن الشیطان لهم الدنیا بوساوسه. یکون ترکیزهم و محبّتهم علی الدنیا لأنّهم لا یؤمنون بالآخرة. إنّهم هم الذین یسخرون من الذین یسعون للآخرة فیقولون: لا توجد الآخرة. تکون محاسباتهم مجرّد أمر مادّيّ و دنیويّ بینا أنّ المؤمنین و المتّقین ینظرون إلی الدنیا و الآخرة کلتیهما و هم یسعون أنّ تکون لهم الدنیا و الآخرة معاً و یعتنون بأمر الآخرة أیضاً.
أمّا یوم القیامة فستنعکس الوضعیّة. الذین آمنوا و کانوا یتّقون فلهم الدرجات العلی، بینا أنّ الکفّار سیصبحون أذلّاء مخذولین مستَهزَئین. قال الله- تعالی: ﴿وَ الَّذِینَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ﴾؛ من کانت لهم التُقی فلهم الدرجات العلی یوم القیامة.
التقوی تختلف عن الإیمان. یمکن أن یکون لدی أحد إیمان قلباً و لکن لم یقارن إیمانه بالعمل الصالح. و لکنّ التقوی فإنّها إیمان مع العمل الصالح. إن قرن الإیمان بالعمل الصالح فإذاً یصل الشخص إلی مقام التقوی و سیتمتّع یوم القیامة بالدرجات العلی.
﴿وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾؛ لا یشمل الرزق المعیشة المادّیّة فقط، بل کلّ ما یلزم للحیاة فهو رزق من الله کالعلم و التقوی و اطمئنان النفس. إذا أراد الله بعبد لطفاً و عنایةً فقد أعطاه الدنیا و الآخرة معاً. إنّ للمؤمنین و المتّقین تمتّعاً من زینة الدنیا و لهم في الآخرة أفضل النصیب.
زینة الدنیا:
الزّینة قد تکون واقعیّةً و قد تکون توهمیّةً. الزینة الواقعیّة تشمل المال الحلال و الأولاد الصالحة و الأخلاق الفاضلة و العدالة و السخاوة و التواضع و سائر صفات الإنسانيّ العالیة. کلّ هذه هي الزینة العالیة و المشروعة. إذا کان للإنسان جمال و مال و منصب أو مکانة عالیة و جُعل کلّها في الطریق إلی الله فهي من الزینة القیّمة.
أمّا الزینة الخیالیّة هي توهمیّة و خیالیّة. علی سبیل المثال إنّ الذین یلتذّون بالظلم و الفساد أو الجانین المفاخرین بأعمالهم القبیحة فلهم الزینة الخیالیّة. زیّن لهم الشیطان أعمالهم القبیحة و یظنّون أعمالهم عالیةً جدّاً.
یقول القرآن: ﴿زُیِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾؛ هذه الکفّار و المنافقون یقعون في هذا الخطأ لعدم الإیمان الواقعيّ بالله و المعاد.
الزینة الإیمان و التوکّل علی الله:
الإیمان و التوکّل علی الله هما أکبر زینة للمؤمنین، قال- تعالی: ﴿وَ لکِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْکُمُ الْإيمانَ وَ زَيَّنَهُ في قُلُوبِکُمْ﴾[3] من آمن فله هدوء فکريّ و روحيّ في الشدائد و المشاکل. علی سبیل المثال إنّ الإمام الخمیني (ره) لم یخف مع وجود عداوة الأمریکا و سائر القوّات الدولیّة؛ إذ هو قد توکّل علی الله- تعالی. الإیمان بالله یعطي الإنسانَ هدوءاً لا یکفي عنه أيّ شيء دنیوي.
زینة العلم:
یکون أعلی اللذائد للعلماء قراءة الکتب و حلّ المسائل العلمیّة؛ کما یلتذّ الآخرون من الجنّات و المساکن فالعلماء یلتذّون من قراءة الکتاب و التطوّر العلمي.
خلاصة الکلام:
یستفاد من هذه الآیة أنّ المؤمن و التقيّ یجب أن تکون لدیه الزینة الدنیویّة و الأخرویّة أیضاً. الدنیا وسیلة للوصول إلی الآخرة. إنّ الله قد زیّن قلوب المؤمنین بزینة الإیمان و التُقی و هم یتمتّعون بالهدوء و اللذّة الواقعیّة من هذه الزینة. یکون الواجب علینا أن نرتّب حیاتنا بصورة حتّی نتطوّر في بُعدي الدنیویّة و المعنویّة، فلنتمتّع من الدنیا و لنسعَ للآخرة.
هنا إقتراح:
خَطِّطوا للتطوّر في جمیع أبعاد الحیاة (المادّیّة و المعنویّة و العلمیّة و الاجتماعیّة و السیاسیّة) برنامجاً. إسعَوا أن تمشوا کلّ یوم خطوةً في جمیع هذه الخلفیّات و بهذا الأسلوب تقتدرون علی أن تصلوا إلی توازن جمیل بین الدنیا و الآخرة.