46/04/26
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آیة الثماني و المأتین
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ کَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبينٌ﴾[1]
یکون الکلام في تفسیر آیة الثماني و المأتین من سورة البقرة. ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ کَافَّةً﴾ اُدخلوا جمیعاً في التسلیم و السلام و الصلح و الأمان. ﴿وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ لا تبحثوا عن الشیطان و راقبوا أن لا یزیغکم؛ فـــ ﴿إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبينٌ﴾.
ثمّ إنّ الله- تعالی- قد أکّد في القرآن علی الحیاة السلیمة مع الناس. علیکم أن تعاملوا معهم بالصلح و اللطف و المحبّة. إنّ الطائفة الأولی التي یؤکّد القرآن فیها بالحیاة السلیمة، هم المؤمنون المخاطبون بقوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا﴾. و في المشرکین و أهل الکتاب بحث آخر قد تکلّمت الآیات الأخری في کیفیّة التعامل معهم. هذه الآیة مرتبطة بالمؤمنین المخاطبین بقوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا﴾ أو قولوا بالمسلمین؛ کونوا أیّها المسلمون جمیعاً في الصلح و الصدق و اسعوا أن تکونوا متّحدین و ذروا السلائق الشخصیّة. لا تکونوا أعداءاً بعضکم علی بعض لبعض الاختلافات الشخصیّة فتدمّروا وحدتکم.
قد ورد في الروایات تفسیر قوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ کَافَّةً﴾ بولایة المعصوم و قیادته[2] . لعلّ قول الله-تعالی: «وَلَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي»[3] إشارة إلیه؛ أي اُدخلوا في ولایة النبيّ و الأئمّة (علیهم السلام) و اتّبعوا النبيّ (صلّی الله علیه و آله) و الأئمّة (علیهم السلام) و کونوا أمام أوامر الإسلام من المسلمین.
معنی کَافَّةً:
﴿کَافَّةً﴾ تکون بمعنی الجمیع، و لیکن الناس جمیعاً رفقاءَ و لیعیشوا مع الصلح و الصدق و لیُقیموا مجتمعاً إسلامیّاً متّحداً. و المعنی الآخر لقوله ﴿فِي السِّلْمِ کَافَّةً﴾ هو التسلیم مأةً بمأةٍ، قد یسلّم الشخص للقانون و یجریه مأةً بمأةٍ و قد یجریه تسعین أو ثمانین بمأةٍ. إن قلنا إنّ المعنی هو التسلیم مأةً بمأةٍ فقوله ﴿کَافَّةً﴾ قید لقوله ﴿فِي السِّلْمِ﴾ لا قوله ﴿ادْخُلُوا﴾ قد نقول ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ کَافَّةً﴾ أي جمیع أهل الإیمان؛ و قد نقول التسلیم مأةً بمأةٍ فقوله ﴿کَافَّةً﴾ حینئذٍ قید لقوله ﴿فِي السِّلْمِ﴾؛ أي إذا سلّمتم فسلّموا تسلیماً مأةً بمأةٍ لا تسلیماً ثمانین أو تسعین بمأةٍ. نعم إنّ التسلیم بالثمانین أو التسعین بالمأة جیّد أیضاً و نوع من التسلیم و قبول للقوانین مع إجراءها أیضاً و لکن یجعل الإنسان حینئذٍ بعض القوانین تحت رجلیه.
الاحتمال الثالث أخذ المعنیین معاً؛ أي تسلیم جمیع الناس تسلیماً مأةً بمأة؛ و ﴿کَافَّةً﴾ حینئذٍ قید لکلیهما؛ إتّحدوا جمیعاً و سلّموا مأةً بمأة. و بعبارة أخری قد استعمل قوله ﴿کَافَّةً﴾ حینئذٍ بلحاظ الکمّيّة و الکیفیّة معاً فالکمّیّة تشمل جمیع الأفراد و الکیفیّة تشمل التسلیم مأةً بمأة. یبدوا إلی النظر أنّ المعنی أکمل و أفضل إن أخذنا کلا المعنیین.
وساوس الشیطان:
عندما یقع التکلّم عن الاتّحاد فوساوس الشیطان یوجب الاختلاف و التفرقة. لا تتّبعوا الشیطان و وساوسه و التفتوا أنّ وساوسه یکون خطوةً بخطوةٍ؛ أي لا تکون دفعيّاً بل یقدم الشیطان خطوةً بخطوةٍ حتّی یزیغك. یتکلّم العالم بکلام یوجب الاختلاف و کلّ یوسوس بحیث یوجبه فعلیکم الالتفات إلی هذه الخطوات.
معنی السِلم:
من الأسماء الإلهیّة، السلام. قال ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[4] السلام بمعنی أن یکون الإنسان في سلامة و صحّة و عدالة و صلح. هذا من المستقلّات العقلیّة؛ أي یؤیّد عقل کلّ إنسان من أيّ دین و مذهب و مملکة و في کلّ مکان و زمان أنّ الإنسان یحتاج إلی السلم و الصلح و الهدوء و الأمان للوصول إلی التکامل و التقدّم.
قوله- تعالی: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ کَافَّةً﴾ هدایة عقلیّة و شرعیّة؛ أي العقل و الشرع کلاهما یحکمان به و لیس من مختصّات الشرع و الإسلام.
إذا أردتم التکامل في جمیع الأبعاد فعلیکم بالاتّحاد و رفع الاختلاف.