45/04/26
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ دلالة الامر علی المرّة او التکرار
أدّلة القول الأوّل
الدليل الأوّل
الصيغة قد وردت في المرّة تارةً و في التكرار أخرى.
أمّا في الشرع، فكالأمر بالحجّ و العمرة، فإنّه للمرّة. و الأمر بالصلاة و الزكاة، فإنّه للتكرار.
و أمّا في العرف، فلأنّ السيّد إذا أمر عبده بالدخول إلى منزله، أو بشراء اللحم، لم يفهم منه التكرار، حتّى أنّ العبد لو كرّر ذلك، لامه العقلاء. و لو ذمّه السيّد على عدم التكرار، لامه العقلاء أيضاً. و لو أمره بحفظ الدابّة، فحفظها ساعةً ثمّ أهمل، لامه العقلاء، لفهم التكرار.
فقد ظهر استعمال اللفظ في كلّ منهما عرفاً و شرعاً، فيكون موضعاً لقدر المشترك بينهما و هو مطلق إدخال الماهيّة في الوجود، لا يفيد واحدةً و لا تكراراً، دفعاً للاشتراك و المجاز. و إذا كان موضوعاً للقدر المشترك، لم يكن فيه دلالة البتّةً على أحد القيدين؛ لعدم دلالة الجنس على شيء من فصوله و مميّزاته؛ نعم، لمّا كانت المرّة من ضرورات إدخال الماهيّة في الوجود، لا جرم دلّ على المرّة من حيث الالتزام، لا من حيث الوضع. [1]
الدليل الثاني
قال العلّامة الحلّيّ(رحمه الله): «الثاني: نصّ أهل اللغة على عدم الفرق بين «يفعل» و «إفعل» إلّا في كون الأوّل خبراً و الثاني أمراً.
و لمّا كان مقتضى الأوّل يحصل بالمرّة، فكذا الثاني و إلّا لحصل الفرق بينهما في غير الخبريّة و الأمريّة». [2] [3]
الدلیل الثالث
قال العلّامة الحلّيّ(رحمه الله): «الثالث: إفادة التكرار يستلزم الاستغراق في جميع الأوقات و اللازم باطل، فالملزوم مثله.
بيان الشرطيّة: عدم أولويّة بعض الأوقات دون بعض؛ إذ لا إشعار في اللفظ و لا في المعنى. و أمّا بطلان التالي فبالإجما و لأنّه يلزم إذا أمره بعبادتين متعاقبتين أن تكون الثانية ناسخةً للأولى، لوجوب استيعاب الوقت للأولى و اقتضاء الثانية إزالتها عن بعضها و النسخ ليس إلّا رفع الحكم بعد ثبوته.
و من المعلوم بالضرورة أنّ الحجّ ليس نسخاً للصلاة و لا أمر غسل اليد ناسخاً لغسل الوجه و لا الأمر بالصلاة نسخاً للوضوء».[4]
إشکال في الدليل الثالث
إنّ القائل بالتكرار إنّما يقول به إذا تمكّن المكلّف منه عقلاً أو شرعاً، كما حكاه بعضهم و هو الظاهر من إطلاق الإمكان على ما مرّ في تحرير العنوان و ظاهر أنّ الأمر الثاني إنّما يرفع تمكّن المكلّف في الزمن المتأخّر و لا يرفع الحكم فيه؛ إذ لا ثبوت له مع عدم التمكّن. [5]
الدلیل الرابع: التبادر [6] [7] [8]
قال الفاضل التونيّ(رحمه الله): «لنا: تبادر مجرّد طلب الفعل من الصيغة من غير فهم شيء من الوحدة و التكرار منها؛ كالزمان و المكان و غيرهما من المتعلّقات و المنكر مكابر». [9]
قال الحائريّ الإصفهانيّ(رحمه الله): «لنا على القول المختار وجوه: الأوّل: التبادر؛ فإنّ المفهوم من الصيغة عند الإطلاق ليس إلّا طلب إيجاد الفعل و ظاهر أنّ المرّة و التكرار خارجان عنه و إذا ثبت ذلك عرفاً ثبت لغةً و شرعاً بضميمة أصالة عدم النقل. و لا ينافي ذلك عدم انفكاك المطلوب عن أحدهما واقعاً على التخيير و البدليّة، بناءً على ما تحقّقه من أنّ المطلوب بالأمر إمّا الوجود الخارجيّ أو الماهيّة الخارجيّة؛ لأنّ مجرّد عدم انفكاك شيء لا يوجب أخذه في وضع اللفظ بإزائه». [10]
قال المحقّق المشکینيّ(رحمه الله): «إنّ المتبادر بالتبادر الوضعيّ من الهيئة هو طلب الوجود و من المادّة هي الماهيّة لا بشرط و لا شيء سواهما يدلّ على أحد الأمرين». [11]
الدليل الخامس
إنّه لو دلّت على التكرار لعمّت الأوقات، لعدم الأولويّة و هو باطل للإجماع على خلافه. [12]
و قال المحقّق النراقيّ(رحمه الله) مثله و أضاف: «و لزوم التكليف بما لا يطاق و كون كلّ تكليف يرد بعده و لا يجتمع معه ناسخاً له». [13]
إشکال و جواب
الإشکال
إنّها لو لم تكن للتكرار، لما تكرّر الصوم و الصلاة و غيرهما و لما كانت مماثلةً لصيغة النهي، حيث اقتضت التكرار و لاستلزامها إيّاها بالنظر إلى الضدّ و تكرار اللازم يستدعي تكرار الملزوم. [14]
الجواب
إنّ تكرر ما يتكرر من العبادات، إنّما هو لدليل آخر، كتعليقه على موجب يتكرّر و التكرار على هذا النحو ممّا لا يتصوّر أن يكون مفهوماً من مجرّد صيغة الأمر و ينتقض بما لا يتكّرر كالحجّ و نحوه. [15] [16]
الدليل السادس
إنّه[17] يتقيّد بهما من غير تكرير و نقض، فهما من صفات الفعل، كالقليل و الكثير. و لا دلالة للموصوف على خصوصيّة شيء من صفاته المتقابلة، فيكون المفهوم من «إضرب» (مثلاً) طلب ضرب مّا من غير أن يفهم منه صفة الضرب من تكرار، أو مرّة، أو غيرهما.[18]