بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

45/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ الإجزاء

إشکالان في الدلیل

الإشکال الأوّل

بل يقتضى الاشتغال، فإنّ الأمر بالإتيان بالعمل في مجموع الوقت يتوجّه بنفس دخول الوقت، لا أنّ أمر كلّ جزء يتجدّد بحدوث ذلك الجزء. و عليه فالأمر بالعمل بالنسبة إلى الأجزاء المتأخّرة يكون كالتعليق و إذا فرضنا اختلاف حال المكلّف في أجزاء الوقت بوجدان الماء و عدمه أو بالصحّة و المرض أو بالسفر و الحضر، لا جرم كان الأمر المتوجّه بدخول الوقت هو الإتيان بالعمل في كلّ جزء بحسب اقتضاء حال المكلّف في ذلك الجزء فيتوجّه الأمر بالصلاة مع الطهارة المائيّة في قطعة الوجدان للماء و مع الطهارة الترابيّة في قطعة الفقدان مخيّراً بينهما، من غير فرق بين أن يكون الحال الفعليّ هو الوجدان أو الفقدان و ذلك بأن دخل الوقت و هو غير واجد للماء، فإذا توجّه هذا الأمر، استصحب بعد الإتيان بالعمل الاضطراري للشكّ في إسقاطه للمأمور به الاختياري و احتمال كون العمل الاختياري واجباً عينيّاً لا يسقط بالإتيان بالعمل الاضطراري. و مقتضى هذا الاستصحاب، ثبوت التكليف بالعمل الاختياريّ على وجه التنجيز بعد رفع الاضطرار. [1]

دفع الإشکال

مقتضاها البراءة و ذلك من جهة أنّه حال الاضطرار لم يكن مكلّفاً بالاختياريّ قطعاً_ لعدم قدرته و اضطراره_ و بعد رفع الاضطرار في الوقت و إتيان العمل الاضطراريّ يشكّ في حدوث تكليف جديد بالاختياري، فالأصل البراءة. و هكذا الأمر في رفع الاضطرار بعد خروج الوقت بالنسبة إلى القضاء بطريق أولى، هذا، أوّلاً. و ثانیاً‌: عدم صحّة الاستصحاب التعليقي.

و ثالثاً: أنّ من يقول به لا ينبغي أيضاً أن يقول به في مثل المقام ممّا لم يجعل المركّب من الجزء الموجود و الجزء المعلّق عليه موضوعاً شرعاً، بل يقول به في مثل «العصير العنبيّ إذا غلا يحرم بعد ما جفّ و صار زبيباً» و شكّ في بقاء هذا الحكم المعلّق؛ حيث إنّ الشارع جعل العصير معلّقاً على الغليان؛ أي على تقدير الغليان و قبل ذهاب الثلثين موضوعاً للحرمة.

بخلاف ما نحن فيه، فإنّ الشارع لم يجعل المكلّف_ على تقدير رفع الاضطرار أو عدم كونه مضطرّاً_ موضوعاً للحكم الواقعيّ الأوّلي، بل العقل‌ يحكم بأنّه قبل الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري لو ارتفع اضطراره، يلزم عليه إتيان المأمور به بالأمر الواقعيّ الأوّلي، (إنتهی ملخّصاً مع التصرّف). [2]

أقول: قوله(رحمه الله) «لم یکن مکلّفاً بالاختیاريّ قطعاً لعدم قدرته و اضطراره» مورد الملاحظة، حیث إنّ الأمر الاضطراريّ في العذر المستوعب مسلّم و أمّا في غیره فمشکوك؛ لعدم صدق الاضطرار إلّا إذا دلّ دلیل خاصّ علی ذلك، کما في التیمّم و التقیّة و المسافر و الحاضر و أمثالها.

الإشکال الثاني

إنّه لا يجوز التمسّك بأصالة البراءة؛ لأنّ رفع الاضطرار في أثناء الوقت_ كما هو المفروض في المقام_ كاشف عن عدم تعلّق الأمر واقعاً بالفعل الاضطراري، ليكون الإتيان به مجزياً عن الواقع، بل من الأوّل كان متعلّقاً بالفعل الاختياريّ التام و المفروض عدم امتثاله، فإذن لا نشكّ في وجوب الإتيان به لنتمسّك بأصالة البراءة عنه.

و على الجملة فما أتى به المكلّف في الخارج من الفعل الاضطراري لا أمر به على الفرض و ما كان متعلّقاً للأمر لم يأت به، فإذن كيف يشكّ في وجوب الإعادة. و من ذلك تبيّن أنّه لا يجوز البدار هنا واقعاً، بداهة أنّ جوازه كذلك ملازم للإجزاء. و من الطبيعيّ أنّ الإجزاء لا يمكن إلّا في فرض وجود الأمر بالفعل الاضطراريّ واقعاً. [3]

أقول: کلامه(رحمه الله) متین.

القول الثاني‌: أنّ مقتضی الأصل الاحتیاط [4] [5] [6]

أقول: إن قلنا بعدم صدق الاضطرار في العذر غیر المستوعب، فلا یتوجّه الأمر الاضطراريّ حتّی یقال بالإجزاء؛ فلا بدّ من الاحتیاط، لتعلّق أمر الصلاة و الشكّ في برائة الذمّة عنها.

قال المحقّق الإیروانيّ(رحمه الله)‌: «إذا شككنا في الإجزاء و عدمه، كان مال هذا الشكّ إلى الشكّ في توجّه التكليف بأيّ من النحوين المتقدّمين_ أعني بالكلّي الجامع، أو بالأفراد على سبيل التخيير بين فردين و بين فرد واحد منه و مقتضى العلم الإجماليّ المذكور هو الاحتیاط بالإتيان بالفرد الاختياريّ بعد رفع الاضطرار و إن كان آتياً بالفرد الاضطراريّ عنده[7] ». [8]

أدلّة القول الثاني

الدلیل الأوّل

إنّ محصّل الطبيعة المأمور بها على القول بعدم الإجزاء ليس هو الفرد الاضطراريّ فقط، بل هو منضمّاً إلى الفرد الاختياريّ بعد رفع الاضطرار. فإذا شكّ في الإجزاء و عدمه، فقد شكّ في حصول الطبيعة المأمور بها بالفرد الاضطراريّ فقط. و مقتضى القاعدة هو الاحتیاط بالإتيان بما يحصل معه اليقين بحصول الطبيعة المأمور بها في الخارج و ذلك يكون بالإتيان بالفرد الاختياريّ بعد رفع الاضطرار. [9]


[1] نهاية النهاية في شرح الكفاية، الإيرواني، الشيخ علي، ج1، ص126.
[2] منتهى الأصول، روحاني، محمد حسین، ج1، ص250.
[3] محاضرات في أصول الفقه، الفياض، الشيخ محمد إسحاق، ج2، ص48.
[4] الأصول في علم الأصول، الإيرواني، الشيخ علي، ج1، ص72.
[5] نهاية النهاية في شرح الكفاية، الإيرواني، الشيخ علي، ج1، ص126.
[6] تهذيب الأُصول - ط نشر آثار الإمام الخميني، السبحاني، الشيخ جعفر؛ تقرير بحث السيد روح الله الخميني، ج1، ص265.
[7] .الاضطرار
[8] الأصول في علم الأصول، الإيرواني، الشيخ علي، ج1، ص72.
[9] الأصول في علم الأصول، الإيرواني، الشيخ علي، ج1، ص72.