الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/ تفسیر سورة البقرة/ الآیة المأتان
قد ذُکرت مباحث في الآیات السابقة حول مناسك الحجّ و أعماله.
یکون البحث الآن في تفسیر الآیة المأتین من سورة البقرة المبارکة.
قال الله- تعالی: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾[1] .
کیفیّة ذکر الله:
﴿فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾
اُذکروا الله بعد مناسك الحج. کیف یکون الإنسان ذاکراً لله؟ قد یحسب الإنسان لکي یکون ذاکراً لله أن یقول «سبحان الله»، «الحمد لله»، «لا حول و لا قوّة إلّا بالله» و ... هذا ذکر لسانيّ و من إحدی مراحل ذکر الله. و لکن قال الله هنا: لیکن ذکرکم الله کذکرکم آباءکم؛ کما کان یأخذ أبوك یدك عندما کنت طفلاً و کان یذهب بك إلی المدرسة و یطعمك الطعام و یلطف بك و يراقبك لئلّا یشدّ علیك و لا یهینك أحد و لدیه لك تعصّب و قام بتربیتك حتّی تکبر و تهیّأ لك خدماتٍ کثیرةً. و أنت تذکر أباك في حیاتك و تقول رحم الله أبي ما أحبّني! و ما لي بعد أبي من أحد، ما کان أکثر علاقته و آماله لي! هکذا تذکر أباك. یمکن أن یکون هذا الشخص غیر أبیك و یکون شخصاً آخر قد لطف بك و یظهر لك حبّه و أنت لا تنسی ألطافه و تذکره أیّام حیاتك. هل تکون ذاکراً لألطاف الله هکذا؟ تذکر أباك و تقول أنّه قد ألطف بي سنة کذا و أظهر لي محبّةً و لکن هل تقول مثلاً: إنّي مرضت في سنة کذا و ذهب بي إلی الأطبّاء أبي و لکن لم یقدروا من علاجي ثمّ توسّلت بسیّدي أبي الفضل العبّاس (علیهالسلام) فجعلته واسطةً بیني و بین الله فشفاني الله من علّتي؟ هل تقول: صادمت في مورد کذا و ذهبوا بي للعملیّة الجراحيّة ثمّ إنّي قد برئت بحمدالله من علّتي و هذا من ألطاف الله أن أنجو، مع أنّ کثیراً من الناس قد ماتوا؟ هل تقول: قد مات کثیر في أیّام کرونا مع أنّي قد ابتلیت بکرونا و لکن بحمد الله قد نجوت. في مرض کذا و مشاکل کذا کنت في معرض ذهاب ماء وجهي و لکنّ الله قد حفظ ماء وجهي؟
هناك موارد متعدّدة في تاریخ حیاتك فیها ألطاف من الله إلیك. إن التفتّ إلی ما وقع لك في تاریخ حیاتك من التصادمات و الحادثات و الأمراض و المسکنات و الاستقراضات و المشاکل و جمیع مسائل حیاتك، رأیت أنّ الله قد أنجاك في کثیر من المواق
«تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً»[2] التفکّر هکذا أي إذا التفتّ إلی أنّ الله- تعالی- قد ساعدك کثیراً و لکنّك تنسی مساعداته إیّاك. تسقطت السیّارة و صارت معلّقةً في الهواء مرّاتٍ و مات کثیر ممّن رکبها و لکنّك نجوت سالماً. منذ الطفولیّة حتّی الآن فقد أخذ الله بیدیك و ساعدك فاذکروا ألطاف الله الکثیرة فإنّه یقال لمثل هذا «فَاذْكُرُواْ اللّهَ».
كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ یعني: اُذکروا الله کما أنتم تذکرون آباءکم، لا أن تقولوا «سبحان الله، سبحان الله» فحسب. إنّ «سبحان الله» و ذکر الله حسن و عالٍ جدّاً و لکن اذکروا هکذا و قولوا في طول حیاتکم دائماً إنّه لا بدّ لي من الله. قد یقول الإنسان أنا کذا و کذا و یقول أنا أنا فهذا خطأ. قولوا الله و ما یقوم شيء إلّا بالله. قل: ساعدني الله، دبّرني، نظر إليّ. و کن مع الله دائماً. إن کان هناك أحد یخاصمك فلا تسعَ في عداوته و لا تعمل علیه شیئاً، قل: اللهمّ أصلح أمري. ثمّ تری أنّ الله یصلح أمرك و ترفع مقامك و سیصیر عدوّك الذي قد ظلمك و افتری علیك و کذب، ضعیفاً. هذا من ألطاف الله التي قد شملتك. لا تعتمد کثیراً علی نفسك و توکّل علی الله. لکن کیف حصل أن نکون بحیث نؤمن بأنّ کلّ ما یوجد في الوجود فهو من الله؟ هو أن تعلم أنّي و لو أسعی، لکنّ القوّة الأصیلة و النهائیّة من الله و هو الذي یحلّ المشاکل. إذا اتّصل الأصدقاء و المریدون هاتفیّاً لحلّ مشاکلي فهو من عنایة الله. عندما یتّصل أحد و یقول إنّي سأحلّ مشاکلك فهو من الله و بإشارته- سبحانه- تقع هذه الحرکة.
فهمُ هذا المطلب یحتاج إلی التفکّر و الالتفات إلی أنّ الله قد أخذ أیدینا و قد حلّ مشاکلنا في مواطن کثیرة.
﴿فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾، إذا أتیتم بأعمال الحجّ فلا تستودعوا الله بل احفظوا علاقتکم به و استمرّوا علی ذلك ﴿كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾، لا تزال تذکر أباك و تقول ما أحسن أبي! کم کان یحبّني و کم عنده من علاقة بي و کم من فلوس قد أعطانيها و کم کان یراقبني! تذکر کلّ هذه فهل تذکر الله أیضاً کذکرك أباك و أنّ الله قد أعاني في مکان کذا و قد حفظ ماء وجهي و حلّ مشاکلي و لم یترکني جائعاً و قد مضت حیاتي حسنةً فإنّ هذه کلّها من ألطاف ربّ العالمین.
إنّ هناك أشخاصاً کثیرةً قد هلکوا و ذهب ماء وجوههم و لکنّ الله- و الحمد له- قد حفظ ماء وجهي. لکلّ أحد خطأ و سهو و لکن قد تنکشف أخطاء بعض و یذهب ماء وجوههم و تبقی أخطاء بعض مستورةً و ماء وجههم محفوظاً و الله هو الحفیظ. تری بعض الأشخاص قیل فیهم شيء في الفضاء المجازيّ یذهب بماء وجهه في ساعة و لکن لا یقع مثل ذلك لك مع أنّ لدیك أیضاً مثل هذه الأخطاء، إنّ الله قد حفظ ماء وجهك و شخصیّتك فهذا لطف من الله- تعالی. إن لم تلتفت و لم تشکر الله- لا سمح الله- فإذاً تری أن ماء وجهك قد ذهب؛ فاذکر الله. لا نرید من الذکر، الذکر اللسانيّ خاصّةً مع أنّه جیّد جدّاً، بل اذکر الحوادث التي قد وقعت في حیاتك و قد أعانك الله فیها فاذکرها و تکلّم بها.
إن تنظر بدقّة تفهم أنّه کم یهتمّ الله بك. کان محبّة الله من جهة الکمّ و الکیف أعلی و أفضل فإنّ هذا الأب الذي تذکر خیراته هو الذي أعطاكه الله و هذه الأمّ هي التي أعطاکها الله، هذا الأخ فقد أعطاكه الله، هذه الأخت ذات الشفقة فقد أعطاكها الله، هذه الزوجة الودود فهي أعطاها الله إیّاك. إن تنظر بدقّة تجد أنّ هذه کلّها من ألطاف الله- تعالی. لیست لبعضٍ هذه الآباء و الأمّهات و الأخوات و الإخوان و ... و لکنّ الله قد أعطاك إیّاهم و ألطف بك بإعطاءهم إیّاك فاشکر له.
محبّة الله للإنسان
﴿كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾
أَشَدَّ ذِكْراً، یعني ذکراً أقوی و أعلی کمّاً و کیفاً؛ أي یکون عدد محبّات الله إلیکم أکثر و مستواها أیضاً أعلی و أشد. یکون مستوی محبّات الأب و الأمّ أدنی و لکنّها نماذج یمکن أن تکون في أذهانکم و لکن ذکر نعم الله و ألطافه أعلی و أفضل من العبادات اللسانیّة؛ عندما تصلّي و تستغفر و تؤذّن و تقیم، لا تستعجلُ و تصلّي بهدوء و تفرح کثیراً لحلول وقت الصلاة و تفرش سجّادة صلاتك و تضع فیها التربة و السبحة و تقوم مواجهاً لله العظیم ذي المحبّة الذي قد أنعم بك مدّة عمرك و تصلّي مع العلاقة و المحبّة. کانت للشهید المطهّري (أعلیاللهمقامهالشریف)- و هو من أساتذتنا- عند الأذان و الإقامة و الاستغفار و الدخول في الصلاة، حالة غریبة. کان هو کمن یتکلّم مع الله حقیقةً. کنّا بخدمته کراراً - مع أنّ أستاذنا الأصليّ هو آیةالله الجواديّ الآمليّ و لکن کنّا نذهب إلی درس الشهید المطهّري- و کنّا نستفید من أخلاقه و سلوکه و التفاته و صلاته. إن أصحبتَ مع الله رفیقاً فستصبح هکذا. إذا وجدت في نفسك بكلّ وجودك أنّ الله یهتمّ بك و هو یحبّك کثیراً فإذاً تصیر صلاتك و عباداتك متفاوتاً. تحبّ أن تستیقظ في السحر و تصلّي صلاة اللیل و تناجي مع الله. هذه الحالات التي قد تقع فهي بسبب أنّ الإنسان یری أنّ له إلهاً ذا محبّة! و ما أعظم اللهَ رؤوفاً رحیماً رحماناً. ینبغي حقّاً التحدّث مع هذا الإله. فلذا یحبّ کثیر الخلوة لأن یتکلّموا مع الله و یقولون مهما تتحدّث عن محبّات الله فهي لا تنتهي أبداً.
إستعلاء مستوی الفکر
﴿فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾
إرفع مستوی فکرك، أي لا تنحصر ما تسأل عن الله في أشیاء محدودة صغیرة، مثل أن تقول اللهمّ أعطني مأة ألف تومان أو خمس مأة تومان إنّ معیشتي ضیّقة و لا تقول اللهمّ إنّ دیني قد حلّ و لم أودّيه فأدّ عنّي. لا بأس بهذه الأمور و اسألها من الله و لکن ارفع مستوی أفکارك؛ أي اطلبوا أوّلاً من الله الآخرةَ ثمّ الدنیا. قل: اللهمّ إنّي أسألك الدنیا خیرها و الآخرة خیرها، لا أن تقول ربّ أعطني ملیوناً من الفلوس، لا تتکلّم مع الله هکذا بل اطلب منه الأعلی و العالي و اسألوا الله جمیع خیر الدنیا و خیر الآخرة. ثمّ إن هناك بعضاً قصیر النظر سطحیّاً یطلب من الله الدنیا فحسب و لکن هناك بعض یطلب من الله الدنیا و الآخرة علی مستوی عالٍ، علی سبیل المثال یقولون اللهمّ إنّا نسألك جوار رسول الله (صلّیاللهعلیهوآله) و جوار أبي عبدالله (علیهالسلام) في الآخرة و ... اطلبوا حوائجکم من الله في مستوی عالٍ إذ یمکن أن یعطیکم الله الدنیا و الآخرة بمحبّته إیّاکم فستصبح دنیاکم و آخرتکم عالیةً.
﴿فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾ من قَصرِ النظر أن یسأل الإنسان من الله الدنیا فحسب؛ إذ لا یکون لهم نصیب في الآخرة. فعلی هذا یجب أن نرفع مستوی أفکارنا و آمالنا من الله؛ لإنّنا نواجه إلهاً قادراً خالقاً رحماناً رحیماً رؤوفاً له جمیع صفات الجمال و الجلال فلا تقصروا في النظر و اسألوا الله ما تشاؤون.
جعل الله- تعالی- هذا الیوم یومَ المعلّم مبارکاً لکم أیّها الأعزّة المعلّمون لتلامیذکم و أولادکم و أزواجکم و أسرتکم و یجب الالتفات إلی أنّ لله في بعض الأوقات ألطافاً خفیّةً. إنّي قد شعرت بألم في ظهري فذهبت إلی الطبیب فإذاً قاموا بالاختبار و التصویر بالموجات فوق الصوتیّة فرأیت أنّ لديّ مشکلةَ کذا فهذا الوجع من نعم الله. کنت آتي ثلاثةً أو أربعة أیّام إلی الدرس مع الزحمة و في ظهري ألم شدید ثمّ علمت أنّ هذا الألم من ألطاف الله لأن ألتفت إلی أنّه ما سبب هذه الکسالة حتّی أزیلها. هذه کلّها ألطاف الله الخفیّة. قد یعاین الإنسان ألماً و لکن هذا الألم في الواقع من ألطاف الله. جَعَلَنا الله- تعالی- ممّن ألطف به و نکون- إن شاءالله- تحت عنایته.