بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

42/10/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ المشتق

الإشکال في الجواب الثالث

إنّه جيّد فيما إذا كانت هيئة مفعل مشترك معنوي[1] و لكنّها مشترك لفظي. و يدلّ على أنّا لم نجد مورداً استعمل اللفظ فيه في القدر الجامع، مع أنّه مقتضى حكمة الوضع، فإنّها تقتضي استعمال الموضوع في الموضوع له و لو أحياناً و في بعض الموارد. [2]

أقول: یمکن استعمال المقتل(مثلاً) في اسم الزمان و المکان معاً مع القرینة. و لا إشکال في جعل هذه الهیئة مشترکاً معنویّاً قد یراد منه الزمان بالقرینة و قد یراد منه المکان بالقرینة و قد یراد منه کلاهما بالقرینة.

الجواب الرابع

التحقيق فى دفع الإشكال هو أن يقال: إنّه لا ريب في أنّ الماهيّات متباينة فى الصور و الأشكال و الآثار و الأطوار؛ فلا بدّ من أن يكون الوجود الذي ينبسط عليها مظهراً لها على ما هي عليه من الأطوار و الخصوصيّات و الآثار و الكمّ و الكيف و لو كان الوجود يوجب تغيّراً في بعض أطوارها، أو يزيد شيئاً في أجزائها و آثارها، لما كانت الماهيّة التي فرضنا أنّها وجدت بموجودة، بل كان الموجود بذلك الوجود ماهيّة أخرى. هذا خلف. و عليه يتّضح لك أنّ الأمور التدريجيّة ماهيّات خاصّة في قبال الماهيّات القارّة، فإذا انبسط عليها الوجود، كان مظهراً لها بما هي عليه من طور التدرّج و التصرّم، فما دام ذلك الأمر التدريجيّ مستمرّاً في سير وجوده، كان ذلك الوجود شخصاً خاصّاً من أفراد طبيعيّة؛ فإذا انتهى سيره فى الوجود، ثمّ شرع في سير وجود آخر، حدث فرد آخر لذلك الطبيعي؛ مثلاً: الكلام سنخ خاصّ من الماهيّات المتدرّجة في الوجود، فإذا شرع المتكلّم بكلام فهو فرد واحد من ماهيّة الكلام حتّى ينتهي سير وجوده بالسكوت. و إذا شرع بالكلام مرّة أخرى حدث فرد آخر لتلك الماهيّة و هكذا. و الزمان من هذا السنخ؛ فإنّ ماهيّته من الماهيّات التدريجيّة، فلا محالة يكون وجودها هو التدرّج فى‌ سير الوجود، فما دام مستمرّاً فيه فهو شخص واحد و فرد واحد، فإذا صار بعضه ظرفاً لحدث مّا، ثمّ انقضى عنه، كان صحّة إطلاق اسم الزمان على ذلك الزمان بنحو الحقيقة أو بنحو المجاز منوطاً بالنزاع في وضعه على ما حرّر فى هذه المسألة، فإذا قيل بوضعه لخصوص المتلبّس، كان إطلاق اسم الزمان عليه بعد الانقضاء مجازاً و إذا قيل بالأعم، كان حقيقةً. [3]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الجواب الخامس

العمدة في الجواب عن الإشكال هو ما ذكرناه هناك[4] بأنّ الأزمنة و الآنات و إن كانت وجودات متعدّدةً متعاقبةً متّحدةً بالنسخ و لكنّه حيثما لا يتخلّل بينها سكون يكون المجموع يعدّ عند العرف موجوداً واحداً مستمرّاً، فيصدق عليه كلّما شكّ فيه «إنّه شكّ في بقاء ما علم بحدوثه» فيشمله دليل حرمة النقض. و حينئذٍ فبعين هذا الجواب نجيب عن إشكال المقام أيضاً حيث أمكن لنا تصوّر أمر قارّ وحدانيّ يتصوّر فيه الانقضاء و إن بلغ تلك الأفراد المتعاقبة ما بلغ إلى انقضاء الدهر.

نعم، ذلك إنّما هو فيما لم يكن تلك القطعات المتعاقبة من الزمان مأخوذةً موضوعاً للأثر في لسان الدليل معنونةً بعنوان خاصّ، كالسنة و الشهر و اليوم. و إلّا فلا بدّ من لحاظ جهة الوحدانيّة في خصوص ما عنون بعنوان خاصّ من القطعات، فيلاحظ جهة المقتليّة (مثلاً) في السنة أو الشهر أو اليوم بجعل مجموع الآنات التي فيما بين طلوع الشمس (مثلاً) و غروبها أمراً واحداً مستمرّاً، فيضاف المقتليّة إلى اليوم و الشهر و السنة، فتدبّر، (إنتهی ملخّصاً). [5] [6]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

کما قال المحقّق الداماد (رحمة الله): «يمكن حلّ الإشكال بما نبيّنه في مسألة الاستصحاب في الزمان بأنّ الزمان و إن كان متصرّماً ينقضي كلّ جزء منه بحدوث جزء آخر، إلّا أنّه يمكن إجراء الاستصحاب فيه بدعوى أنّ الزمان بنظر العرف عبارة عن الآنات الواقعة بين الحدّين؛ مثلاً: العرف يري الليل عبارةً عن الظلمة أو استتار القرص أو الآنات الواقعة بين غروب الشمس و طلوعه. و لذا يحكم علی أوّل جزء منه أنّه ليل و يحكم ببقائه أيضاً إلى أن يطلع الشمس. و كذا الكلام في النهار و غير ذلك من الأزمنة؛ فأمره بنظر العرف كالحركة التوسّطيّة التي يصدق علی أوّل جزء منها و تبقى إلى بقاء آخر أجزائها. و من المعلوم أنّ الزمان بهذا الزمان باقٍ. و لذا يمكن إجراء الاستصحاب فيه عند الشكّ في بقائه، فتدبّر». [7] [8]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال في کلام المحقّق الداماد

قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «فيه أوّلاً: أنّ الآن السيّال و إن قاله بعض و لكن لم نفهمه، بل لا وجود له في الخارج.

و ثانياً: لو سلّم تعقّل الآن السيّال، لكنّه كلّيّ يصدق على الآنات المتبادلة.

فالآنات متصرّمة متبادلة، لا استقرار لها و لا ثبات. فالآن الذي وقع فيه الحدث غير باقٍ.

و هذا نظير بقاء الإنسان من لدن خلق اللَّه تعالى آدم- على نبيّنا و آله و عليه السلام- إلى‌ زماننا هذا؛ حيث إنّ المراد ببقاء الإنسان لم يكن بقاء الفرد منه إلى زماننا، بل معناه: أنّ للإنسان في عمود هذه الأزمان مصداقاً في الخارج». [9]

کلام بعض الأصولیّین ذیل کلام المحقّق العراقي

قال (حفظه الله): «لقد أجاد فيما أفاد، فإنّه يندفع به الإشكال على الأقلّ بالنسبة إلى الأزمنة و الآنات المتقاربة، فإذا قال الشارع «لا تصلّ عند مطلع الشمس» يصدق المطلع عرفاً في الدقائق اللاحقة لطلوع الشمس ما لم يمض زمان طويل يخرج عن هذا الحدّ العرفي.

فتلخّص ممّا ذكرناه: أنّ جريان النزاع في اسم الزمان غير ممكن بالدقّة العقليّة لعدم بقاء له و لكن يجري فيه بنظر العرف؛ لأنّهم يرون للزمان بقاءً بحسب الحدود التي يجعلونها له و من المعلوم أنّ الإطلاقات إنّما هي بنظر العرف». [10]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.

الجواب السادس

إنّ الوضع فيه[11] لمفهوم عام، لا لشخصيّ حتّى ينقضي و ينصرم، فالمفهوم عامّ باقٍ مع انقضاء المبدأ، كما في مقتل الحسين (ع) فإنّه عبارة عن يوم العاشر من المحرّم؛ فإنّ المقتل باقٍ و يتجدّد في كلّ سنة و قد انقضى عنه المبدأ و القتل. [12]

دلیل القول الثاني: كون العنوان عامّاً لسائر المشتقّات، مضافاً إلى عموم الأدلّة و اتّحاد المناط [13]

دلیل دخول اسم المفعول في محلّ النزاع

قال المحقّق الرشتيّ (رحمة الله): «ممّا يدلّ على دخول اسم المفعول في محلّ النزاع ما نقل عن غير واحد من الفقهاء من بناء كراهة الوضوء و الغسل بالماء المشمّس[14] بعد برده على عدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق»، (إنتهی ملخّصاً). [15]

 


[1] الصحیح: مشترکاً معنویّاً؛ لأنّه خبر کانت.
[2] .أنوار الأصول‌، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص163.
[3] .بدائع الأفكار في الأصول، العراقي، آقا ضياء الدين، ج1، ص162.
[4] في استصحاب الأمور التدريجيّة الغير القارّة.
[5] .نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج1، ص129.
[6] . مقالات حول مباحث الالفاظ، البهبهانی، السید علی، ج1، ص50.
[7] .المحاضرات - تقريرات، الطاهري الاصفهاني، السيد جلال الدين، ج1، ص104.
[8] . نتائج الافکار فی الاصول، الشاهرودی، السید محمود، ج1، ص138.
[9] .جواهر الأصول - تقريرات، المرتضوي اللنگرودي، محمد حسن، ج2، ص46.
[10] أنوار الأصول‌، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص164.
[11] إسم الزمان.
[12] الذخر في علم الأصول‌، الأردبيلي، احمد، ج1، ص78.
[13] بدائع الأفكار، الرشتي، الميرزا حبيب الله، ج1، ص176.
[14] الصحیح: المسخّن.
[15] بدائع الأفكار، الرشتي، الميرزا حبيب الله، ج1، ص177.