45/04/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ دلالة الامر علی المرّة او التکرار
المقام الثالث: في أنّ صيغة الأمر- أي المجموع المركّب من الهيئة و المادّة- هل تدلّ على المرّة أو التكرار أم لا؟
تحریر محلّ النزاع
إختلف الأصولیّون في دلالة صیغة الأمر علی المرّة و التکرار؛ فذهب بعض الی عدم دلالته مطلقاً (لا علی المرّة و لا علی التکرار، بل تدلّ علی طلب الطبیعة). و ذهب بعض آخر إلی التفصیل و هو عدم دلالتها علی المرّة أو التکرار وضعاً و لفظاً و دلالتها علی المرّة إطلاقاً.
قال بعض الأصولیّین(حفظه الله): «إذا دلّ الدليل على أنّ المولى يطلب الفعل مرّةً واحدةً، كقوله- سبحانه: ﴿وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾[1] أو دلّ الدليل على لزوم التكرار كقوله- سبحانه: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[2] فيتبع مدلوله.
و أمّا إذا لم يتبيّن واحد من الأمرين، فهل تدلّ على المرّة أو على التكرار أو لا تدلّ على واحد منهما؟».[3]
هنا قولان:
القول الأوّل: عدم دلالتها مطلقاً (لا علی المرّة و لا علی التکرار، بل تدلّ علی طلب الطبیعة) [4] [5] [6] [7] [8] [9] [10] [11] [12] [13] [14] [15] [16] [17] [18] [19] [20] [21]
أقول: هو الحق؛ لأنّ الطلب یتعلّق بتحقّق الطبيعة في الخارج. و هذا یتحقّق بوجود فردٍمّا دفعةً کانت أو فرداً في التوصّليّات و فرداً فقط في التعبّديّات. و الفرد الواحد لا بدّ منه في کلّ الأوامر. و التکرار یحتاج إلی الدلیل و لکنّ الفرد لا یحتاج إلی دلیل غیر الأمر. و بهذا یظهر عدم الفرق بین القول الأوّل و الثاني في المعنی و ستأتي الأدلّة علی هذا القول.
قال المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله):«الحقّ أنّ صيغة الأمر مطلقاً لا دلالة لها على المرّة و لا التكرار».[22]
و قال المحقّق البروجرديّ(رحمه الله): «إنّ التحقيق في المقام أنّه لا دلالة للصيغة مطلقاً- لا بهيئتها و لا بمادّتها- على التكرار و المرّة، بل تدلّ فقط على طلب إيجاد الطبيعة، بمعنى أنّ مفاد هيئتها ليس إلّا للطلب، كما أنّ مفاد المادّة ليس إلّا الطبيعة. و إرادة المرّة و التكرار تحتاج إلى دليل آخر و أدلّة الطرفين بحذافيرها مخدوشة». [23]
أقول: إرادة التکرار یحتاج إلی دلیل آخر و المرّة لا تحتاج إلی دلیل آخر و یکفي الأمر في ذلك.
و لقد أجاد المحقّق الخوئيّ(رحمه الله) حیث قال: «إنّ التكليف قد يكون انحلاليّاً بأن ينحلّ و يتعدّد بتعدّد أفراد الموضوع، كما في التكاليف التحريميّة، فإنّ حرمة شرب الخمر (مثلاً) ينحلّ إلى حرمة هذا الخمر و ذاك الخمر و هكذا، فيتعدّد التكليف بتعدّد أفراد الخمر، بلا فرق بين الأفراد الطوليّة و العرضيّة. و هكذا سائر التكاليف التحريميّة و إن كان التكليف التحريميّ بنحو عدم الانحلال أيضاً متصوّراً.
و كذا بعض التكاليف الوجوبيّة، كما في قوله- تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾[24] ، فإنّ المستفاد منه وجوب الصلاة عند زوال الشمس في كلّ يوم. و كذا قوله- تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[25] ، فإنّ المراد منه وجوب الصوم في شهر رمضان من كلّ سنة، كما أنّ التكليف بالنسبة إلى أفراد المكلّفين انحلاليّ دائماً، بلا فرق بين التكليف الوجوبيّ و التحريمي.
و قد يكون التكليف غير انحلالي، كما في قوله- تعالى: ﴿وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾[26] ، فإنّ وجوب الحجّ لا يتعدّد بتعدّد الاستطاعة. و كلّ ذلك خارج عن مدلول صيغة الأمر و مستفاد من قرائن خارجيّة و خصوصيّات المورد؛ فإنّ مفاد المادّة هو الطبيعة المعرّاة عن جميع الخصوصيّات و مفاد الهيئة هو طلب الطبيعة أو ابراز اعتبار الطبيعة على ذمّة المكلف.
فكلّ من الانحلال و عدمه خارج من مدلول الصيغة، فلا تدلّ الصيغة على المرّة و لا على التكرار، نعم يجوز الاكتفاء بالمرّة من باب صدق الطبيعة بها، لا من جهة اعتبار قيد الوحدة في متعلّق الأمر.
و الذي تحصل ممّا ذكرناه أنّ مدلول الصيغة هو طلب صرف الطبيعة، فإن قام دليل من الخارج على التقييد بالوحدة أو التعدّد فيؤخذ به و إلّا فالمرجع هو الإطلاق و يدفع به احتمال التقييد، بلا فرق بين الأفراد الطوليّة و العرضيّة، فيحصل الامتثال بإيجاد الطبيعة في ضمن فرد واحد أو أفراد متعدّدة، طوليّة أو عرضيّة.
هذا إذا كان إطلاق الصيغة في مقام البيان مع تماميّة مقدّمات الحكمة. و أمّا إن كان الكلام في مقام الإجمال أو الإهمال فتصل النوبة إلى الأصل العملي. و مقتضاه البراءة عن اعتبار قيد زائد على صرف الطبيعة من الوحدة أو التعدّد». [27]
قال بعض الأصولیّین(حفظه الله): «المشهور بين المتأخّرين أنّ هيئة الأمر لا يدلّ على المرّة و التكرار، بل يدلّ على صرف الطبيعة فقط؛ غاية الأمر أنّها تحصل بفرد واحد». [28]