42/02/08
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: المکاسب المحرمة/ الکذب/ التوریة
الدفع الثاني
قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «إنّ الكذب في الكلام إنّما يتحقّق إذا لم تكن هناك قرينة على أنّ المتكلّم لم يرد ما ذكره بالإرادة الجدّيّة و إنّما ذكره لغاية اُخرى و عندئذٍ تخرج الكلام عن الكذب و أمّا القرينة فهي أنّ من المسلّمات بين البشر- فضلاً عن إبراهيم (ع)- أنّ الجماد لا يقدر على الحركة و الفعل و أنّه لا يمكن أن تقوم الأخشاب بكسر الأصنام و إنّما ذكره إبراهيم (ع) استهزاءً بهم و استنطاقاً لهم حتّى يعودوا و يقولوا: ﴿... لَقَدْ عَلِمْتَ مٰا هٰؤُلٰاءِ يَنْطِقُونَ﴾[1] فيرجع إليهم ببرهان قاطع و يقول: ﴿... أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ مٰا لٰا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَ لٰا يَضُرُّكُمْ﴾[2] »[3]
أقول: کلامه (حفظه الله) متین.
و منها: ... [4] فَقُلْتُ: قَوْلُهُ- عَزَّ وَ جَلَّ- فِي يُوسُفَ (ع): ﴿... أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ﴾[5] قَالَ (ع): «إِنَّهُمْ سَرَقُوا يُوسُفَ (ع) مِنْ أَبِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ حِينَ قَالَ: ﴿... ما ذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ[6] الْمَلِكِ ...﴾[7] وَ لَمْ يَقُلْ: سَرَقْتُمْ صُوَاعَ الْمَلِكِ؛ إِنَّمَا عَنَى سَرَقْتُمْ يُوسُفَ (ع) مِنْ أَبِيه ...» [8]
إستدلّ بها بعض الفقهاء [9] [10] [11]
کلام المحقّق الإیروانيّ في الآیة
ينبغي أن يكون المراد من فقدان الصواع عدم وجدانه في محلّه لا الفقدان الحقيقيّ و إلّا كان نفس هذا الكلام كاذباً [کذباً]؛ لعدم فقدهم له و علمهم بمكانه و أنّه في رحل بنيامين و مجرّد عدم معرفة موضع الرحل لا يوجب صدق الفقدان، فلو كانت لك وديعة عند زيد لا تعلم أنّه وضعها في أيّ بيت من بيوته هل يقال: إنّك فقدتها!. [12]
أقول: لعلّ المؤذّن علم بفقدان الصواع و أذّن ذلك، فمراده الفقدان الحقیقي، لا عدم الوجدان في محلّه.
الإشکالان علی الاستدلال بالروایة
الإشکال الأوّل
قال بعض الفقهاء (ع): «أوّلاً: إنّ الكلام في قضيّة يوسف (ع) لم يكن منه و لا دليل على أنّه كان بإذنه و لعلّ المؤذّن لمّا فقد صواع الملك، حصل له سوء ظنّ بأخوة يوسف (ع) و قال ما قال و عدم نهي يوسف (ع)عنه لو كان بمرآه لعلّه لمصلحة هناك. و ثانياً: يجوز أن يكون المراد سرقة يوسف (ع) من أبيه». [13]
أقول: کلامه (ع) متین، لکن الروایة ضعیفة السند لایصحّ الاستدلال بها.
الإشکال الثاني
هو كلام صادر عن المأمورين لا عن نفس يوسف (ع) و لا يؤخذ يوسف (ع) بكلام مأموره و لعلّهم لمّا فقدوا صواع الملك، تيقّنوا أنّ الإخوة سرقوه، فاتّهموهم بالسرقة و لم يقفوا على العمل السرّيّ الذي قام به يوسف (ع) أو بعض خواصّه من جعل صواع الملك في رحل أخيه. [14]
أقول: کلامه (حفظه الله) متین.
و منها:...[15] فَقُلْتُ قَوْلُهُ: ﴿... إِنِّي سَقِيمٌ﴾[16] قَالَ (ع): «مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ (ع) سَقِيماً وَ مَا كَذَبَ، إِنَّمَا عَنَى سَقِيماً فِي دِينِهِ مُرْتَاداً[17] ...». [18]
إستدلّ بها بعض الفقهاء. [19] [20] [21]
أقول: إعتذر (ع) بالسقم حتّى لا يخرج معهم و يكسر أصنامهم. ربما قيل فى الآيات المذكورة وجه آخر و هو أنّ معنى ﴿«فعله كبيرهم»﴾ من باب المجاز و أنّ الذنب على الكبير تشبيهاً للأصنام بالناس. فكما إذا ابتلى الناس بسبب إهمال كبرائهم يقال: فعله كبيرهم، كذلك شبّهت الأصنام بالناس لزعم عبادها أنّها صاحبة إدراك. و يؤيّد ذلك استعمال الصنم في القرآن الحكيم بلفظ العاقل في كثير من الآيات: ﴿أُولٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ و كذلك أرجع ضمير العاقل إليها، فالمعنى أنّ كبير الأصنام لو كان إلهاً، كان الذنب على عاتقه، لماذا لم يدافع عن الأصنام فالفعل منه، كما يقال أفسد الملك شعبه و ألقاهم فى التهلكة إذا لميدافع عنهم.