التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

46/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة/آیة المأتین و الأربع

 

﴿وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلی‌ ما في‌ قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ﴾[1]

یکون الکلام في تفسیر آیة المأتین و الأربع من سورة البقرة و هي في مورد المنافقین و الذین هم أهل النفاق.

علائم المنافق:

العلامة الأولی:

من إحدی علامات المنافقین أنّهم یقسمون کثیراً. یقسمون علی کلماتهم الکاذبة و المخالفة للواقع. الذین یقسمون کثیراً في کلماتهم فإنّ الإنسان یردّد في صحّة کلامهم و کذبه. المنافقون هم الذین یظهرون المحبّة و الرفاقة و الصداقة لکم و یقسمون أنّهم مخلصون فیها مع أنّه یمکن أن یکونوا أشدّاء علیکم عدواناً.

ثمّ إنّ بعض من حول ذوي المقام و الثروة یکونون هکذا و لا یکون احترامهم لهم لله بل یکون ابتغاءاً للمقام و الثروة. بناءاً علی هذا یجب علی ذوي المقام و الثروة أن ینظروا إلی من حولهم و یراقبوهم بالدقّة. مع الأسف إنّ من إحدی اسباب ضعف بعض المسؤولین هذه النکتة من أنّ بعض من حولهم هم الذین یظهرون لهم الإخلاص و العلاقة و یقبّلون أیدیهم فهم یغتروّن بهم و یظنّونهم محبّین مع أنّه یمکن أن یکونوا من أکبر الأعداء لهم؛ أي یریدون أن یذهبوا بماء وجهه و لکنّهم یقربون منه بهذه الوسیلة و یغرّونه.

یا ذوي المقام و الثروة! لا تظنّوا أنّ من حولکم من الذین یظهرون لکم المحبّة، یحبّونکم، لا بل إنّهم یأتونکم لمنافعهم و بلوغاً لهم إلی النقد و المقام فاجتنبوهم. إنّهم خائنون و لن یدَعوکم حتّی یذهبوا بماء وجهکم و یسوقوکم إلی جهنمّ. اعرفوهم فإنّ الذین یظهرون المحبّة کثیراً فلا إخلاص فیهم و لا واقع لکلماتهم. المنافقون یدخلون بهذا الأسلوب.

﴿وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ تعجبون من أنّي قد وجدت مریداً حسناً. قد کثر مثل هؤلاء الأشخاص حول المسؤولین و أئمّة الجمعة و الشخصیّات.﴿وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلی‌ ما في‌ قَلْبِهِ﴾ یظهرون المحبّة الکاذبة و یقسمون، قد یقولون في بعض الأحیان إنّي قد رأیتك في منامي و قد کنتَ مع رسول الله (صلّی‌الله‌علیه‌وآله)... و هم أستاذ جعل النوم. إنّي قد شاهدت موارد متعدّدةً من أنّ بعض الأفراد قد أخذوا مبالغ کثیرةً من المسؤولین و المراجع للتقلید بجعل هذه المنامات.

 

ثمّ إنّ هناك كثيراً من المنافقین في الاجتماع یکذبون أنواع الکذب و یقسمون ابتغاء النقد و المقام. ﴿وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ﴾ لکن إذا لم تحسن إلیهم في المواقع الخاصّة فهم یصیرون بعد ذلك من أعدی عدوّك و یتکلّمون في غیابك بالسوء و یکذبون و یفترون ﴿وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ﴾ هذا من أعدی عدوّك. من إحدی مسالك المنافقین أنّهم یستفیدون من المذهب علی المذهب، لا یعتقدون بالله و لکنّهم لایزالون یقسمون بالله و یجعلون المذهب وسیلةً إلی بلوغ أهدافهم.

العلامة الثانیة:

من إحدی مسالك المنافقين أنّهم یزیّنون الحیاة الدنیا. یقولون إنّ من حقّکم أنّ لکم حیاةً مع الراحة و البیت الجیّد و السیّارة الجیّدة و العیش الرافه. یوجّهونکم إلی الدنیا و یسعون أن یجعلوکم محبّي الدنیا و عشّاقها و یزیّنوها في أعینکم؛ یقولون: الناس یکیّفون و یلتذّون و أنتم في بیوتکم جالسون مشتغلون بالدرس و المطالعة، هکذا یشوّقون الناس إلی الدنیا. إنّ المنافقین یشوّقون الناس إلی الدنیا هکذا حتّی یحرّفوهم عن الصراط المستقیم و یأخذوهم مصاحبين لأنفسهم. إن أراد أن یأخذ الرشوة أو یعطیَها، یکلّم حول الدنیا و البیت الجیّد و العیش الرافه حتّی یرغّبکم فیها فتسمعوا قوله.

المؤمن یرید الدنیا و الآخرة و لکنّ المنافق یرید الدنیا فقط و لکن یظهر أنّه آمن بالله و رسوله و الیوم الآخر و لکن جمیع هذه في طریق الدنیا؛ أي إن یقل «الله» فهو للدنیا و إن أظهر المحبّة و الإخلاص فهما للدنیا. بناءاً علی هذا إنّ من علائم المنافقین أنّ غرضهم الدنیا فقط و یسعون في ترغیب الناس إلی الدنیا و یحبّبونها إلیهم.

یوجد المنافقون في کلّ مکان، قد یوجدون في السیاسة و أحیاناً في التعامل و في المسائل الاجتماعیّة و السیاسیّة و الثقافیّة. إنّ المنافقین أسوء من الکافرین؛ إذ الکفّار في طریق معلوم، لا یعتقدون بالله و رسوله و الیوم الآخر و یقطعون هذا الطریق الذي أخذوه بالعلانیّة و لکنّ المنافق یتفوّه بالله و الرسول و الیوم الآخر و یقسم و لکن یستفید سوءاً من هذه الأمور للبلوغ إلی مقاصده المشؤومة.

تذکار إلی المسؤولین:

یجب التفات المسؤولین إلی هذه النکتة لا سیّما الرئاسة الجمهوریّة و الوزراء و هي أنّهم لا یعتمدوا علی مثل هذه الأشخاص و لا یغترّوا بهم. إنّ الصادق لا یحتاج إلی إظهار المحبّة الزائدة.

﴿وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ﴾ «أَلدّ» صفة مشبّهة و تدلّ علی المبالغة؛ أي شدید الخصام؛ لیست عداوته عداوةً عادیةً بل یرید أن یذهب بماء وجهك و لیس الأمر أن یأکل في جنبك ثمّ یتمّ الأمر. ﴿وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ﴾ یعني: أنّ المنافقین أشدّ الناس عداوةً للنبيّ و المسلمین و لکنّهم کانوا یظهرون للنبيّ المحبّة في العلانیة و یجلسون مجالس في الخفاء و یخطّطون علیه تخطیطاً.

ثمّ إنّ الله- تعالی- یذکّرنا بأن نراقب من حولنا و إنّ کثیراً من المشاکل الموجودة في مجتمعنا و بلدنا ینشأ من هؤلاء المنافقین فإنّ حول کلّ واحد من المسؤولین عدّةً من المنافقین یسبّبون مشاکل لبلدنا.

 


[1] سورة البقرة، آية 204.