بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

44/05/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الأمر

أقول: خیر الشاهد آیة القرآن التي تقول: ﴿أو یصبح ماؤها غوراً فلن تستطیع له طلباً﴾[1] ورد في تفسیر السیّد الشبّر (رحمه الله) أن لیس المراد من ﴿لن تستطیع له طلباً﴾ الإرادة.[2] معنی الآیة هو أنّ الماء إذا تغوّر و فقد من وجه الأرض، لا یمکن أن تصلوا إلی الماء، الطلب هنا بمعنی الوجدان و الوصول. في مورد واحد أستعملت کلمة «الطلب» صریحاً في معنی الفعل و استعمالات القرآن من أصحّ الاستعمالات و تکون أسوةً و نموذجاً للاستعمالات الصحیحة. فعلیه وصلنا مع التتبّع إلی أنّ الطلب لیس إرادةً مفهوماً.

القول الثامن: أنّ الطلب و الإرادة متغایران مفهوماً و مصداقاً و إنشاءاً [3] [4] [5]

دلیل القول الثامن

قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «إنّ الطلب و الإرادة مختلفان بحسب المفهوم و المصداق؛ فانّ الوجدان و الارتكاز العرفي يشهد بأنّهما ليسا مترادفين، و توضيح الفرق بينهما:

انّ الإرادة من الصفات القائمة بالنفس و لا تكون اختيارية، و الّا لزم كونها مسبوقة بارادة اخرى، فلزم الدور أو التسلسل، بل هي ناشئة من ملائمة الطبع المكوّنة بأمر اللّه سبحانه و تعالى، حسب ما اقتضته الحكمة و المصلحة.

و بالجملة الإرادة من الكيفيات النفسانية بخلاف الطلب، فانّه من الافعال الاختيارية، لانّ الطلب على ما يستفاد منه عرفا عبارة عن التّصدي لتحصيل شي‌ء في الخارج و السعي نحوه، فلا يقال: طالب الضالّة الّا لمن تصدّي لتحصيلها، و لا طالب العلم الّا لمن تصدّي لتحصيله، و أمّا من يشتاق اليهما مع عدم التصدّي للتحصيل فلا يطلق عليه طالب الضالّة أو طالب العلم، و لو مع شدّة الاشتياق اليهما، فلا يكون المفهوم من أحدهما عين ما يفهم من الآخر.

و ظهر مما ذكرناه أنّهما مختلفان من حيث المصداق أيضاً؛ اذ قد عرفت أنّ الإرادة من الكيفيّات النفسانيّة، و الطلب من الافعال الخارجية، فكيف يصدق أحدهما على ما يصدق عليه الآخر، بل الطلب باعتبار كونه من الافعال يكون متعلّقا للارادة كبقيّة الافعال لا أنّه عينها، فانّه كما يقال: زيد أراد فشرب، كذا يقال: زيد أراد فطلب.

و ظهر بما ذكرناه أيضاً بطلان اتّحادهما إنشاء؛ اذ قد عرفت أنّ الطلب عنوان للفعل الخارجي أو الذهني، فلا يكون قابلا للانشاء»، (إنتهی ملخّصاً). [6]

أقول: کلامه (رحمه الله) متین.

القول التاسع: أنّ الطلب و الإرادة متغایران مفهوماً و إنشاءاً [7]

دلیل القول التاسع

يختلف الطلب و الإرادة مفهوما؛ إذ ربما تستعمل الإرادة فيما لا يصح استعمال الطلب فيه، كقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ﴾، و قوله تعالى: ﴿فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما﴾، و كقولك: «أردت الصلاة فصليت»، إلى غير ذلك من الاستعمالات الصحيحة‌. كما أنه يستعمل الطلب‌ فيما يشكل استعمال الإرادة فيه، كقولك: «طلبت حقي من زيد فأنكر». نعم، لا ريب في تصادقهما في الجملة، و لكنه لا يدل على الاتحاد بالكلية. و أما اتحادهما إنشاء فهو مبني على أن يكون مفاد الأمر إنشاء الطلب، و هو مردود؛ لأن مفاده البعث، و التحريك نحو المتعلق، فكما يحصل البعث بالترغيب إلى المصلحة، و الزجر عن الترك، يحصل بلفظ (افعل) أيضاً، فلا موضوع لإنشاء الطلب حتى يبحث عن أنه متحد مع إنشاء الإرادة، أو لا، (إنتهی ملخّصاً). [8]


[1] .سوره کهف، آيه 41.
[2] .تفسير شبّر، شبّر، السيد عبد الله، ج1، ص293.
[3] .مصباح الأصول( مباحث الفاظ- مكتبة الداوري)، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص254.
[4] .الهداية في الأصول، الصافي الإصفهاني، الشيخ حسن، ج1، ص198.
[5] .إرشاد العقول إلى مباحث الأصول، الحاج العاملي، الشيخ محمد حسين، ج1، ص293.
[6] . مصباح الأصول( مباحث الفاظ- مكتبة الداوري)، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص254.
[7] .تهذيب الأصول، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج1، ص52.
[8] تهذيب الأصول، السبزواري، السيد عبد الأعلى، ج1، ص52.