41/03/18
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: تعارض احوال اللفظ / وضع
الصورة الثامنة: التعارض بین التخصیص و المجاز.
ذهب بعض الأصولیّین إلی أنّ التخصيص أولى من المجاز[1] .[2] [3] [4] و هو الحق؛ لوجوه:
منها: أنّ العامّ باقٍ علی عمومه إلّا بمقدار ثبت التخصیص و بقي الباقي. و هذا لیس خروجاً عن المعنی الحقیقيّ أصلاً، بخلاف المجاز، فإنّه استعمال اللفظ في غیر ما وضع له؛ فلا بدّ له من الإثبات بدلیل معتبر و لایکفي مجرّد الاحتمال.
و منها: أنّ التخصیص مطابق للاحتیاط غالباً، بخلاف المجاز.
و منها: غلبة التخصیص بین أنواع المجازات. و یمکن أن یقال بعدم کونه مجازاً، کما ثبت في محلّه.
و للأدلّة و المؤیّدات الآتیة. هذا إذا تحقّق الظهور العرفيّ و إلّا فلا.
المثالكقوله- تعالى: ﴿... فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ...﴾[5] . فيقول الخصم: المراد الحقيقة، خصّ عنه أهل الذمّة. و يقول الآخر: بل المراد غيرهم؛ فيكون مجازاً من باب إطلاق الكلّ على الجزء؛ أو يقول: حقيقة اللمس ناقضة كقوله- تعالى: ﴿... أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ...﴾[6] لكن خصّ بمسّ المحرّم و الصغيرة و الميتة، لخروجهنّ عن مظنّة الاستمتاع فيقول الآخر: بل المراد الوطء؛ فلا ينتقض الوضوء بحقيقته.[7]
أدلّة ترجیح التخصیص علی المجازالدلیل الأوّلإنّ اللفظ انعقد في التخصيص دليلاً على جميع الأفراد، فإذا خرج البعض بدليل، بقي معتبراً في الباقي من غير افتقار إلى تأمّل و بحث و اجتهاد. و في المجاز انعقد اللفظ على الحقيقة، فإذا خرجت بقرينة احتيج في صرف اللفظ إلى المجاز إلى الاستدلال، فكان التخصيص أبعد عن الاشتباه، فكان أولى. [8]
الدلیل الثانيالظاهر اتّفاق أصحابنا عليه[9] ، كما لايخفى على من تتبّع طريقتهم في مقام الاستدلال و هو حجّة؛ لأنّ أقلّ ما يحصل منه الظنّ بصحّة المتّفق عليه و هو حجّة في نحو هذه المسائل على أنّا ندّعي حصول العلم منه بذلك. [10]
الدلیل الثالثإنّ ذلك[11] ممّا جرت به عادة أهل اللسان؛ كما لايخفى فيجب الأخذ به لظهور اتّفاق علماء الإسلام على اعتبار ما جرت به عادتهم و يؤيّده قوله- تعالى:﴿وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ...﴾[12] . [13]
الدلیل الرابعإنّ التخصيص أغلب من المجاز، فيجب ترجيحه. [14]
أقول: یناسب ذکر هذا بعنوان المؤیّد، لا الدلیل.
کما قال الاصفهانيّ النجفيّ(رحمه الله): «إنّ التخصيص أكثر من المجاز في الاستعمال حتّى جرى قولهم:«ما من عامّ إلّا و قد خصّ» مجرى الأمثال».[15]
و قال السیّد صدر الدین الصدر(رحمه الله): «إذا دار بين التخصيص و المجاز رجّح التخصيص؛ لكثرته و شيوعه و إن قلنا إنّه منه؛ إذ المراد بالمجاز هنا ما عدى التخصيص بقرينة المقابلة».[16]
الإشکال علی الدلیل الرابعقال المحقّق النراقيّ(رحمه الله):«فيه نظر ظاهر؛ لمنع الأغلبيّة في كلام الشارع، كيف مع أنّ أكثره من الأمر و النهي المستعملين في الندب و الكراهة كثيراً، بحيث جعلهما بعضهم مجازين مشهورين و كثير منهما واردة في صورة الإخبار».[17]
أقول: لا دلیل علی هذا المدّعی، بل هو ادّعاء صرف؛ فإنّ کثرة التخصیص في العمومات الکثیرة في الآیات و الروایات فوق حدّ الإحصاء.