45/03/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الواجب التوصلی و التعبدی
إختلف الأصولیّون في أنّ مقتضى الأصل هو سقوطه بفعل الغیر فلا يحتاج إلى إتيان المكلّف به بنفسه أو عدم سقوطه فلا بدّ من إتيانه بنفسه؟ فذهب بعض إلی عدم سقوطه. و ذهب بعض آخر إلی التفصیل.
هنا قولان:
أقول: هو الحق؛ للأدلّة الآتیة.
قال المحقّق النائینيّ (رحمة الله): «إنّ التكليف الذي ثبت فيه جواز الاستنابة و جواز تبرّع الغير يجتمع فيه جهات ثلث: جهة تعيينيّة و هي بالنسبة إلى المادّة حيث لا يقوم شيء مقامها و جهة تخييريّة و هي بالنسبة إلى الاستنابة و جهة اشتراط و تقييد و هي بالنسبة إلى السقوط بفعل الغير. هذا إذا ثبت جواز الاستنابة فيه.
و أمّا إذا شكّ- كما هو المقصود بالكلام- فالشكّ في جواز الاستنابة يستتبع الشكّ في السقوط بفعل الغير، لما عرفت من الملازمة بينهما، فيحصل الشكّ فيه من جهتين: التعيين و التخيير و من جهة الإطلاق و الاشتراط. و أصالة التعيينيّة و الإطلاق ترفع كلتا جهتي الشك، كما هو الشأن في جميع موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير و الإطلاق و الاشتراط، حيث إنّ ظاهر الأمر و مقتضى الأصل اللفظيّ هو التعيين و الإطلاق، فالأصل اللفظيّ يقتضي التعبّديّة بمعنى عدم جواز الاستنابة و عدم السقوط بفعل الغير، هذا إذا كان هناك إطلاق». [8]
و قال المحقّق العراقيّ (رحمة الله): «التحقيق يقضي أنّ إطلاق الخطاب يقتضي صدور الفعل من المكلّف مباشرةً و عليه لا يكفي صدور للفعل بالتسبيب أو الاستنابة به، فضلاً عن صدوره من غيره بلا تسبيب أو استنابة». [9]
قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «إنّ مقتضى الإطلاق عدم السقوط بفعل الغير؛ لأنّ الأمر يقتضي الوجوب، سواء أتى به الغير أم لا. و توضيح المقام يستدعي البحث عن مقام الثبوت، فنقول: إنّ السقوط بفعل الغير يتصوّر بحسب مقام الثبوت على صور:
أن يكون التكليف متعلّقاً بالجامع بين فعل المكلّف نفسه و فعل غيره، فيكون الواجب على المكلّف أحد الفعلين على سبيل التخيير، إمّا فعل نفسه أو فعل غيره.
و من الواضح أنّ هذا الوجه غير معقول؛ لعدم معقوليّة توجّه التكليف إلى شخص بصدور الفعل من غيره؛ لأنّ فعل الغير خارج عن اختيار المكلّف و إرادته، فلا يعقل تعلّق التكليف بالجامع بينه و بين فعل المكلّف نفسه.
أن يكون التكليف متعلّقاً بالجامع بين الفعل بالمباشرة و الاستنابة، فيكون الواجب على المكلّف أحد الأمرين، إمّا إتيان العمل بنفسه أو استنابة الغير له.
و هذا الوجه و إن كان معقولاً في نفسه و لكنّه منتفٍ في المقام قطعاً؛ لأنّ لازمه السقوط بمجرّد الاستنابة و لو لم يفعله النائب و ليس الأمر كذلك، فإنّ المسقط هو فعل النائب، لا مجرّد الاستنابة.
أن يكون التكليف متعلّقاً بفعل المكلّف نفسه و لكنّه كان مشروطاً بعدم إتيان الغير، فإن أتى به الغير، سقط التكليف عن المكلّف.
و الفرق بين هذا الوجه و الوجهين السابقين واضح؛ فإنّ الواجب فيهما هو الجامع بين أمرين و أمّا الوجوب فمطلق، بخلاف هذا الوجه الأخير، فإنّ الوجوب فيه مشروط بعدم إتيان الغير.
و هذا الوجه و إن كان أمراً معقولاً و محتملاً بحسب مقام الثبوت إلّا أنّ الإطلاق ينفيه بحسب مقام الأصل العملي، لا أنّ مقتضى الإطلاق بعد تماميّة مقدّمات الحكمة عدم اشتراط التكليف بعدم إتيان الغير.
فتحصّل ممّا ذكرناه و اتّضح أنّ مقتضى الإطلاق اللفظيّ عدم السقوط بفعل الغير»، (إنتهی ملخّصاً). [10]