46/05/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آیة المأتین و الإحدیعشرة
﴿سَلْ بَني إِسْرائيلَ کَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَديدُ الْعِقابِ﴾.[1]
یجري الکلام حول تفسیر آیة المأتین و الإحدیعشرة من سورة البقرة. هذه الآیة تشیر إلی قصّة من قصص بني إسرائیل حیث قال الله- تعالی: سل بني إسرائیل کم أریناهم من الدلائل الواضحات (المعجزات البارزات). قد بُعث لهم نبيّ مثل موسی حتّی یخلّصهم من أسر فرعون و أراهم معجزاتٍ کثیرةً. لکن بعد فترة قلیلة صار هذا القوم عبدةً للعجل. عندما ذهب موسی ؟ع؟ إلی طور سیناء لیتلقّی الوحي و في خلال هذه الفترة القلیلة نبذوا جمیع المعجزات و الرسالة الإلهیّة وراء ظهورهم و صاروا عبدة العجل.
إنّ ذاك الکفران قد أوجب الغضب الإلهيّ: ﴿وَ بَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ﴾.[2] یقول الله- تعالی: إنّ کفران النعمة یؤدّي إلی غضب الله. ﴿وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ إنّ بني إسرائیل کانوا یمتلکون نعماً کثیرةً؛ من النبيّ الإلهيّ و المعجزات العدیدة و الأحوال المادیّة و المعنویّة الجیّدة، لکن کفروا أنعمَ الله بترکهم المعارفَ الإلهیّة و المیلِ إلی عبادة العجل فجزاء کفرانهم ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَديدُ الْعِقابِ﴾؛ عاقبة هذا الکفران للنعمة وقوعهم في الشدائد و الحرمان من ألطاف الله. قد بیّن القرآن الکریم هذا القانون الإلهيّ بقوله: ﴿وَ مَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾[3] ؛ أي إنّ الله لا یظلم أحداً بل الأناسيّ یظلمون أنفسهم بأعمالهم.
هنا عبرة للناس کافّةً:
هذا التاریخ عبرة لنا؛ لأنّ النعم الإلهیّة تستوجب المسؤولیّة. إذا أنعم الله إنساناً بنعمة فإنّ من الواجب شكرها و استخدامها صحیحاً. العلم و القدرة و المال و الصحّة و حتّی الأسرة الحسنة، كلّ هذه نِعَمٌ من الله یجب شكرها. إذا لم یشكر الإنسان هذه النعم، فإنّها ستفقد. یقول الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقَابِ﴾ فمن كفر النعمة یشمله غضب الله.
سنّة الله في شکر النعمة:
شکر النعمة یجلب المزید منها و کفرانها یوجب زوالها. قد أکّد الله- تعالی- هذه السنّة في الآیات الأخری. إذا رأیتم أنّ النعمة قد سُلبت أو أنّکم تواجهون مشاکل و تعقیداتٍ في حیاتکم فتفکّروا أوّلاً في أنفسکم؛ هل أنتم قد کفرتم بنِعَم الله؟ هل أنتم قصّرتم في أداء مسؤولیّة النعمة؟ إنّ کثیراً من مشاکلنا فهي بسبب أعمالنا و کفراننا لنعم الله- تعالی.
قد سنّ الله سنّةً و هو أنّ من کفر بأنعم الله فإنّه سیبتلی و ستقع له مشاکل؛ فالعلّة الفاعلیّة للمشاکل نفس الإنسان و إن کانت العلّة الغائيّة لها هو الله- تعالی.
دور العقل و الدین في شکر النعمة:
الدين و العقل يشتركان في التأكيد على أهميّة الشكر. العقل يحکم بأنّ النعمة في حياتك يجب أن تُستخدم بشكل صحيح و یلزم أن تكون شاكراً لها. لذلك فالأوامر الإلهيّة مثل الصلاة و الزكاة التي تحتوي على مصالح كثيرة، یعود نفعها إلی الإنسان. كذلك النواهي الإلهيّة مثل تجنّب الزنا و شرب الخمر بسبب المفاسد الواضحة لها. العقل يدرك هذه المفاسد و يعتبر تركها أمراً ضروريّاً.
بنو إسرائیل؛ هم نماذج للعِبَر:
بنو إسرائيل، على الرغم من تلقّيهم نعماً وفيرةً و معجزاتٍ عظيمةً، لم یحسنوا استغلال تلك النعم بالشكل الصحيح، بل مشوا في طریق الباطل بدلاً من شكر الله. صارت نتيجة هذا الانحراف، معاینتهم لمشاکل کثیرة و الغضب الإلهي. و هم اليوم من أكثر الشعوب مَقتاً في الآراء العامّة العالمیّة. تعترض علیهم حتّی المنظّمات الدولیّة و الشعوب و هو بسبب جرائمهم و ظلمهم. هذا الوضع يُمثّل نموذجاً لغضب الله الذي نزل عليهم نتيجةً لكفران النعمة.
أساساً إذا بیّن الله شيئاً فإنّما یقصد به الإرشاد و التوجیه؛ علی سبیل المثال: یأمر بفعل و ینهی عن فعل فأمره یدلّ علی أنّ هنا مصلحةً أو نهيه یدلّ علی أنّ هنا مفسدةً. إن قال: ﴿وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنی﴾[4] فهو إرشاد إلی أنّ في الزنا مفاسد و إذا کانت فیه مفسدة فالعقل یحکم بترکه. في ﴿أَقيمُوا الصَّلاةَ﴾[5] مصلحة فلا یأمر الله بإقامة الصلاة عبثاً فـ﴿أَقيمُوا الصَّلاةَ﴾ إرشاد إلی وجود المصالح الملزمة؛ أي یلزم تحصیل هذه المصالح. أوامر الله تکشف عن وجود المصالح و المفاسد. عندما تحدّد المنافع و المصالح في المجتمع فالعقل یحکم بترك المفسدة و جلب المصلحة.
هذه الآية أيضاً فیها إرشاد فترشد و تدعو إلی أن یا أیّها الإنسان إنتبه حتّی تستخدم النعم التي لدیك بشکل جیّد و تشکر الله علیها. على سبيل المثال: إذا كانت لديك سيارة فيجب أن تحسن استخدامها و تحفظها و أن توصل المؤمنين أحياناً إلى مقاصدهم. هذا هو شكر نعمة السيارة.
ختام الحديث:
لقد أنعم الله-سبحانه و تعالى- على الإنسان بنعم كثيرة. و من واجبنا أن نشكر هذه النعم و نحسن استخدامها. إذا عرف الإنسان قدر هذه النعم و استعملها في طريق الحق، فإنّها ستزداد و تکتمل حياته. أمّا إذا جحد بالنعم فإنّ عاقبة ذلك ستظهر بشکل الحرمان من هذه النعم. نسأل الله أن يمنحنا جميعاً التوفيق لشكره و استخدام نعمه بما يرضيه.