46/05/25
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /الغضب
خلاصة الجلسة السابقة:کان بحثنا حول الأخلاق و السیطرة علی قوّة الغضب و هي قوّة إذا لم تسیطر علیها فستجرّ الإنسان في الدنیا و الآخرة إلی الخسران. الغضب في غیر محلّه أشدّ عامل خطراً و قد دمّر کثیراً من الناس. قد شاهدنا نماذج علی ذلك حولنا بين أسرتنا و أصدقائنا و جیراننا حتّی بین العلماء و الشخصیّات المبررّزة. الذین لم یقدروا علی ضبط أنفسهم فقد انتهی أمرهم بارتکاب القتل و النزاع أو الأعمال غیر القانونیّة و يفقدون سمعتهم. إنّ کثیراً من الأشخاص المحکومة بالإعدام هم ضحایا لهذه القوّة الغضبیّة و قد أوصلتهم القوّة الغضبیّة إلی مکان لا یقدرون علی الرجوع منها.
هذه المسألة تدلّ علی أنّنا جمیعاً صغیرنا و کبیرنا في معرض هذه القوّة المهلکة و علینا أن نجد طریق العلاج للسیطرة علیها.
کیف نسیطر علی الغضب؟
هناك طریقان للسیطرة علی الغضب: الطریق العلميّ و الطریق العملي.
الطریق العلمیّة:
التفکّر في عواقب الغضب
یجب علی الإنسان أن یفکّر في ما یحصل للغضب من النتائج المریرة. إقرؤوا الآیات و الروایات التي وردت في الآثار المنفیّة للغضب و دقّقوا النظر في حیاة أشخاص لم یسیطروا علی غضبهم و انظروا و اعتبروا کیف یسبّب الغضب في تدمیر حیاتهم.
الطرق العملیّة:
الابتعاد من المواقع المحرّکة
إذا علمتم أنّ هناك جمعاً أو مجلساً تجري فیه أبحاث تغضبکم فلا تدخلوه. هذا طریق عقلائيّ لمنع وقوع الغضب.
تشغیل الذهن
إذا وقعتم في موقع تؤذیکم کلمات الآخرین و تغضبکم فأصرفوا أذهانکم إلی شيء آخر. علی سبیل المثال إتصّلوا مع أحد هاتفیّاً أو اذکروا الله أو اقرؤوا سورةً من القرآن کسورة الواقعة فإنّ هذا العمل یبعّدکم عن منبع الغضب.
تغییر حالة الجسم
قد ورد في الروایات أن اجلسوا إذ کنتم قائمین. تغییر حالة الجسم یخفض الغضب و إن استطعتم أن تخرجوا من بین الجمع فاخرجوا.
السجود و الدعاء
إذا غضبتم فضعوا وجوهکم علی التراب و اسألوا الله الهدوءَ فإنّ هذا العمل قد أکّد علیه في الروایات.
التوضّأ أو الاغتسال
إذا اشتدّ غضبك فتوضّأ أو اغتسل. هذا العمل له أثر في الهدوء و یُخفض الغضب.
التعامل العاطفي
أظهر المحبّة عند الغضب. علی سبیل المثال فاضرب بیدك علی کتف الطرف المقابل و اضحك أو تعامل تعاملاً عاطفیّاً. هذا السلوك یمکن أن یسکّن الفضاء المتموّج.
الصمت
إذا تکلّم أحد بشيء يزعجك فالتزم بالصمت و لا تُجبه. قال الإمام عليّ (علیه السلام): «رُبَّ كَلَامٍ جَوَابُهُ السُّكُوتُ»؛[1] فإنّ هناك کثیراً من الکلمات يمكن الردّ عليها بالصمت، قال (علیه السلام) في کلام آخر له أیضاً: «دَاوُوا الْغَضَبَ بِالصَّمْتِ».[2]
الذکر
کرّروا أذکاراً مثل «لا حول و لا قوّة إلّا بالله العليّ العظیم» أو «أعوذ بالله من الشیطان الرجیم» فإنّ لهذه الأذکار تأثیراً بلیغاً في راحة الروح. قال الله-تعالی: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾[3] ؛ إذا ذکرتم الله حصلت لکم نورانیّة و راحة لروحك.
قد نقل عن النبيّ (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أنّه کان یقول لعائشة إذا غضبتْ: «قُولِي اللَّهُمَّ رَبَّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ إغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَ أَذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي وَ أَجِرْنِي مِنْ مَضَلَّاتِ الْفِتَنِ».[4]
قد نقل في روایة أخری أن «أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ يَا ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي فِي غَضَبِكَ أَذْكُرْكَ فِي غَضَبِي لَا أَمْحَقْكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ وَ ارْضَ بِي مُنْتَصِراً فَإِنَّ انْتِصَارِي لَكَ خَيْرٌ مِنِ انْتِصَارِكَ لِنَفْسِك».[5]
قد وقعتُ الأیّامَ الماضیة في ظروف استلزمت عملیّةً جراحیّةً. سألت عن الطبیب هل تقوم بتخدیري؟ قال: لا. ثمّ عزمت تقلیلاً للألم أن أشتغل ذهني فبدأت بقراءة الأدعیة و السور التي کانت في حفظي، منها السورة یس و سورة الواقعة. هذا العمل قد أبعد ذهني عن البیئة حولي و سهّل عليّ تحمّل الشرائط.
الإنتاج
الغضب قوّة إن لم تضبظ فسیُهلك الإنسان. لکن یمکن التسلّط علی هذه القوّة بالممارسة و استخدام الطرق العلمیّة و العملیّة و التوکّل علی الله. قد وعدنا الله- تعالی- بأن سیحلّ لنا مسائلنا بشکل أفضل منّا إن رضینا به منتصراً و ترکنا غضبنا له. فتوکّلوا إذاً علی الله و اجْرُوا اسمه علی ألسنتکم حتّی تبلغوا إلی اطمئنان النفس و السکینة.