بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

42/10/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ المشتق

الإشکال في جریان النزاع في اسم الزمان

إنّه ربما يشكل بعدم إمكان جريانه في اسم الزمان؛ لأنّ الذات فيه- و هي الزمان- بنفسه ينقضي و ينصرم، فكيف يمكن أن يقع النزاع في أنّ الوصف الجاري عليه حقيقةً في خصوص المتلبّس بالمبدأ في الحال أو فيما يعمّ المتلبّس به في المضی. [1]

کما قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «إنّ محطّ البحث في المشتقّ لا بدّ و أن يكون فيما تكون الذات هناك باقيةً و محفوظةً و لكن انقضى عنه المبدأ. و لا يتصوّر ذلك في اسم الزمان؛ لأنّ جوهر ذاته و حقيقته متصرّمة متقضية، لا يتصوّر فيه بقاء الذات مع انقضاء المبدأ- حتّى في الواهمة- و لا معنى لحفظ ذاته مع تصرّمه و تقضّيه بالذات؛ فلا يتصوّر له مصداق- لا في الخارج و لا في الذهن- حتّى يوضع له هيئة اسم الزمان». [2]

کلام المحقّق الإیروانيّ ذیل کلام المحقّق الخراساني

قال (رحمة الله): «الإشكال لا يختصّ باسم الزمان، بل يعمّ كلّ مشتق كان الذات فيه هو الزمان، بل كلّ ما كان الذات فيه من الأمور المتصرّمة زماناً كان أم زمانيّاً، مثل الحركة و الجريان». [3]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین؛ مثل: جریان النزاع في المتکلّم و الناطق و المتحرّك و أمثالها.

قال السیّد الشاهروديّ (رحمة الله): «الإشكال في تصوير النزاع في أسماء الزمان المشتقّة- كالمقتل و المضرب و غير ذلك- لوضوح انتفاء الذات و هو الزمان المتّصف‌ بالعرض من القتل و الضرب و غيرهما. و مع انعدام الذات لا جامع بين حالتي وجود العرض و عدمه حتّى يتصوّر الانقضاء و يتمشّى النزاع؛ فإنّ المتّصف بالضرب (مثلاً) هو الآن الخاصّ من النهار أو الليل و هو قد انصرم.

و هذا بخلاف أسماء الزمان الجامدة، كأوّل الشهر و يوم الجمعة و عيد الفطر و نصف شعبان و عاشوراء و غير ذلك من أسماء الزمان من الجوامد؛ فإنّ إطلاق أوّل الشهر و عاشوراء على كلّ أوّل شهر و كلّ عاشر من كلّ محرّم يكون على وجه الحقيقة؛ لمصداقيّته للمعنى العامّ الذي وضع له اللفظ؛ فالإشكال في اسم الزمان مختصّ باسم الزمان المشتق». [4]

أقول: یمکن رفع الإشکال عن جمیعها، کما سیأتي.

الأجوبة عن الإشکال

الجواب الأوّل

قال المحقّق الخراسانيّ (رحمة الله): «يمكن حلّ الإشكال بأنّ انحصار مفهوم عامّ بفرد- كما في المقام- لا يوجب أن يكون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العام. و إلّا لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة، مع أنّ الواجب موضوع للمفهوم العام، مع انحصاره فيه- تبارك و تعالى». [5] [6]

الإشکال في کلام المحقّق الخراساني

قال المحقّق البجنورديّ (رحمة الله): «أنت خبير أوّلاً: أنّه بناءً على هذا يكون هذا البحث لغواً لا ثمرة فيه أصلاً[7] ؛ لأنّ ذلك المفهوم العامّ و لو كان لا ينقضي بانقضاء الحدث و لكن حيث إنّه لم يكن له مصداق آخر فلم يبق ثمرة و فائدة لإطلاق المشتقّ عليه حتّى يقع النزاع في أنّ الاستعمال حقيقيّ أو مجازي.

و ثانياً: أنّ حمل المشتقّ على الذات يكون على مفهوم الذات باعتبار حكايته و مرآتيّته عن مصاديقه. و إلّا فنفس المفهوم بما هو هو لا يحكم عليه بهذه الأحكام، فإذا يقال (مثلاً) «واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات» ليس هذا الحكم على مفهوم واجب الوجود بما هو مفهوم موجود في الذهن، بل بما هو حاكٍ عن مصداقه الأزليّ القديم.

إذا عرفت هذا فنقول: حيث إنّه لا مصداق آخر لهذا المفهوم غير ما انقضى و انعدم بانقضاء الحدث فلا يمكن أن يصير موضوعاً للمشتقّ أصلاً، حتّى و لو التزمنا باللغويّة و قلنا بعدم مضرّيّة عدم الثمرة». [8] [9]

و استشکل الإمام الخمینيّ (رحمة الله) مثله و أضاف: «أمّا تنظير المقام بالواجب، ففي غير محلّه؛ لعدم انحصار مفهوم الواجب فيه- تعالى‌؛ ضرورة أنّه كما يصدق على الواجب بالذات- و هو ذاته المقدّسة- فكذلك يصدق على ما يكون واجباً للغير و بالقياس إلى الغير.

نعم، مفهوم الواجب بالذات مصداقه منحصر فيه- تعالى،- و لكن لم يكن للمركّب من اللفظين- أعني الواجب بالذات- وضع على حدة، فتدبّر». [10]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

کما قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «إنّه لا يصحّ النقض بلفظ الجلالة؛ لكونه مستعملاً عند غير الموحّدين أيضاً. و لعلّ واضعه من الوثنيّين (مثلاً) الذين لا يعتقدون بانحصاره في فرد واحد. و أمّا واجب الوجود فليس لفظاً خاصّاً معيّناً لمعنى خاصّ، بل هو مركّب من كلمتين و لكلّ واحد منهما معناه الخاصّ و لا ربط له بالمقام». [11]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.

الجواب الثاني

إنّ المقتل [مثلاً][12] عبارة عن الزمان الذي وقع فيه القتل و هو اليوم العاشر من المحرّم و اليوم العاشر لم يوضع بإزاء خصوص ذلك اليوم المنحوس الذي وقع فيه القتل، بل وضع لمعنى كلّيّ متكرّر في كلّ سنة. و كان ذلك اليوم الذي وقع فيه القتل فرداً من أفراد ذلك المعنى العامّ المتجدّد في كلّ سنة، فالذات في اسم الزمان إنّما هو ذلك المعنى العامّ و هو باقٍ حسب بقاء الحركة الفلكيّة و قد انقضى عنه المبدأ الذي هو عبارة عن القتل، فلا فرق بين الضارب و بين المقتل؛ إذ كما أنّ الذات في مثل الضارب باقية و قد انقضى عنها الضرب، فكذا الذات في مثل المقتل الذي هو عبارة عن اليوم العاشر من المحرّم باقية لتجدّد ذلك اليوم في كلّ سنة و قد انقضى عنها القتل. [13]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال في الجواب الثاني

قال الإمام الخمینيّ (رحمة الله): «فيه أوّلاً: أنّ ما أفاده من باب خلط مفهوم بمفهوم آخر؛ لأنّ الكلام في مفهوم المقتل- الذي هو اسم الزمان- لا في اليوم العاشر من المحرّم و واضح أنّ مفهوم المقتل هو زمان الذي وقع فيه الحدث، لا مفهوم اليوم العاشر.

و ثانياً: أنّ كلّيّ عاشر المحرّم غير وعاء الحدث و ما يكون وعاؤه هو مصداق منه- الذي تحقّق فيه القتل و هو عاشر محرّم سنة 61 هجريّة- و من الواضح أنّه‌ غير باقٍ قطعاً و ما يوجد في كلّ سنة هو مصاديقه الآخر؛ فلم تكن الذات باقيةً». [14]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الجواب الثالث

قال المحقّق العراقيّ (رحمة الله): «إنّ الشبهة المذكورة مبتنية على كون هيئات أسماء الأزمنة موضوعةً مستقلّةً في قبال وضع هيئات أسماء الأمكنة. و أمّا إذا كان الوضع فيها واحداً و بمعنى جامع يطلق على الزمان مرّةً و على المكان أخرى- كما هو الظاهر- فلا إشکال أصلاً». [15] [16]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

کما قال الشیخ المظفّر (رحمة الله): «إنّ هذا[17] صحيح لو كان لاسم الزمان لفظ مستقلّ مخصوص و لكن الحقّ أنّ هيئة اسم الزمان موضوعة لما هو يعمّ اسم الزمان و المكان و يشملهما معاً، فمعنى «المضرب» (مثلاً) «الذات المتّصفة بكونها ظرفاً للضرب» و الظرف أعمّ من أن يكون زماناً أو مكاناً و يتعيّن أحدهما بالقرينة. و الهيئة إذا كانت موضوعةً للجامع بين الظرفين، فهذا الجامع‌ يكفي في صحّة الوضع له و تعميمه لما تلبّس بالمبدأ و ما انقضى عنه أن يكون أحد فرديه يمكن أن يتصوّر فيه انقضاء المبدأ و بقاء الذات.

و الخلاصة: أنّ النزاع حينئذٍ يكون في وضع أصل الهيئة التي تصلح للزمان و المكان، لا لخصوص اسم الزمان. و يكفي في صحّة الوضع للأعمّ إمكان الفرد المنقضي عنه المبدأ في أحد أقسامه و إن امتنع الفرد الآخر». [18]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

 


[1] .كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ج1، ص40.
[2] .جواهر الأصول - تقريرات، المرتضوي اللنگرودي، محمد حسن، ج2، ص42.
[3] .نهاية النهاية في شرح الكفاية، الإيرواني، الشيخ علي‌، ج1، ص64.
[4] . نتائج الافکار فی الاصول، الشاهرودی، السید محمود، ج1، ص136.
[5] .كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ج1، ص40.
[6] .الحاشية على كفاية الأصول، البروجردي، السيد حسين، ج1، ص117.
[7] .أنوار الأصول‌، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص162.
[8] . منتهی الاصول، البجنوردی، السید حسن، ج1، ص127.
[9] . مصباح الاصول (مباحث الالفاظ)، الخوئی، السید ابوالقاسم، ج1، ص191.
[10] .جواهر الأصول - تقريرات، المرتضوي اللنگرودي، محمد حسن، ج2، ص44.
[11] .أنوار الأصول‌، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج1، ص162.
[12] الزیادة منّا.
[13] .فوائد الأصول، الكاظمي الخراساني، الشيخ محمد علي، ج1، ص89.
[14] .جواهر الأصول - تقريرات، المرتضوي اللنگرودي، محمد حسن، ج2، ص45.
[15] .أجود التقريرات‌، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص56.
[16] . مصباح الاصول (مباحث الالفاظ)، الخوئی، السید ابوالقاسم، ج1، ص192.
[17] عدم جريان النزاع في اسم الزمان.
[18] . أصول الفقه- ط جماعة المدرسين، المظفر، الشيخ محمد رضا، ج1، ص99.