بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

45/11/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ الإجزاء

القول الرابع‌: أنّ مقتضی الأصل بالنسبة إلى الإجزاء في الوقت الاحتیاط و بالنسبة إلى القضاء بعد مضيّه البراءة [1] [2] [3] [4] [5]

أقول: بعد قیام الدلیل الخاصّ علی الإجزاء في مثل التیمّم و التقیّة و المسافر و الحاضر، فلا معنی لعدم الإجزاء و في مورد لم یدلّ دلیل خاصّ علی الإجزاء، فلا بدّ من الاحتیاط في غیر المستوعب. و أمّا في المستوعب، فتجري البرائة بالنسبة إلی القضاء؛ مضافاً إلی منافاة عدم الإجزاء في المقام مع کون شریعة الإسلام سهلةً و سمحةً.

قال المحقّق العراقيّ(رحمه الله): «إنّ مقتضى الأصل بالنسبة إلى الإجزاء في الوقت الاحتیاط و بالنسبة إلى القضاء بعد مضيّ الوقت، فأمكن المصير فيه إلى البراءة»، ( إنتهی ملخّصاً مع التصرّف). [6]

أدلّة القول الرابع

الدلیل الأوّل

إنّه على الإجزاء بمناط التفويت مع الجزم بعدم الوفاء بتمام مصلحة المختار، فمرجعه إلى الشكّ في القدرة تحصيل‌ الزائد و العقل في مثله مستقلّ بالاحتیاط. و مع احتمال الوفاء بتمام مصلحة المختار، فلأنّ مرجع الشكّ فيه إلى الشكّ في وجوب الفعل الاختياريّ بخصوصه أو التخيير بينه و بين الاضطراري.

و مرجع المسألة حينئذٍ إلى التعيين و التخيير و العقل مستقلّ بعدم حصول الفراغ إلّا بالمعيّن. و أمّا الإجزاء بالنسبة إلى القضاء بعد مضيّ الوقت، فأمكن المصير فيه إلى البراءة حتّى في الإجزاء بمناط التفويت؛ لإمكان اختصاص الغرض الفائت بخصوص الوقت و أنّه بعد الوقت_ منوطاً بفوت المصلحة السابقة_ يحدث تكليف جديد ترتيبيّ لجبرانه، (إنتهی ملخّصاً). [7]

أقول: إنّ البحث في مقام الإثبات، لا مقام الثبوت و مقدار المصلحة في الأمر الاضطراري. و لا بدّ من متابعة الدلیل الخاصّ في کلّ مورد بخصوصه،کما في التیمّم و التقیّة و المسافر و الحاضر و أمثالها و لا یصحّ الحکم الکلّي بالإجزاء أو عدمه.

الدلیل الثاني

عند الشكّ في عدم وفائه بتمامه و عند الشكّ في مفوّتيّة المأتيّ به الاضطراري لمصلحة الفعل الاختياري، فلا ينبغي الإشكال في أنّ المرجع فيه هو حكم العقل بعدم الإجزاء و وجوب الاحتیاط، حيث إنّه بالفرض قد علم ببقاء مقدار من المصلحة الملزمة من جهة عدم وفاء الفعل الاضطراري بتمام مراتب مصلحة الفعل الاختياري و إنّما‌ الشكّ في القدرة على استيفاء تلك المرتبة من المصلحة باعتبار الشكّ في مفوّتيّة المأتيّ به الاضطراري لتلك المرتبة الباقية و لو من جهة مضادّته معها. و في مثله يكون المرجع هو الاحتیاط عقلاً، لا غير.

أمّا لو كان الشكّ في وفاء المأتيّ به الاضطراريّ بتمام مصلحة الفعل الاختياري أو عدم وفائه إلّا ببعض مراتب مصلحته، فالمرجع فيه أيضاً هو الاحتیاط، لاندراجه حينئذٍ في باب التعيين و التخيير باعتبار رجوع الشكّ حينئذٍ إلى قيام تلك المرتبة من المصلحة المحتملة للبقاء بخصوص الفعل الاختياري، أو بالجامع بين الفعل الاختياريّ و الاضطراري، كي يكون لازمه عدم وفاء الفعل الاضطراري بتمام مصلحة الفعل الاختياريّ على الأوّل و وفائه به على الثاني، فيندرج حينئذٍ في تلك المسألة و يكون من صغريات ذلك الباب. و في مثله لا بدّ من الاحتیاط، بناءً على ما هو التحقيق في تلك المسألة من مرجعيّة الاحتیاط فيها دون البراءة. و في فرض بقاء الاضطرار إلى آخر الوقت، فإن كان الشكّ في أصل وفاء الفعل الاضطراريّ بتمام مصلحة الفعل الاختياري و عدم وفائه إلّا ببعض مراتب مصلحته، فمقتضى الأصل فيه أيضاً بالنسبة إلى الإعادة من جهة رجوع الشكّ حينئذٍ أيضاً إلى قيام تلك المرتبة من المصلحة الملزمة المشكوك وفاء الفعل الاضطراريّ بها بالجامع بين الفعل الاختياريّ و الاضطراريّ في الوقت أو بخصوص الفرد الاختياري و لو في خارج الوقت؛ فيندرج في مسألة التعيين و التخيير و المختار فيها هو الاحتیاط.

و أمّا إن كان الشكّ في قابليّة المقدار الباقي من المصلحة للاستيفاء في خارج الوقت مع القطع بعدم وفاء الفعل الاضطراريّ إلّا ببعض مراتب مصلحة الفعل الاختياري، فإن احتمل أن يكون تلك المرتبة من المصلحة الباقية لخصوصيّة وقوع الفرد الاختياريّ في الوقت و لو لخصوصيّة في نفس الوقت تقتضيه، فلا إشكال في أنّ مقتضى الأصل حينئذٍ هو البراءة عن القضاء باعتبار رجوع الشكّ حينئذٍ في أصل وجود المصلحة في خارج الوقت كي يترتّب عليه وجوب التدارك بالقضاء، (إنتهی ملخّصاً، مع التصرّف). [8]

إشکال في الدلیل الثاني

أقول: إنّا لسنا ملزمين بملاحظة الملاكات و المصالح، فإنّ الملاكات عند الله(عزوجل) و تحصيلها ليس واجباً علينا و إنّما‌ اللازم مراعاة ما كلّفنا الله_ تعالى_ به و أشغل ذمّتنا به؛ فمثلاً: ما هي مصلحة الصلاة و هل حقّقت المصلحة بصلاتي أو لا؟ فهذا لا دخل لنا به، بل علينا الإتيان بما أمرنا الله_ تعالى_ به، فالمحقّق العراقيّ(رحمه الله) أخذ يسير وراء الملاك و يرتّب أحكاماً على طبقه و نحن نقول‌: إنّ هذه الكبرى مرفوضة رفضاً باتاً و المناسب هو ملاحظة ما اشتغلت به الذمّة من تكاليف، فبذلك المقدار يلزم تفريغ الذمّة و إذا رجعنا إلى عالم الذمّة نقول آنذاك إنّ ذمتنا لا نجزم باشتغالها بخصوص الوظيفة الاختياريّة و إنّما‌ هي مشغولة بالجامع و الجامع يتحقّق بإحد الطرفين، ففي موردنا إذا نظرنا إلى عالم الذمّة، فهي مشغولة بالجامع، أي بإحدى الصلاتين و الجامع الذي اشتغلت به الذمّة، قد تحقّق يقيناً و ما زاد نجري البراءة عنه، فعلى هذا الأساس أتمكّن أن أجزم و أقول أني الآن_ أي حالة الاضطرار_ مكلّف بالوظيفة الاضطراريّة؛ إذ المفروض أنّا جوّزنا البدار؛ أمّا إذا لم نجوّز البدار، فليس لك الحقّ بالإتيان بالوظيفة الاضطراريّة، بل عليك الانتظار و الإتيان بالوظيفة الاختياريّة.

الدلیل الثالث

إنّ ذمّته في أوّل الوقت مشغولة بتكليف وجوبيّ قطعاً و براءة ذمّته بإتيان ما هو مشكوك المشروعيّة مشكوك بداهةً، فاشتغال الذمّة اليقينيّة تقتضي البراءة اليقينيّة و لا تجري أصالة البراءة عن وجوب الإعادة هاهنا؛ إذ لا يتعلّق من الشارع حكم تكليفيّ مو لوي لا نفياً و لا إثباتاً على مسألة الإعادة، بل العقل يحكم بالإعادة إن لم يتحقّق الامتثال و يحكم بعدم الإعادة إن تحقّق الامتثال. و أمّا إن كان المكلّف فاقداً للماء في جميع الوقت و كان العذر مستوعباً و صلّى مع التيمّم ثمّ صار واجداً للماء في خارج الوقت فهل القضاء واجب‌ بمقتضى الأصل العمليّ أم لا؟ و من المعلوم أنّه على القول بوحدة الأمر لا يبقى مورد لدليل وجوب القضاء؛ لأنّه يدور مدار الفوت و لم يفت من المكلّف المأمور بالصلاة مع التيمّم شي‌ء بعد إتيانها كذلك حتّى يتحقّق موضوع «اقض ما فات» و هكذا على القول بتعدّد الأمر، فإنّ الوظيفة الفعليّة المتنجّزة على المكلّف في الوقت عبارة عن الصلاة مع التيمّم و يسقط أمرها بعد الإتيان قطعاً، (إنتهی ملخّصاً). [9]

الدلیل الرابع (دلیل علی أنّ مقتضی الأصل بالنسبة إلى القضاء بعد مضيّ الوقت البراءة)

الأصل العمليّ فيه[10] هو البراءة، لأنّ القضاء يحتاج إلى أمر جديد و هو منفيّ بأصل العدم. [11]

الدلیل الخامس

يكون مرجع الشكّ في المقام إلى دوران الأمر بين الواجب التخييريّ أو التعييني؛ إذ لو كان العذر في بعض الوقت كافياً في إقامة الصلاة مع الطهارة الترابيّة، يكون المكلّف مخيّراً بين إتيانها في أوّل الوقت بالطهارة الترابيّة أو الصبر إلى ارتفاع العذر و الإتيان بها مع الطهارة المائيّة و هو مخيّر بين هذا و بين الصبر إلى ارتفاع الضرر و التمكّن من الطهارة المائيّة و من المعلوم أنّ في دوران الأمر بين الواجب التخييريّ و الواجب التعيينيّ هو الأخذ بالثاني؛ لأنّ في العمل بما يحتمل التعيين علم بالبراءة القطعيّة، بخلاف الأخذ بأحد طرفي الواجب التخييريّ المحتمل ففيه احتمال البراءة.

هذا في ما إذا کان العذر غير المستوعب‌. أمّا في العذر المستوعب، فالأصل هو البراءة؛ لأنّ الواجب هو الجامع المتحقّق بالفرد الاضطراري. و من المعلوم أنّه يسقط التكليف عندئذٍ لفرض تحقّق الطبيعة في فرد واحد، (إنتهی ملخّصاً مع التصرّف). [12]

القول الخامس: أنّ مقتضی الأصل البراءة و الاستصحاب الحکميّ و الموضوعيّ و الاحتیاط بالتكرار [13]

أقول: لا دلیل علیه، بل لا بدّ من الفرق بین العذر المستوعب و عدمه و وجود الدلیل الخاصّ و عدمه، کما سبق مفصّلاً.

القول السادس

يرجع في غير المستوعب إلى قاعدة الاشتغال و إطلاقات أدلّة التكاليف الأوّليّة، إلّا مع وجود دليل خاصّ في البين. [14]

أقول: کلامه(رحمه الله) متین؛ فإنّ الدلیل الخاصّ لو دلّ علی الإجزاء في غیر المستوعب_ کما في التیمّم و التقیّة و المسافر و الحاضر_ فالأمر سهل. و إن لم یدلّ دلیل خاصّ علی الإجزاء، فالظاهر هو إجراء قاعدة الاشتغال في غیر المستوعب للشكّ في المکلّف به و إجراء البرائة في المستوعب، للشكّ في التکلیف بعد إتیان الأمر الاضطراري.

الحقّ في المقام

أقول: بعد القول بجواز إتیان العمل بالأمر الاضطراريّ فمقتضی الأصل البرائة، إلّا أن یقال بعدم جواز العمل بالأمر الاضطراريّ في غیر المستوعب عملاً بظاهر الآیة و عدم صدق الاضطرار، فإنّ الأصل دلیل حیث لا دلیل و بعد إقامة الدلیل الخاصّ في کلّ مورد لا بدّ من متابعته. و أمّا مع عدم وجود الدلیل الخاص، فلا بدّ من الاحتیاط و إجراء قاعدة الاشتغال.

 


[1] مقالات الأصول، العراقي، آقا ضياء الدين، ج1، ص271.
[2] نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج1، ص232.
[3] دراسات في الأصول - تقريرات، السيد صمد علي الموسوي، ج1، ص643.
[4] أنوار الأصول‌، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص323.
[5] إرشاد العقول إلى مباحث الأصول، الحاج العاملي، الشيخ محمد حسين، ج1، ص380.
[6] مقالات الأصول، العراقي، آقا ضياء الدين، ج1، ص271.
[7] مقالات الأصول، العراقي، آقا ضياء الدين، ج1، ص271.
[8] نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج1، ص230.
[9] دراسات في الأصول - تقريرات، السيد صمد علي الموسوي، ج1، ص643.
[10] .فیما إذا ارتفع الاضطرار في خارج الوقت
[11] أنوار الأصول‌، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص324.
[12] إرشاد العقول إلى مباحث الأصول، الحاج العاملي، الشيخ محمد حسين، ج1، ص380.
[13] تحريرات في الأصول، الخميني، السيد مصطفى، ج2، ص293.
[14] تهذيب الأصول، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج1، ص201.