45/03/23
بسم الله الرحمن الرحیم
قال الإمام الخمینيّ (رحمه الله): «لا إشكال في لزوم إرادة المخاطب في إتيان المأمور به؛ لعدم معقوليّة توجّه الخطاب إلى إتيان الفعل لا عن إرادةٍ و إنّما البحث و الكلام في لزوم اعتبار الاختيار».[1]
إنّه يعتبر في متعلّق التكليف أن يكون صدوره عن الفاعل حسناً. و بعبارة أخرى: يعتبر عقلاً في متعلّق التكليف القدرة عليه ليتمكّن المكلّف من امتثال الأمر على وجه يصدر الفعل عنه حسناً و من المعلوم: أنّ صدور الفعل حسناً من فاعله يتوقّف على الإرادة و الاختيار؛ إذ الأفعال الغير الاختياريّة لا تتّصف بالحسن و القبح الفاعليّ و إن اتّصفت بالحسن و القبح الفعلي، فلا بدّ من خروج ما لا يكون بإرادة و اختيار عن متعلّق التكليف عقلاً و لا يمكن أن يعمّه سعة دائرة الأمر. [4]
إنّه لم يدلّ دليل على اعتبار الحسن الفاعليّ في اتّصاف العمل بكونه مصداقاً للواجب، لإمكان كون الوجوب ناشئاً من الملاك القائم بذات العمل، فيكفي الحسن الفعليّ فقط، نعم يعتبر أن لا يتّصف بالقبح الفاعليّ و لكنّه خارج عن محلّ الكلام و ليس له دخل فيما نحن فيه.
هذا، مضافاً إلى أنّ اعتبار الحسن الفاعليّ يوجب إنكار الواجب التوصّليّ من أصله، ضرورة أنّ مجرّد صدور الفعل بالإرادة و الاختيار لا يكفي في اتّصافه بالحسن الفاعلي، بل لا بدّ من الإتيان به بداعي التقرّب و هذا سدّ لباب الواجب التوصّلي من أصله، مع أنّه (رحمه الله) قسّم الواجب في صدر البحث إلى التعبّديّ و التوصّلي. [5]
إنّ نفس الأمر يقتضي اعتبار الإرادة و الاختيار مع قطع النظر عن الحكم العقلي. و ذلك لأنّ الأمر الشرعيّ إنّما هو توجيه إرادة العبد نحو المطلوب و تحريك عضلاته، فالأمر هو بنفسه يقتضي اعتبار الإرادة و الاختيار و لا يمكن أن يتعلّق بالأعم؛ لأنّه بعث للإرادة و تحريك لها. و حینئذٍ لو قام دليل على سقوط التكليف عند فعل متعلّقه بلا إرادة و اختيار، كان ذلك من قبيل سقوط التكليف بفعل الغير و هو يرجع إلى تقييد الموضوع و إطلاق الخطاب عند الشكّ يدفع التقييد المذكور، فالأصل اللفظيّ يقتضي عدم السقوط عند عدم الإرادة و الاختيار. [6]
یصحّ التكليف بالجامع بين المقدور و غير المقدور، لإمكان قيام الملاك بمطلق وجود الفعل و اعتبار القدرة في التكليف لا يكون شرعيّاً، لإطلاق الأدلّة الشرعيّة، بل هو عقليّ و العقل لا يحكم إلّا بامتناع التكليف بغير المقدور البحت، لكونه لغواً.
و بعبارة أخرى: الجامع بين المقدور و غير المقدور و هو طبيعة الفعل بلا قيد الإرادة و الاختيار مقدور، فلا مانع من تعلّق التكليف به. و إذا ثبت إمكان تعلّق التكليف بالجامع يبقى الكلام في الوقوع. و حيث إنّ الإهمال في مقام الثبوت غير متصوّر، فلا محالة إمّا أن يكون التكليف متعلّقاً بخصوص الفعل الإراديّ و إمّا بالجامع بينه و بين غير الإرادي. و الإطلاق في مقام الأصل العمليّ كاشف عن الإطلاق في مقام الثبوت و أنّ متعلّق التكليف هو الجامع و الغرض قائم به لا بخصوص الفعل الإرادي.
فإذا شكّ في سقوط التكليف بغير الإرادي، كان الشكّ راجعاً إلى الشكّ في اعتبار خصوصيّة الإرادة و مقتضى الإطلاق عدم اعتبارها و إن لم يكن هناك إطلاق كان مقتضى الأصل العمليّ هو البراءة عن اعتبار الخصوصيّة، لكون المقام من صغريات دوران الأمر بين الأقلّ و الأكثر الارتباطيّين و قد أثبتنا في محلّه أنّ مقتضى الأصل فيه هو البراءة عن الأكثر.
فتحصّل ممّا ذكرناه في المقام أنّه لا مانع من التمسّك بالإطلاق في هذه المسألة و الحكم بسقوط التكليف بصدور الفعل بلا إرادة و اختيار، (إنتهی ملخّصاً مع التصرّف). [7]
أقول: هو الحق؛ لأنّ المباشرة تصدق و إن کانت بلا إرادة و اختیار، کما في التوصّلیّات؛ نعم في التعبّديات لا بدّ من الإرادة.
قال الشهید الصدر(رحمه الله): «إنّه عند الشكّ بالسقوط بالحصّة غير الاختياريّة أنّ مقتضى الأصل اللفظيّ هو السقوط؛ لأنّ إطلاق المادّة معقول و يمكن التمسّك به. و مقتضى إطلاق المادّة هو تعلّق الوجوب بالجامع بين الاختياريّ و غير الاختياري».[12]