46/04/12
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: تفسیر القرآن/ سورة البقرة / آیة الستّ و المأتین
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾[1]
یکون الکلام في تفسیر آیة الستّ و المأتین من سورة البقرة. للناس في مقابل النصائح و المواعظ أنواع من التعامل. إذا انتقدتَ علی أحد أو نصحته أن أصلح هنا، فهناك تعاملات مختلفة أمامك؛ أي یغضب بعض و یقول لا تداخل فإنّه لا علاقة بینك و بین هذا فإذاً یکون تعامله شدیداً. نعم هناك بعض یشکرك کثیراً من أجل الالتفات إلیهم و أنّهم قد تنبّهوا من خطأهم.
تری مثل هذه التعاملات في الاجتماع؛ توجد هذه التعاملات في المسائل السیاسیّة و الاجتماعیّة و الثقافیّة. عندما یرید الوالد نصیحة ولده فقد یعکس الأمر فیظهر اللجاج له عوض الاصلاح. قد تعمل زوجة الإنسان هکذا و تعامل بالشدّة عوض قبول النصیحة.
قبول النصح:
الناس مختلفون. إنّ هناك بعضاً من أساتذتنا إذا أشکلتُ علیه، شکر أمام جمیع التلامذة. هذا أسلوب جیّد أن یظهر الإنسان قبوله للنصح و أنّي أستقبل ممّن أنصحني و لا أتضجّر. لکن لکلّ شيء حدّ و علی الإنسان رعایة الحدود و التعامل مع الاحترام؛ فلیکن هذا مرسوماً في المسائل المختلفة الاجتماعیّة و السیاسیّة و الثقافیّة و بین المراجع و الأکابر و جمیع الناس. لن أنسی أنّ أبي قال: إنّ آیة الله العظمی الحجّت کان مرجعاً کبیراً قد قال لي: إذا رأیتَ أفعل خطأً فاکتبه في قرطاس صغیر و ذکّرني مع الفور. قال أبي: إنّي کنت أکتب جملةً صغیرة ًو اُوصله إلی یده و هو یشکرني أیضاً.
هذه روحیّة إن توجد لدی الجمیع فهي قیّمة. إن ناصَحَنا أحد فلنفرح و لنشکر لا أن نتضجّر فهذا قبیح و غیر صحیح. علینا قبول أنّ الإنسان لیس بمعصوم و قد یخطأ، إن حذّره أحد، أصلح نفسه و علم أنّ الآخرین یفهمون؛ فللناس أمام الموعظة و النصیحة أسالیب مختلفة. إنّ مروان من خلفاء بني أمیّة قد صعد یوماً منبراً في المدینة و أقسم بالله إن أمرني أحد بالتقوی فسأضرب عنقه. هذا نوع من التعامل. قد رأیتم هاتین الروحیّتین في الأفراد المختلفة.
کان خُلق المنافقین و المنحرفین بحیث ﴿إِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ یأخذهم الکبریاء و الغرور و الأنانیّة و یغضبون و یقولون من أنت الذي تذکّرنا. ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ﴾ هذه العزّة قد تکون توهّمیّاً و ادّعائیّاً و قد تکون واقعیّاً: ﴿وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[2] هذه عزّة أیضاً و المؤمن یجب أن یکون عزیزاً. قد تکون العزّة ادعائیّاً، أظنّ في نفسي أنا عزیز و هذا توهّم.
أنظروا الآن إلی إسرائیل، ما أعزّ نفسه و یهتمّ بنفسه. یقولون إنّا شرفاء الناس علی الأرض و إذا قُتل أحدهم فهذا مهمّ لهم للغایة و لکنّهم یقتلون الآلاف من النساء و الأطفال و الشیوخ و الشبّاب لا یهتمّون بهم أصلاً. مع الأسف إنّ الغرب و الأمریکا و الأروبا یحامونهم و هم یعتقدون أیضاً أنّ الناس مختلفون؛ إن قتل أحد منهم فهذا أمر مهمّ لهم للغایة، قد أرسل أمریکا رسالةً إلی إیران و قال راقبوا أن لا یُقتل أفرادنا. یرید أن یقول إنّا أکثر أهمیّةً من الآخرین.
هذه عزّات توهّمیّة و ادّعائیّة، علینا الالتفات إلی أنّ لدی بعض الأفراد تعظیمَ ذواتهم أکثر من اللازم. یوجد في الناس العادیّین من الجوامع المختلفة عدّة یظنّون أنفسهم أفضل من الآخرین و یتکلّمون مع الإنسان کأنّهم مرتبطون بالله و کأنّ کلامهم صحیح دائماً. إنّ هؤلاء یخطأوون في معرفة أنفسهم. «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ»[3] قد نخطأ في معرفة أنفسنا و هو الدلیل علی أنّا لا نتمکّن من معرفة الله- تعالی. علینا أن ننظر إلی أنفسنا صغرنا و حقارتنا لدی الله- تعالی.
لقّن نفسك في کلّ یوم و قل اللهم إنّي لا أکون شيئاً و لا لديّ شيء، یمکن أن تحدث لي مشکلة أو مشاکل و أنت الذي وقیتَنا و أنت الذي تدیرنا و لا تترکنا جائعین، لم یذهب ماء وجهي. یجب أن نعلم أنّ کلّ ما لدینا فمن الله- تعالی. لیس الأمر أنّ لدینا قوّةً. قد خطأ من ظنّ أنّه عاقل و ذو قوّة متین، إنّه خطأ بل الله قد أنعم علیه. هناك کثیر من الناس کانوا مثلك و لکن قد ذهب ماء وجههم، کانوا أشدّ منك قوّةً و لکن أصیبوا بجلطة في لحظة فماتوا. لا تظنّوا أنفسكم شيئاً، بل مهما من شيء فمن ألطاف الله- تعالی. ما لدیکم فمن الله فاشکروا له. السلامة و ماء الوجه و القدرة و الزوجة و الولد السالم، کلّها من ألطاف الله فکونوا شاکرین. قد خطأوا من یشکرون أنفسهم و یصعنون وجوهاً لهم.
سبب توهّم العزّة:
لماذا یکون بعض الناس هكذا؟ تقول الآية: ﴿بِالْإِثْمِ﴾ الباء للسببیّة؛ أي بسبب المعصیة. هناك أناس یعصون کثیراً و هم یتوهّمون و یظنّون أنفسهم شيئاً. یقول الله: ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ قد أحاطت بهم الذنوب. إذا أذنبتم کثیراً فستوجد لکم هذه الروحیّة. إذا کان الإنسان طاهراً لیس بعاصٍ فمن أخبره بعیبه شکره؛ لأنّه بیّن له خطأه و عیبه.
علينا أن نقوّي روحیّة قبول النقد في أنفسنا و أن نتحلّى بها، لأنّها مطلوبة حسب آيات القرآن، غایة الأمر یجب أن يكون الانتقاد مع الأدب و المحبّة. كان أحد الشخصيّات یقدم بسيّارة أجنبيّة فقال له أحد الأساتذة إنّنا لك مخلصون، لكن عندما تأتي فلا يتوقّع الطلّاب منك الجلوس في مثل هذه السيّارة فقبل منهم و كان يأتي في الجلسات الآتیة بسيّارة عادية. هذا رجل صالح يقبل كلمة الحساب رغم أنّ له مالاً و هو حلال أیضاً و لا بأس به و لکنّه لا یکون حسناً أن یأتي إلی تلامتذته مع السیّارة الکذائیّة و هم أناس مقروضون کانوا یحضرون درسه بالمشقّة و یریدون أن ینظروا إلی معلّمهم حتّی یتعلّموا منه أخلاقه و سلوکه. و إن أخذ من معلّمه درساً منفیّاً فسیؤثّر في روحیّته.
قوم لا تؤثّر فیهم النصیحة و يغضبون و يحزنون ﴿فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ هذا بسبب الذنب و مأواهم جهنّم و لبئس المأوی. علی من انتُقِد، السعي في قبول الانتقاد و علی الناقدین السعي في الأدب و أن ینقدوا نقداً منتجاً بنّاءاً و یُروا طریق الحل. إذا حصل هذا الوضع تقدّم المجتمع و وصل الجميع إلى مناصب عليا، و عمّرت البلاد و أصبح مجتمعنا الإسلاميّ قويّاً متّحداً. قد یوجب النقد العداوة، أحدهما ينتقد و الآخر يردّ و هذا يسبّب الضغن و العداوة.
الدرس الذي يمكن تعلّمه من هذه الآية هو قبول النقد و النقد البنّاء بمعنی أنّه إذا انتقدك شخص ما فلا تعتبره عدواً لك، بل هو صدیقك. إذا أثنی عليك أحد كثيراً فلا تظنّ أنّه صديقك، بل هو من الذين يبحثون عن منافع أنفسهم.