46/05/11
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /الغضب
خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث حول القوّة الغضبیّة المعروفة بأنّها مفتاح جمیع الشرور التي نراها في هذا العالم. علی الرغم من أنّ هذه القوّة یمکن أن تکون مصدراً للخیرات و تفید في بعض الحالات إلّا أنّها إذا أستعملت بشکل غیر مناسب بلا حدود فإنّها ستصیر منشأً للمفاسد و الزیوغ.
قال أمیرالمؤمنین عليّ (علیه السلام) في الرسالة التاسعة و الستّین[1] من نهج البلاغة: «وَ اكْظِمِ الْغَيْظَ»، أي لا تغضب في غیر محلّه و لا تتجاوز الحدّ. «وَ تَجَاوَزْ عِنْدَ الْمَقْدَرَةِ» أُعفُ إذا قدرتَ. العفو ذو قیمة عندما تقدر علی الانتقام و لکن تختار العفو ابتغاء مرضاة الله و تتحکّم علی غضبك. «وَ احْلُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ وَ اصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ»؛ إذا غلبت فاعفُ فإنّ هذا العفو ذو قیمة جدّاً.
نری نموذجاً ظاهراً لکظم الغیظ في حیاة الإمام الکاظم (علیه السلام). لقد لُقّب هو (علیه السلام) بـ«الکاظم» لکظمه غیظه و سیطرته علی غضبه. قد نقلت روایات کثیرة فیه (علیه السلام) و هو أنّه إذا أهانه أحد فلم یکن یسمح أن یتعرّضوا له. و قد تعرّض له (علیه السلام) أحد في بعض تلك التیّارات و سبّه و أهانه فقصد أصحاب الإمام (علیه السلام) أن یتعرّضوا له و لکنّ الإمام منعهم و توجّه بنفسه إلی السابّ حتّی أنّ الإمام قد ذهب إلی مزرعته و استفسر عن حاله و وضع معیشته و دَخْلِه ثمّ أعطاه جمیع مصارفه السنویّة. هذا العمل الصادر عن الإمام مع الکرم و الرحمة قد جعل الرجل أن یخجل و یذهب في ال یوم الآتي إلی المسجد و یعتذر للإمام و هو یقول:﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾[2] ؛ الله یعلم بشکل أفضل أن یجعل رسالته في أین و في من.
هکذا طریقة الإمام الکاظم (علیه السلام) و سلوکه مع أعدائه من رحمته علیهم و إحسانه. قد كان یُعطي في بعض الموارد جمیع المعاش و المصارف السنویّة لهم و قد کان یمهّد لهم منزلاً و أثاثه و كان یبذل لهم المحبّة الکثیرة. هذه نماذج من الروایات التي تُرینا أنّ الإمام الکاظم (علیه السلام) کیف یعمل مع من کان یهینه. قد اعتقد الأئمّة المعصومون أنّ أفضل طرق التقرّب إلی الله هي المحبّة.
الطریق الأقرب للوصول إلی الله:
قال النبيّ (صلّیالله علیه و آله): «مِنْ أَحَبِّ السَّبِيلِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ جُرْعَتَانِ جُرْعَةُ غَيْظٍ تَرُدُّهَا بِحِلْمٍ وَ جُرْعَةُ مُصِيبَةٍ تَرُدُّهَا بِصَبْر»ٍ[3] ؛ إذا أراد الإنسان قرب الله- تعالی- یصلّي أو یصوم و یعبد الله و یذکره، هذه وسائل للقرب من الله، ذکر الله حسن جدّاً و لکن بعض الأمور طریق مختصر؛ أي هي أعمال تقربّك من الله سریعاً، واحد منها أنّك إذا انزعجت من أحد و غضبت علیه، کظمت غیظك و استغفرت له و عفوتَ عنه.
«مِنْ أَحَبِّ السَّبِيلِ»؛ أي إنّ من أفضل طرق القرب من الله شيئين: غضب یُردّ بالحلم و مصائب یتحمّلها الإنسان و یصبر علیها و لا یتکلّم فيها بکلمات غیر مربوطة.
کان رسول الله (صلّی الله علیه و آله) نموذجاً ظاهراً و تامّاً من کظم الغیظ في هذا الطریق. جاء في بعض الروایات المشهورة أنّ رجلاً من الأعراب قد تمسّك برداءه (صلّی الله علیه و آله) من خلفه و جرّه حتّی احمرّ عنقه فانزعجت الأصحاب و یقیمون بالدفع عن رسول الله (صلّی الله علیه و آله) و لکنّه منعهم و لم یعمل بشدّة بل قد عمل بالهدوء الدائميّ و أعطاه فلوساً کثیرة حتّی یرضیه.[4] کانت هذه المعاملة الکریمة تظهر أخلاق النبيّ (صلّی الله علیه و آله) من أنّه کان یکظم الغیظ و یعفو حتّی أمام إهانة الناس و جرأتهم.
مقوّي الإیمان:
کظلم الغیظ من الخصائص التي یمکن أن تقوّي الإیمان. نعم إنّ ذکر الله مهمّ جدّاً و لکن من أشدّ الطرق تأثیراً في تقویة الإیمان کظم الغیظ و منع الغضب. جاء في روایة أنّ «مَنْ كَظَمَ غَيْظاً مَلَأَ اللَّهُ جَوْفَهُ إِيمَاناً»[5] ؛ إنّ کظم الغیظ یقوّي الإیمان و هو بمعنی أنّکم إذا غضبتم فاکظموا غیظکم و اعفوا ابتغاء مرضات الله حتّی یقوّی إیمانکم.
قال الصادق (علیه السلام) في روایة: «وَ أَمَّا اللَّوَاتِي فِي الْحِلْمِ فَمَنْ قَالَ لَكَ إِنْ قُلْتَ وَاحِدَةً سَمِعْتَ عَشْراً فَقُلْ إِنْ قُلْتَ عَشْراً لَمْ تَسْمَعْ وَاحِدَةً وَ مَنْ شَتَمَكَ فَقُلْ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فِيمَا تَقُولُ فَاللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَغْفِرَهَا لِي وَ إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فِيمَا تَقُولُ فَاللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَغْفِرَهَا لَكَ وَ مَنْ وَعَدَكَ بِالْجَفَاءِ فَعِدْهُ بِالنَّصِيحَةِ وَ الدعَاء»[6] ؛ هذه أوامر المعصومین (علیهم السلام) لحیاتنا و إن ادّعینا اتّباعهم فعلینا العمل بأوامرهم في سلوکنا و حیاتنا. من یهدّدك فقل له إنّي أدعوا لك.
يجب علينا أيضاً أن نأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار في تعاملاتنا اليوميّة مع الآخرين. إذا أساء إلينا شخص ما، فلا یجوز لنا أن نتعامل معه بنفس الطريقة. بل یجب أن تکون لدینا نیّة حسنة و النصح و الدعاء بدلاً من ذلك. التعامل مع الشدّة من غیر أدب و المعاملة بالمثل لم یکونا منهجين للرسول و الأئمّة (صلوات الله و سلامه علیهم أجمعین)، بل کان النبيّ (صلّی الله علیه و آله و سلّم) یتعامل بالمحبّة و کظم الغیظ و لو مع الذین لم یکونوا یؤمنون به.
و بالتالي إن أردنا تقوية إيماننا، فهناك طرق عديدة؛ منها: الذكر و العبادة. و لكن من أسرع الطرق و أكثرها تأثیراً في التقرّب إلى الله. هذا العمل يدلّ على عمق إيمان الإنسان. و كلّما قدرت على إمساك غضبك، كأنّك قد خطوت خطوةً في طريق العبودية و القرب من الله.