بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

45/11/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ الإجزاء

القول الثالث: أنّ مقتضی الأصل البراءة و في بعض الفروض الاستصحاب، فتلزم الإعادة[1] [2] [3]

قال المحقّق المشکینيّ‌(رحمه الله): «إنّ الظاهر كونه من قبيل الثاني[4] ، لا الأوّل [5] و لا الأخير[6] ، فلا وقع للإشكال في جريان البراءة، إلّا أنّها محكومة في بعض الفروض بالاستصحاب»، (إنتهی ملخّصاً). [7]

أقول: لا دلیل علیه.

قال الحجّة التبریزيّ‌(رحمه الله)‌: «إن لم يكن الاضطرار في أوّل الوقت، يكون موردنا مورد الاستصحاب و أمّا إن كان الاضطرار في أوّل الوقت، يكون المورد مورد البراءة»، (إنتهی ملخّصاً). [8]

أقول: لا دلیل علیه.

دلیلان علی القول الثالث

الدلیل الأوّل

إنّ الاختيار بالنسبة إلى التكليف الاختياريّ إمّا عنوان له، أو شرط له، أو قيد لا يجب تحصيله.فعلى الأوّلين لا إشكال في اليقين السابق بتحقّق الوجوب، فيجري الاستصحاب التعليقي، مثل جريانه في حرمة ماء العنب على نحو التعليق على الغليان، فيقال: إنّه قبل الإتيان قد تيقّن بهذا الوجوب التعليقيّ و قد شكّ فيه بعده، فيستصحب. و أمّا على الأخير، فلا استصحاب في البين؛ لأنّ الوجوب الفعليّ ليس مسبوقاً بالحالة السابقة، كما في الأوّلين و التعليقيّ غير موجود حسب الفرض، (إنتهی ملخّصاً). [9]

إشکال في الدلیل الأوّل

قال المحقّق البجنورديّ(رحمه الله): «فيه، أوّلاً: عدم صحّة الاستصحاب التعليقي.

و ثانياً: أنّ من يقول به لا ينبغي أيضاً أن يقول به في مثل المقام ممّا لم يجعل المركّب من الجزء الموجود و الجزء المعلّق عليه موضوعاً شرعاً، بل يقول به في مثل «العصير العنبيّ إذا غلا يحرم بعد ما جفّ و صار زبيباً» و شكّ في بقاء هذا الحكم المعلّق، حيث إنّ الشارع جعل العصير معلّقاً على الغليان؛ أي على تقدير الغليان و قبل ذهاب الثلثين موضوعاً للحرمة، بخلاف ما نحن فيه؛ فإنّ الشارع لم يجعل المكلّف_ على تقدير رفع الاضطرار أو عدم كونه مضطرّاً_ موضوعاً للحكم الواقعيّ الأوّلي، بل العقل‌ يحكم بأنّه قبل الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراريّ لو ارتفع اضطراره، يلزم عليه إتيان المأمور به بالأمر الواقعيّ الأوّلي»، (إنتهی ملخّصاً). [10]

الدلیل الثاني

أمّا إن لم يكن الاضطرار في أوّل الوقت، يكون موردنا مورد الاستصحاب؛ إذ إنّ المكلّف يعلم بتكليف و تنجّز عليه؛ غاية الأمر يشكّ في أنّ ما أتى به في حال الاضطرار، يكون وافياً بمصلحة المأمور به المعلوم حتّى يكون مجزياً عنه أم لا، فحيث يعلم بثبوت تكليف منجّز و لم يعلم بإسقاطه و يكون شاكّاً في إسقاطه، يكون المورد هو استصحاب بقاء التكليف و يلزم عليه الإعادة.

و أمّا إن كان الاضطرار في أوّل الوقت و يكون المورد مورد البراءة، حيث إنّه يعلم بعدم ثبوت تكليف المختار في حقّه؛ لأنّه قلنا بأنّ التكليف الأوّليّ للمضطرّ هو الإتيان بالمورد الاضطراريّ و لا يكون أصلاً مكلّفاً بإتيان المأمور به الاختياري. و كذا على الوجه الآخر الذي قلنا يظهر من كلام الشيخ حيث إنّه على هذا الوجه أيضاً يعلم بعدم ثبوت تكليف المختار في حقّه، بل يكون تكليفه من أوّل الأمر هو الإتيان بالمأمور به الاضطراري، فيكون مورد البراءة و لا يجب عليه الإعادة. و ممّا قلنا في الإعادة، يظهر لك الأمر في القضاء؛ فيجزي المأمور به الاضطراري عن القضاء أيضاً و لا يلزم القضاء أمّا إن كان القضاء بالأمر الأوّل؛ فلأنّ وجوب القضاء موقوف بعدم الإتيان في الوقت و المفروض أنّه أتى في الوقت بما هو تكليفه و هو المأمور به الاضطراري. و أمّا المأمور به الاختياري فلا يتعلّق الأمر به إلى المضطرّ أصلاً. و أمّا إن كان وجوب القضاء بالأمر الجديد فأيضاً يكون مورد البراءة؛ إذ على تقدير كون موضوعه أمر عدميّ أو أمر وجودي، موقوف بعدم الإتيان في الوقت، فلا يتوجّه إلى المضطر، حيث إنّه أتى بما أمر به و هو المأمور به الاضطراريّ و المأمور به الاختياري، لم تجب عليه أصلاً؛ لأنّ المضطرّ يكون ابتداءً مأموراً بإتيان المأمور به الاضطراريّ و قد أتى به؛ فلا موقع للقضاء، فافهم، (إنتهی ملخّصاً مع التصرّف). [11]

أقول: إن قلنا بعدم صدق الاضطرار في العذر غیر المستوعب، فلا فرق بین حصول الاضطرار أوّل الوقت أو وسطه؛ فالفرق غیر فارق. و إن قلنا بصدق الاضطرار_ کما هو في بعض الموارد ثابت بالدلیل الخاص، مثل التیمّم و التقيّة و المسافر و الحاضر و أمثالها_ فبعد إتیان الأمر الاضطراريّ نشكّ في التکلیف بالأمر الاختیاريّ و الأصل البرائة.

 


[1] .إستصحاب بقاء التکلیف
[2] حواشي المشكيني علی الكفاية، مشکیني، الميرزا ابوالحسن، ج1، ص425.
[3] المحجة في تقريرات الحجة، الصافي الگلپايگاني، الشيخ علي، ج1، ص176.
[4] حواشي المشكيني علی الكفاية، مشکیني، الميرزا ابوالحسن، ج1، ص425. إن كانا شرطين للوجوب_ بأن يكونا من قيود الطلب، لا المادّة_ فلا إشكال أيضاً؛ لأنّه لا يمكن_ حينئذٍ_ وحدة الأمر و لا تعدّده على نحو التخيير الشرعي، بل هنا أمران: أحدهما حاصل من الأوّل و الثاني بعد رفع الاضطرار، و الأوّل يقينيّ قد امتثل و الثاني مشكوك يجري إلى البراءة عنه.
[5] حواشي المشكيني علی الكفاية، مشکیني، الميرزا ابوالحسن، ج1، ص425. إنّ الاختيار بالنسبة إلى التكليف الاختياري: إمّا عنوان له.
[6] حواشي المشكيني علی الكفاية، مشکیني، الميرزا ابوالحسن، ج1، ص425. إنّ الاختيار بالنسبة إلى التكليف الاختياريّ إمّا قيد لا يجب تحصيله.
[7] حواشي المشكيني علی الكفاية، مشکیني، الميرزا ابوالحسن، ج1، ص425.
[8] المحجة في تقريرات الحجة، الصافي الگلپايگاني، الشيخ علي، ج1، ص176.
[9] حواشي المشكيني علی الكفاية، مشکیني، الميرزا ابوالحسن، ج1، ص425.
[10] منتهى الأصول، روحاني، محمد حسین، ج1، ص250.
[11] المحجة في تقريرات الحجة، الصافي الگلپايگاني، الشيخ علي، ج1، ص176.