46/04/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آیة السبع و المأتین
﴿وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ﴾[1]
یکون الکلام في تفسیر آیة السبع و المأتین من سورة البقرة. ﴿وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ﴾ إنّ بعض الناس یرفعون أیدیهم عن أنفسهم و أموالهم ابتغاءَ مرضات الله و بعضهم یرفعون الید عن ماء وجوههم. یوجد في هذه الدنیا أناس یضحّون أنفسهم و یؤثرون الآخرین علی أنفسهم.
قد یضحّي الإنسان نفسه و لکن لأجل التمایلات النفسانیّة یضحّیها، یقع نفسها للهلاك لغضبه و مادّیّاته و شهواته. یقتل بعضهم بعضاً ابتغاء أموال الدنیا، یضرب و یجرح بعضهم بعضاً لأجل الشهوة و لکن هناك بعض یضحّون أنفسهم ابتغاء مرضات الله فلهم عند الله الدرجات العلی و سیصلون رأفته- تعالی- و محبّته.
﴿وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ﴾ هؤلاء عباد الله، لیس العبد الحقیقيّ عبداً باللسان بأن أقول إنّي لك من المخلصین و لکن إذا حان حین التضحیة فررت منها. قوله ﴿رَؤُفٌ بِالْعِبادِ﴾ یکون للذین یشرون أنفسهم في طریق رضی الله.
المراد من العباد:
المراد من العباد في هذه الآیة الذین یضحّون أنفسهم في مرضات الله. قد ذکر إبن أبي الحدید في شرح نهج البلاغة[2] أنّه قد اتّفق المفسّرون جمیعاً علی أنّ هذه الآیة نزلت في أمیر المؤمنین علي (علیه السلام) في لیلة المبیت و هو لیلة عزم الکفّار فیها علی قتل النبي (صلّی الله علیه و آله). قد جمع عدّة من کلّ قبیلة رجل واحد حتّی لا یکثر علیهم العداوة و لا یقولوا قد قتل النبيّ (صلّی الله علیه و آله) هذه القبیلة. اتّحدوا جمیعاً حتّی یقتلوا النبيّ (صلّی الله علیه و آله). قد أرسلت القبائل المختلفة أحداً منهم حتّی یقتلوه فوصل الخبر إلی النبيّ (صلّی الله علیه و آله). أراد النبيّ الخروج من مکّة لینقذ نفسه من الهلاك. نام أمیرالمؤمنین عليّ (علیه السلام) مکان النبيّ (صلّی الله علیه و آله) و قال إنّي اُقتل حتّی یسلم النبيّ (صلّی الله علیه و آله). قد نام أمیرالمؤمنین علي (علیه السلام) مکاناً یبیت فیه النبيّ (صلّی الله علیه و آله) و وقع نفسه في خطر لحفظ نفس النبيّ (صلّی الله علیه و آله).
کان أبوذرّ من الذین یضحّون أنفسهم و بین الأصحاب من تکون له هذه الروحیّة. في مجتمعنا الیوم أیضاً من لهم هذه الروحیّة.
لقد احتلّت الصهائنة المغتصبون أراضي الفلسطينيّين و بيوتهم و اعترفوا هم أنفسهم بأنّنا انتصرنا على هذه الأراضي بالحرب. كما خاطبهم الرئيس الفرنسيّ بأن احتلال فلسطين كان بموافقة منظّمة الأمم المتّحدة. الآن تقول منظّمة الأمم المتّحدة بإعلان وقف إطلاق النار، لماذا لا تستمعون إلى كلامها؟ الآن هذه الكلمات ليست واقعیّاً و ليست في قلوبهم. هؤلاء أناس لا یعملون بکلامهم. على الرغم من أنّهم أنفسهم ظالمون إلّا أنّهم يقولون اقبلوا وقف إطلاق النار. قد قتلتَ هؤلاء الأطفال و النساء! یقال لهم یکفي هذا و لکنّهم لا یستمعون و یقولون إنّا استولينا على هذا المكان بالحرب.
یستفاد من هذه الآیة أنّ من أعمال المؤمنین، تضحیة أنفسهم ابتغاء مرضات الله لا للدنیا کما فعل أمیر المؤمنین عليّ (علیه السلام) لیلة المبیت.
الاهتمام بأمور المسلمین:
من الامتحانات الإلهیّة هو أنّ الإنسان إذا قال إنّي مؤمن متدیّن فکیف عمله في مواقع الابتلاءات الإلهیّة. ترون الآن أنّ المراجع العظام للتقلید و القائد المعظّم (سلّمه الله) و آیة الله السیستاني و المکارم الشیرازي و النوريّ و الجواديّ الآمليّ و سائر العلماء یقولون: ساعدوا شعب غزّة و لبنان، أعطوهم نصف سهم الإمام، هذا مقامٌ یجب أن نخرج منه رافعین رؤوسنا. وفّقنا الله- تعالی- للتبلیغ مهما یمکن و المساعدة أیضاً و یساعد کلّ أحد بقدر إمکانه شعب لبنان و غزّة بنفسه و ماله. قد دمّرت جمیع أشیاءهم و بیوتهم و ما امتلکوا، لذلك قد خصّ بعض الناس نصف رواتبهم الشهریّة أو ثلثها لمساعدتهم.
لا يجوز لنا أن نتهاون بأمور المسلمين. «مَنْ أَصْبَحَ لَا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ وَ مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يُنَادِي يَا لَلْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ»[3] هذا قول رسول الله (صلّى الله عليه و آله و سلّم) قال: من قال يا أيّها المسلمون ساعدوني فلم تجیبوه و لم تبالوا به فلستم بمسلمین.
يبدو إلی النظر كما أوصانا به القائد المعظّم و المراجع العظام مؤکِّدین علی مساعدة أهل لبنان و غزّة، أنّ واجبنا جميعاً هو جهاد التبیين و التبلیغ و التقدّم علی هذا العمل و القیام بذلك. قد ساعد شعب العراق كثيراً كما ساعد شعب إيران كثيراً و من واجبنا جميعاً أن نقوم بحركة شعبيّة كبيرة في هذا الصدد و حلّ مسألة الدعامة الماليّة. لقد ذهب بعض الأشخاص للدعامة النفسیّة و أعلنوا استعدادهم لتضحية أنفسهم إذا لزم ذلك. لقد أعطى البعض ذهبهم و تمّ تقديم الكثير من المساعدة لكنّها مع ذلك قليلة. علينا جميعاً أن نقوم بهذا الواجب الإنسانيّ و نعلم أنّ نتائجه محفوظة لنا في الآخرة.
وفّقنا الله جميعاً لنتمكّن من القيام بهذه الحركة المعنویّة على أكمل وجه في طریق رضی الله.