46/06/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /فضیلة العلم و العالم
فضیلة العلم و العالم:
بحثنا یدور حول فضیلة العلم و قیمة العالم.
قیمة العلم في الإسلام و دوره في الإیمان:
للعلم قیمة خاصّة. قال رسول الله (صلیاللهعلیهوآله): «العلم حیاة الاسلام و عماد الإیمان»[1] إن كنتم ترغبون في مجتمعٍ إسلاميّ، فعلى المسلمين أن يكونوا أهل علمٍ فإنّ العلم يُسبّب تقدّم الإسلام و نموّه و كماله. العلم عماد الإيمان؛ فبدونه يضعف إيمانكم. و عندما يطرح شخصٌ شبهةً و لا تستطيعون الردّ عليها، یضعف إيمانكم. أمّا إذا كنتم أهل علم، فسوف تستطيعون مقاومة الشبهات و حفظ إيمانكم. إنّ العلم لا يضمن حياة الإسلام فحسب، بل يضمن بقاء الإيمان أيضاً.
أوّل المعلّم للبشريّة:
إنّ الله- تعالى- هو أوّل معلّم للبشريّة؛ كما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾[2] و جاء أیضاً: ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾[3] و جاء: ﴿الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾[4] إنّ الله هو الذي علّم آدم الأسماء كلّها فإذاً أوّل المعلّم هو الله. جاء في آیة أخری: ﴿قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾[5] و هذا العلم هو الذي ميّز آدم عن سائر المخلوقات و أوجب سجود الملائكة له. فإنّ فضيلة آدم كانت في علمه الذي منحه الله إياه.
قال رسول الله (صلیاللهعلیهوآله): «أَكْثَرُ النَّاسِ قِيمَةً أَكْثَرُهُمْ عِلْماً و أقلّ الناس قيمةً أقلّهم علماً»[6] قيمةُ الإنسان الحقيقيّةُ في علمهِ لا في ماله فكلُّ من زاد علمه زادت قيمته، و كلُّ من قلَّ علمهُ قلَّت قيمتهُ. قال النبيّ (صلیاللهعلیهوآله) في حدیث آخر: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِهِ وَ إِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ وَ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَ لَا دِرْهَماً وَ لَكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»[7] من مشی في طریق العلم سهّل الله له طریق الجنّة.
إنّ طلب العلم ليس سبيلاً إلى التطوّر الفرديّ فحسب، بل هو سبيلٌ إلى مرضاة الله- تعالى. و حتّى الملائكة تبسط أجنحتها لدعامة طلّاب العلم. و جميع الخلائق من السماوات إلى الأرض حتّى سمك البحر، يستغفرون لمن يطلب العلم. و هذه هي القیمة العظیمة للعلم الذي وصفه الرسول (صلّى الله عليه و آله و سلّم) بأنه نوٌرٌ يضيء الطریق.
مقام العلماء و درجات العلم:
قال رسول الله (صلّى الله عليه و آله): «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْر»[8] : العالم منوّر و هادي الناس. «و إنَّ العُلَماءَ وَرَثَةُ الأَنبِياءِ» الأنبياء لا يورّثون المال و الثروة بل يورّثون العلم أفضلَ ميراث للبشر. من تعلّم هذا العلم فقد أخذ بحظّ وافر و میراث عظیم.
درجات العلم:
للعلم درجات. قال- تعالی- في القرآن: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[9] درجات العلم، أدراجٌ ترفع الإنسان إلى الكمال. و إذا اقترن العلم بالعمل، ازدادت هذه الدرجات. إنّ أداء الواجبات و ترك المحرّمات و العمل بالمستحبّات و الاجتناب عن المكروهات تزيد في نموّ العلم و التقوى في الإنسان.
کما أنّ الطعام يهضم و يصبح جزءاً من الجسم فکذلك یجب أن یتجذّر العلم و التقوی في وجود الإنسان. علی سبیل المثال إذا تکلّمنا مراراً عن التواضع فعلینا الوصول إلی حدّ یصیر التواضع جزءاً من وجودنا لا مجرّد شعار و قول. قد يصل شخصٌ ما إلى أعلى المراتب العلميّة و لكن غروره یمنع الناسَ من قبوله. إنّ العلم و التقوى لا یؤثّران إلّا إذا اقترن بهما التواضع.
كذلك الحال عندما نتحدّث عن التوكّل على الله فعلینا أن نصل إلى الإيمان بأنّ الجهد مع التوكّل هو السبيل إلى حلّ المشكلات. فإذا رسخت هذه المفاهيم في نفوسنا و تهضم فیها -كالطعام المغذيّ للبدن و الممهدّ له سلامته- فإنها تؤدّي إلی سلامة الروح و تقود الإنسان إلى كماله. و إلّا فإنّ العلم بلا عمل و التقوى بلا هضم داخليّ قد يسبّبان مشاکل في طریق الحیاة كالغذاء الذي لا يهضم.