46/06/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /الغضب
ملخّص الدرس السابق: یکون بحثنا حول الأخلاق و السیطرة علی قوّة الغضب؛ القوّة التي إذا لم تتمّ السیطرة علیها فقد یؤدّي ذلك إلی انجرار الإنسان إلى الهلاك في الدنيا و الآخرة.
ضبط الغضب و أهميّة إدارته:
من الأمور التي قد تصيب الإنسان لا سیّما الشخصيّات البارزة الکبیرة، هو الغضب. عندما يغضب الإنسان، قد يفقد السيطرة على نفسه فیقول بأيّ قول و یقوم بأيّ فعل. في مثل هذه الحالات، قد يرتكب الإنسان أخطاءاً كبيرةً؛ مثل التقوّل بكلمات قبیحة أو حتّى تصرّفات جسدیّة موجبة للندم لاحقاً.
ليس هذا الأمر مقصوراً على الأشخاص العاديّين فحسب، بل قد تصيب هذه الحالة الأکابرَ أیضاً. لکنّ الأهمّ هو الوقاية من الوصول إلى مثل هذه الوضعیّة. يجب على الإنسان أن يسيطر على نفسه قبل أن يبلغ الغضب إلی غایته. بمجرد الشعور بالغضب، فإنّ أفضل العمل ابتعادك عن المحل. فإذا كنت في مجلس و توقّعت أنّ الحديث سيتحوّل إلى شجار أو إهانة، فعليك ترك المكان أو إذا حدث نزاع بينك و بين أفراد أسرتك في المنزل، فعليك ترك البیئة حتّى تستعيد هدوءك.
لأجل السیطرة علی الغضب، يمكنك الاستعانة بأسالیب متعدّدة؛ مثل الوضوء أو غسل الوجه أو حتّى السجود. فهذه الأفعال تساعدك على استعادة هدوئك و تجنّب التصرّفات التي قد تندم عليها لاحقاً.
إنّ الاعتیاد على الحلم و الصبر من الصفات التي ينبغي أن یغرسه الإنسان في ذاته، قال علي ؟ع؟: «إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّم»[1] فإذا كنت شخصاً سريع الغضب بطبعك فعليك أن تسعى تدريجيّاً لتعويد نفسك على الصمت و ضبط النفس. حافظ علی هدوئك في الأوقات الحسّاسة بدلاً من ردّ الفعل السريع فهذا السلوك لا يعكس فقط اتّزانك و وقارك، بل يجعلك شخصاً محلّ ثقة و احترام في نظر الآخرين.
في بعض الأحيان، قد يتفوّه الإنسان في لحظة الغضب بكلام لا يتناسب مع مكانته و شخصيّته، هذه الأخطاء یمکن أن يسيء إلى سمعته و وجاهته أمام الآخرين. لذلك، يجب أن تتذكّر دائماً أنّ الغضب عدوّ للتعقّل و التدبير. إذا لم تتمكّن من السيطرة عليه، فقد تقودك عواقبه إلى مسارات تندم عليها لاحقاً.
أهميّة التسليم للحقّ و قبول قرارات العظماء:
من المشكلات التي قد یواجهها البعض هي الانزعاج و حتّی الوقوع في الغضب عند صدور قرارات أو آراء من كبار القادة أو الزعماء، خاصّةً عندما تكون هذه القرارات مخالفةً لرغباتهم الشخصيّة. يتجلّى هذا الأمر بوضوح عند التعامل مع قرارات الوليّ الفقيه أو القائد الأعلى. فالإنسان الذي لدیه التسليم الحقيقيّ لولاية الأمر لا ينبغي له أن ينزعج أو يغضب من مثل هذه القرارات.
قد نجد أنفسنا في مواقف تُتّخذ فيها قرارات من قِبل القادة أو المسؤولين قد لا تتوافق مع رغباتنا أو توقّعاتنا، لكن علينا النظر إلى المصلحة الكامنة في هذه القرارات، بدلًا من الغضب. إنّ القادة و زعماء الدين و السياسة يتّخذون قراراتهم بناءً على المصلحة العامّة لا وفقاً للأهواءنا الشخصيّة. من هنا فإنّ واجبنا هو أن نحترم هذه القرارات و نثق بها.
في بعض الحالات، قد يؤدّي عدم السیطرة علی الغضب حتّی في المجالس الخاصّة إلى التفوّه بأقوال تسيء إلى الإنسان و تقلّل من مكانته. هذا السلوك يكشف عن ضعف في ضبط قوّة الغضب. إذا لم يتمكّن الإنسان من السيطرة على نفسه في مثل هذه المواقف، فقد ينحرف تدريجيّاً عن الطريق الصحيح و يضرّ حتّی بالآخرین و المجتمع.
إنّ من أفضل الطرق للسيطرة على هذه المشاعر هو تنمية روح التسليم للحق. بمعنى أنّه عندما يصدر قرار من قائد أو كبير، حتّى لو كان مخالفاً لرغباتنا الشخصیّة، يجب أن نقبله بقلب مطمئن. و إلّا فإنّ الغضب و الانزعاج سيلحق الضرر بالإنسان على مرور الزمان.
و لأجل تمکّنکم علی تقوية هذه الروحیّة في أنفسکم يجب علیکم أن تعتبروا أنفسکم غیر محتاجین إلی تأیید الآخرین بل اجعلوا أنفسکم مستسلمین أمام الحق.كما قد یطلب الأب أو الأم من ولده حاجةً لا یرضی بها الولد و لکن علیه أن یقبل منهما ما طلبا منه احتراماً و محبّةً لهما فکذلك بنفس هذا المنطق، يجب التعامل مع قرارات القادة و الزعماء.
إنّ الغضب و الانزعاج يُعدّان في الحقيقة نوعین من الاعتراض على الطريق الذي وضعه الحقّ أمامنا. لكن إذا بلغ الإنسان مرحلة التسليم الحقيقيّ للحق، فلن يشعر حتّى في قلبه بالانزعاج من القرارات الصادرة من القادة. هذه الروحیّة لا تبعّد الإنسان عن الغضب و القلق فحسب، بل تضعه أيضاً في مسار الطمأنينة و الكمال.
بناءاً علی هذا یجب الالتفات إلی أنّ ضبط قوّة الغضب هو مفتاح الحفاظ على شخصيّة الإنسان و مكانته. و إذا لم تتمّ السیطرة علی هذه القوّة فقد يقع الإنسان في زلّات كبيرة حتّى مع أفضل النیّات. لكن من خلال ممارسة ضبط النفس و تقویة روح التسليم للحق، يمكننا تجنّب العديد من المشكلات و الندم في المستقبل.